اطبع هذه الصفحة


سنرحل يوما حتما سنرحل

أ. عبدالله بن محمد بادابود


بسم الله الرحمن الرحيم


الدنيا
كلمة نكررها دائماً ونذكرها دائماً .
قد تكون أخذت مسماها من الدنو وعدم الدوام .
وان كان ذلك صحيح تظل الدنيا دار نصب وكدح ووصب وبلاء .
لا ننكر ما فيها من صور مختلفة ولكن يغلب عليها العناء والشقاء .
والمؤمن لا يضجر ولا يشتكي من عنائها وبلائها ، بل يصبر ويحتسب، فكلها أمور تكفر السيئات وترفع الدرجات .
والموت يا أحبة ، لايفرق بين صغير وكبير ، بين أسود وأبيض ، بين غني وفقير .
عند الموت الكل سواء لا فرق بينهم .
ملك الموت الذي يهابه الزعماء والرؤساء والملوك والأمراء .
ملك الموت الذي يحضر دائماً في الموعد ، لم يخلف موعده أبداً ولم يضيع الدار أبداً .
محمد .. ابني وطالبي الحبيب . .
كان له موعد العام الماضي مع المرض ، ألقى قصيدة في المدرسة وبعدها لزم الفراش وأصبحت حالته الصحية من سيء لأسوء .
كشف وفحص وراجع ونوم والحالة الصحية للوراء والمرض في زيادة .
وبعد اعتماده على الله أولا ثم على الرقية الشرعية واخذ ماء تم تمريرة بين المدرسين والطلاب ، عادت صحته مجدد فما كان به سوى عين لم تذكر الله وقلب مصاب بدء الحسد قد يكون بقصد أو غير قصد ولكن نحسن الظن فقد أمرنا بإحسان الظن .
شاهدته في المستشفى منهك القوى ولازل يرسم بسمة جميلة بجمال أخلاقة ، رغم التعب والمرض .
لم يكن متفوق دراسياًُ ولكن اتفق الجميع طلاب ومدرسين على تفوقه الأخلاقي واتفق الجميع على حب هذا الطالب .
بعد شفائه أقام الزملاء له حفل عشاء ولكني لم احضر لظروفي .
وبعدها عاد محمد لصفوف الدراسة كما عهدناه بصحته وابتسامته وتعامله مع الجميع بحب ودماثة خلق ..
كتب الله لي أن أغادر الرياض وأغادر المدرسة بعد أن تم نقلي بفضل من الله إلى مدينة جدة .
وكما سبق أن كتبت عن الحفل الختامي للمدرسة ، لازلت اذكر محمد إثناء الفقرات الإنشادية عندما وقف بجانبي وقال ايش رأيك يا أستاذ عبدالله أقول فيك قصيدة - فقد تميز بإلقاء القصائد النبطية - فابتسمت وقلت له الله يخليك مانحنا ناقصين يصير فيك شي قام ضحك وراح .
مرت الأيام وفي أحد الأيام وبالتحديد في الإجازة الماضية ( إجازة الربيع ) جاءني اتصال وأنا في الحرم ولم أعر الأمر كثير اهتمام ، وفجأة وصلت رسالة ، أستاذ عبدالله يا ليت ترد علي . تلميذك محمد . .
اتصلت وقال أستاذ وينك ؟
قلت له قدام الكعبة .
قال وأنا قدام الكعبة أنت وينك ؟
وصفت له المكان وكان اللقاء أمام باب الفتح وأحرجني كثيرا عندما قبل رأسي إمام الجميع فقلت له مازحا إلا تخليني شايب فضحك .
ثم جلسنا وبدأ يكلمني عن مرضه القديم الذي أصابه العام الماضي وانه لم يكن بينه وبين الموت إلا خطوات فحمدت الله وذكرته أن يعمل لهذا المصير لأنه سيأتي عاجلا أم أجلا وكنت اذكر نفسي لما لقيته من قسوة في قلبي وتفريط في الكثير من الامور ..

قال لي الوالدة تاركها لوحدها وأخاف تكون ضاعت .. قلت له : اجل رح لوالدتك وخليها تدعي لي .. وقف وقال يا أستاذ وين مكان الصناعية ؟

قلت له بكره إن شاء الله نتقابل الصبح وأعلمك مكانها ، عموما التقينا وكتب الله له أن يسافر بعد يومين ..

ويوم الأربعاء الماضي عند عودتي من دورة تدريبية جاءني اتصال من رقم غريب ، ثم رسالة يا أستاذ عبدالله رد أنا محمد ؟
وكان ابني الغالي محمد وقال : يا أستاذ بس كنت أبي أخبرك إني في مكة وبكرة الصبح مسافر ادعي لي ، قلت له فجأة من دون مقدمات : بصراحة ما تستحي ، لك أسبوع في مكة والآن تتصل ، سكت قلت طيب كلم أخوك تجلسون لين بكره يصير نتقابل وأسلم عليك قال بصراحة مستعجلين بس لو جلسنا بدق عليك ..
لم يتصل فعرفت انه سافر وارتحل .

اليوم السبت الموافق 13/4/1429 هـ

جاءني اتصال وكان على الجهة المقابلة الابن سلطان من طلابي أيضا .

أستاذ عبدالله ، عظم الله أجركم ..

قلت جزاك الله خير بس في مين ؟

قال ما شفت محمد لمن جاء مكة ، قلت ربي ماكتب ، قال الآن نحنا في المقبرة بندفنه !

عندها ..
حارت الكلمات وتشتت العبارات وطاش الفكر .
آه يا دنيا
متى سنتعظ ، متى سنتعظ
علمت بالخبر قبل ساعة ولم أجد سوى قلمي وفكري لأسطر ما بداخلي ، تحملوا ركاكة عبارتي

وتداخل كلماتي .
فو الله إن القلب ليحزن والعين لتدمع وإنا على فراقك يا محمد لمحزنون .

والله الذي لا اله إلا هو سيأتي يوم لن نكون نحن من ننعي ونخبر عن وفاة أحد ، سنكون نحن ليس سوانا في عداد الراحلين .

لم اكتب هذا الموضوع إلا لتدعو لمحمد .. فقد كان في مكة وعاد ليموت في الرياض ..

اللهم اغفر لمحمد وارحمه وأعفو عنه ، اللهم جازه بالحسنات إحساناُ وبالسيئات عفوا وغفراناُ
.. اللهم اجعل قبره روضة من رياض الجنة ولاتجعله حفره من حفر النيران ، اللهم استره تحت الأرض ويوم العرض ، اللهم إنا أحببناه لخلقه وحسن تعامله .. اللهم فعامله بعفوك وكرمك يارب العالمين ..

عندها طاش القلم وخطها بألم .

سنرحل يوماً ، حتماً سنرحل

هـــــدى :~


قال تعالى :{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [العنكبوت: 57]

نور من السنـــة :~


ثبت عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (ما من عبد يصاب بمصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم آجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها، إلا آجره الله في مصيبته وأخلف له خيرا منها) حديث صحيح


بقلم : عبدالله بن محمد بادابود
تويتر : @ABADABOOD
A.Badabood@gmail.com


 

عبدالله بادابود
  • مقالات
  • كتب
  • دورات
  • الصفحة الرئيسية