اطبع هذه الصفحة


شرح أحاديث عمدة الأحكام
الحديث الـ 265 في الترخيص لأصحاب الأعذار في ترك المبيت بمنى

عبد الرحمن بن عبد الله السحيم

 
ح 265

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : اسْتَأْذَنَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنىً , مِنْ أَجْلِ سِقَايَتِهِ فَأَذِنَ لَهُ .

فيه مسائل :

1= تقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة ؛ لأن سقاية الحاج منفعته مُتعدّية ، وهو مُتعلِّق بِعُموم الحجاج ، والمبيت مُتعلِّق بالحاجّ نفسه .
ولو كانت المصلحة مُتعلِّق بِغير بني آدم ، كما أذِن النبي صلى الله عليه وسلم للرُّعاة أن يَرْموا يومًا ، وأن يَدَعوا يومًا .
ففي حديث عاصم بن عدي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْخَصَ لِرِعَاءِ الإِبِلِ فِي الْبَيْتُوتَةِ خَارِجِينَ عَنْ مِنًى يَرْمُونَ يَوْمَ النَّحْرِ ثُمَّ يَرْمُونَ الْغَدَ وَمِنْ بَعْدِ الْغَدِ لِيَوْمَيْنِ ثُمَّ يَرْمُونَ يَوْمَ النَّفْرِ . رواه الإمام مالك ، ومِن طريقِه : الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه .
وفي رواية أحمد والترمذي وابن ماجه : رخّص رسول الله صلى الله عليه و سلم لرعاء الإبل في البيتوتة أن يَرموا يوم النحر ، ثم يجمعوا رمي يومين بعد يوم النحر ؛ فيَرمونه في أحدهما . قال مالك : ظننت أنه قال في الأول منها : ثم يرمونه يوم النفر .
وفي رواية للنسائي : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم رَخَّص للرُّعَاة في البيتوتة ، يَرْمُون يوم النحر ، واليومين اللذين بعده يجمعونهما في أحدهما .
قال الخطابي : أراد بِيوم النفر هاهنا النفر الكبير ، وهذا رُخصة رَخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم للرعاء لأنهم مضطرون إلى حفظ أموالهم ، فلو أُخِذُوا بالمقام والمبيت بِمِنى ضاعت أموالهم ، وليس حكم غيرهم في هذا كَحُكْمِهم . اهـ .
والرواية الأولى مُشكلة ؛ لتضمنها للرمي في الأيام كلها ، فلا يظهر فيها رُخصة .
وروى ابن عبد البر في " التمهيد " من طريق يحيى القطان قال حدثنا مالك أخبرنا عبد الله بن أبي بكر عن أبيه عن أبي البداح بن عاصم بن عدي عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخّص للرعاء في البيتوتة يرمون يوم النحر ، واليومين الذين بعده يجمعونها في أحدهما .
ثم قال ابن عبد البر : وفي رواية القطان هذه ما يَدلّ على أن الرعاء رخص لهم في جمع رمي اليومين في اليوم الواحد ، قَدّموا ذلك أو أخّرُوه ، ومالك لا يرى لهم التقديم إنما يَرى لهم تأخير رمي اليوم الثاني إلى الثالث ، ثم يَرْمُون في الثالث ليومين ؛ لأنه لا يقضي عنده شيء مِن ذلك حتى يجب ، وغيره يقول : لا بأس بذلك كله ؛ لأنها رُخصة رُخّص لهم فيها كما رُخِّص لمن نَفَر وتعجّل في يومين . اهـ .

2= يدخل في هذا الإذن مَن احتاج إلى تَرْك المبيت ممن يُحتَاج إليه ، مثل الأطباء ، ومَن في حُكمهم .
قال ابن عبد البر : وروى عطاء عن ابن عباس قال : إذا كان للرَّجل متاع بمكة فخشي عليه الضيعة إن بات بمنى فلا بأس أن يبيت عنده بمكة . وهذه الرواية أشبه لأنه خائف مضطر ، فَرُخِّص له .
وقال الخطابي : واخْتَلَف أهل العلم في المبيت بمكة ليالي منى لحاجة مِن حَفظ مال ونحوه ، وكان ابن عباس يقول : لا بأس إذا كان للرَّجُل متاع بمكة يخشى عليه إن بات عن منى .
3= قوله : " أَنْ يَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنىً " ، أي : ليلة الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر لِمن تأخّر .

4= الحديث دليل على وُجوب المبيت بِمِنى
قال ابن عبد البر : أجمع الفقهاء على أن المبيت للحاج غير الذين رُخِّص لهم ليالي منى بمنى مِن شعائر الحج ونُسكه ، والنظر يوجب على كل مُسقط لنُسكه دما قياسا على سائر شعائر الحج ونُسكه .
وأحسن ما في هذا الباب ما رواه مالك عن نافع عن ابن عمر قال : قال عمر : لا يَبِيتَنّ أحدٌ مِن الحاج مِن وراء العقبة ، وكان يُوكِّل بذلك رجالا لا يَتركون أحدا مِن الحاج يبيت من وراء العقبة إلاّ أدخلوه .
وهذا يدل على أن المبيت مِن مُؤكَّدات أمور الحج . اهـ .
وقال النووي : قوله : استأذن العباس رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته فأذن له
هذا يدل لمسألتين :
إحداهما : أن المبيت بِمنى ليالي أيام التشريق مأمور به ، وهذا متفق عليه ، لكن اختلفوا : هل هو واجب أم سنة ؟ ..
المسألة الثانية : يجوز لأهل السقاية أن يَتْرُكوا هذا المبيت ، ويذهبوا إلى مكة ليستقوا بالليل الماء من زمزم ، ويجعلوه في الحياض مُسَبّلا للشاربين وغيرهم ، ولا يَختص ذلك عند الشافعي بآل العباس رضي الله عنه ، بل كل مَن تولَى السقاية كان له هذا . اهـ .
وقال ابن حجر في " الفتح " : في الحديث دليل على وُجوب المبيت بِمِنى ، وأنه مِن مناسك الحج ؛ لأن التعبير بالرُّخْصَة يقتضي أن مُقَابِلها عزيمة ، وأن الإذن وَقَع للعِلّة المذكورة ، وإذا لم تُوجَد أوْ ما في معناها لم يحصل الإذن . وبالوجوب قال الجمهور .

5= لا يحصل المبيت بالوقت اليسير ولا بالمرور في منى .
قال ابن حجر : لا يحصل المبيت إلاّ بِمُعْظَم الليل .

6= اخْتُلِف في تَرْك المبيت بِمنى على أقوال :
أ – عليه دَم عن كل ليلة .
ب – عن كل ليلة إطعام مسكين ، وعن الثلاثة دم . أو عن ليلتين لِمن تعجّل .
جـ - التصدّق بِدِرهم ، وعن الثلاثة دم . أو عن ليلتين لِمن تعجّل .
د – لا شيء عليه ، عند مَن يقول بِعدم وُجوب المبيت .

7= وفي الحديث أيضا : استئذان الأمراء والكبراء فيما يطرأ مِن المصالح والأحكام ، وبِدَارُ مَن استُؤمِر إلى الأذن عند ظهور المصلحة . قاله ابن حجر في " الفتح " .

والله أعلم .

 

عمدة الأحكام
  • كتاب الطهارة
  • كتاب الصلاة
  • كتاب الصيام
  • كتاب الحج
  • شرح العمدة
  • مـقـالات
  • بحوث علمية
  • محاضرات
  • فتاوى
  • الصفحة الرئيسية