اطبع هذه الصفحة


(روائع من البيان اللغوي في القرآن الكريم ) ..... سورة البقرة (3) .....

بندر بن فهد الايداء
@BandrALAyda

 

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على رسوله الأمين أما بعد :
البيان اللغوي في القرآن الكريم _ سورة البقرة _

(الحلقة الثالثة)


§ قال تعالى ( إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون * إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم * إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ) البقرة : 159_161 .

في هذه الآيات فوائد بديعة منها :


1. أن الله عبر عن الكاتمين لما أنزله بالفعل المضارع فقال (يكتمون) وهذا يدل على الزمن الحاضر والمستقبل فاليهود في الوقت الحاضر كاتمون للبينات والهدى ولو وقع التعبير بلفظ الماضي لتوهم السامع أن الحديث عن قوم مضوا .

2. قوله سبحانه (أولئك يعلنهم الله) والجملة خبر لـ(إن) وهي جملتان كبرى وصغرى فالصغرى جملة فعلية (يلعنهم الله)والكبرى جملة إسمية (أولئك يلعنهم الله) والتعبير بالجملتين ذو دلالة مزدوجة فهو بالجملة الاسمية يدل على ثبوت لعن الله لهم ودوامه ، وبالجملة الفعلية يدل على تجدد لعن الله لهم كلما تجدد كتمانهم .

3. الإشارة بـ (أولئك) تدل على البعد للدلالة على بعدهم بالإفساد وإفراطهم فيه ثم إن الإشارة لا تكون إلا للمشاهد ومع ذلك أشار بها إلى صفاتهم وهي لا تشاهد وذلك لأن وصفهم بتلك الصفات جعلهم كالمشاهدين للسامع .

4. تكرار قوله ( يعلنهم )في قوله(ويلعنهم اللاعنون) مع إمكان أن يقال (أولئك يلعنهم الله واللاعنون) وذلك لأن معنى اللعن في الثاني مختلف عن الأول فاللعن من الله الطرد والإبعاد من رحمته واللعن من غيره الدعاء على الملعون بذلك .

5. قوله (اللاعنون) هذا الوصف المعرف بالألف واللام يشعر بأن هنالك قوماً شغلهم الشاغل هو اللعن وليس الأمر كذلك ، إنما المراد هنا الذين يمكن أن يصدر منهم اللعن كالملائكة والصالحين الذين ينكرون المنكر ويغضبون لله تعالى فكأنهم اختصوا بذلك وإلا ليس هناك أحد متخصص باللعن فيوصم به .

6.
هل الاستثناء منقطع أم متصل في قوله ( إلا الذين تابوا ) ؟
من قال إنه متصل أراد أنه استثنى التائبين ممن يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون ، ومن قال إنه منقطع جعل التائبين من غير الملعونين لأنهم يرون أن من يلعنه الله لا يتوب عليه .

7. قوله (إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار) عبر عن كفرهم بالفعل الماضي الذي يدل على ثبوت الكفر منهم ثم أردفه بالإخبار عن موتهم على حالة الكفر،وهذا الصنف من الناس لا توبة لهم ولذلك عبر الله عن جزائهم بجملة إسمية تدل على الثبوت والدوام وليس فيها استثناء(أولئك عليهم لعنة الله والملائكة الناس أجمعين) فعبر فيها عن جزائهم بثبوت لعنة الله عليهم ودوامها وكذلك لعنة الملائكة والناس أجمعين لأنهم ماتوا على الكفر فأغلق دونهم باب التوبة فالحديث عن هالكين ،  وانظروا كيف عبر الله عن جزاء من يكتم آيات الله بقوله (أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون) فاللعن عليهم غير دائم لإمكان أن يتوبوا فيرضى الله عنهم فهو حديث عن أحياء .


§
 قال تعالى ( أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلا نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد تلك حدود الله فلا تقربوها كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون ) البقرة : 187 .

في هذه الآية وقفتان :

الأولى : يقال : رفث فلان بزوجه أو : رفث معها ، ولا يقال : رفث إليها ، فلم قال الله تعالى ( الرفث إلى نسائكم ) ؟

الجواب :
أنه ضمّن (رفث) معنى (أفضى) وهذا الفعل الأخير يتعدى بـ (إلى) تقول : أفضى فلان إلى زوجه ، والتضمين هنا أفاد صحة الرفث والإفضاء إلى الزوجة ليلة الصيام ، والرفث هو متضمن لما يستقبح ذكره من الجماع ودواعيه ، أما الإفضاء فهو المباشرة والجماع ، ولو لم يعدّ الرفث بـ (إلى) لتبادر إلى الذهن حل ذكر الجماع ودواعيه دون مباشرته ، فتأملوا أسرار العربية والبيان القرآني العظيم .

الثانية : قوله ( إلى الليل ) أتكون الغاية داخلة في حكم ما قبلها أم لا ؟  

قولان لأهل العلم :

الأول :
عدم دخوله ، فإذا قلت : سرت من القصيم إلى الرياض فإنك لم تدخل الرياض .
الثاني :
إن كان ما بعد (إلى) من جنس ما قبلها فهو داخل وإلا فلا ، مثال الجنس : اشتريت الغنم إلى آخرها ، ومثال غير الجنس : سرت من الخرج إلى الرياض .
وفي الآية الكريمة ( ثم أتموا الصيام إلى الليل ) الليل غير داخل في الصيام قطعاً ، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم (إذا أقبل الليل من ههنا ، وأدبر النهار من ههنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم ) _ رواه البخاري _ وهذا يؤيد أصحاب القول الأول .
والمتأمل في قوله تعالى ( حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ) يجد أن الله قد قدم الخيط الأبيض على الخيط الأسود وذلك والله وأعلم لأن السواد هو الأصل ، فالليل ملتحف بوشاحه الداكن والبياض طارئ عليه ، ولمّا كان المراد بالخيطين غير المتبادر للذهن أتى بـ ( من ) البيانية وكان عدي بن حاتم رضي الله  قد فهم الآية على ظاهرها فعمد إلى عقالين أسود وأبيض فجعلهما تحت وسادته ينظر إليهما في الليل فلا يستبين له شيء ، فقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك فقال ( إنما ذلك سواد الليل وبياض النهار ) رواه البخاري .


جمعه : بندرالايداء


 

بندر الايداء
  • مقالات
  • كتب وبحوث
  • مع القرآن
  • قصائد
  • الصفحة الرئيسية