اطبع هذه الصفحة


الإنسان في جزء عم .... "تفسير موضوعي"

بندر بن فهد الايداء
@BandrALAyda

 

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

   
لك الحمد حمداً نستلذ به ذكرا.... وإن كنت لا أحصي ثناءً ولا شكرا
لك الحمد حمدا طيبا يملأ السما.... وأقطارها والأرض والبر والبحرا
لك الحمد حمدا سرمديا ً مباركاً .... يقل مداد البحر عن كنهه حصرا

أما بعد :
فعنوان بحثي هذا هو (الإنسان في جزء عم )  وهو على طريقة التفسير الموضوعي وطريقتي في البحث  كالتالي :

1.    اطلعت على بعض التفاسير وتحديدا ما كتب  في تفسير هذه الآيات وبعد ذلك حاولت صياغة تلك المعاني بأسلوب موجز يفهمه القارئ ومحاولاً جمع الفوائد التي  لا تخرج عن إطار التفسير الموضوعي والتفاسير هي : (الطبري ، القرطبي ،  ابن كثير ،  الشوكاني ، السعدي ، ابن عثيمين ) رحم الله الجميع رحمة واسعة
2.   وصلت أن أطوار الإنسان في جزء عم هي
( الإنسان والمصير المحتوم ، الإنسان والتفكر والتدبر ، الإنسان والخلق ، الإنسان والطغيان ، الإنسان والابتلاء )
3.    لم أضع حواشي طلبا للإيجاز وحرصا على الفهم المباشر لما طرح  ولأني حاولت المزج بين كلامهم رحمهم الله واقتناص الفوائد وجعلها في عقد منتظم ومن أراد الزيادة فليرجع إلى مظانّ كلامهم في التفاسير آنفت الذكر


أخيرا
: هذا جهد مقل وهو عرضة للاستدراك وقصدي فيه الإيجاز و أسأله جل وعلا أن يرزقنا تلاوة كتابه أناء الليل وأطراف النهار وأن يعيننا على تدبره والعمل به وأن يفقهنا فيه وأسأله سبحانه أن يجعله حجة لنا لا علينا إنه أعظم مسؤول وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

كتبه
 بندر بن فهد بن عيد الايداء
 

الإنسان والمصير المحتوم
 

قال تعالى {فإذا جاءت الطامة الكبرى(34) يوم يتذكر الإنسان ما سعى(35) }النازعات
الطامة الكبرى وهي قيام الساعة ويخبر الله سبحانه وتعالى في هذه الآية عن الطامة وهي اسم من أسماء يوم القيامة وهي التي تطم على كل هائلة من الأمور فتغمر ما سواها لعظيم هولها وهي الداهية العظمى وقيل هي النفخة الثانية وقوله
(إذا جاءت الطامة الكبرى )حين يساق أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار وفي تلك الأثناء يتذكر الإنسان ما سعى وما عمل من خير وشر ويتذكره لأنه يشاهده مدوناً في صحائف عمله قال تعالى ( ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشوار إقرأ كتابك كفى بنفس اليوم عليك حسيبا ) الاسراء إذا قرأه تذكر ما سعى أي  ما عمل ، أما اليوم فإننا قد نسينا ما عملنا ، عملنا أعمالاً كثيرة منها الصالح ومنها اللغو ومنها السيئ لكن كل هذا ننساه وفي يوم القيامة يعرض علينا في كتاب ويقال : اقرأ كتابك أنت بنفسك  فحينئذ يتذكر الإنسان ما سعى والله المستعان

وقال تعالى{
وجيء يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى(23)}الفجر
وفي هذه الآية الكريمة بيان لما يحدث في ذلك اليوم الرهيب حينما تجيء جهنم وتقاد بسبعين ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يقودونها
_ ورد ذلك في صحيح مسلم _ ولها تغيظ وزفير ويومئذ يتذكر الإنسان ويتعظ ويذكر ما فرط ويندم على ما قدم في الدنيا من الكفر والمعاصي وما أسلفه في قديم دهره وحديثه ، فيتوب ويتعظ ولكن هيهات ولات حين مندم ومن أين له الاتعاظ ومن أين له التوبة ؟؟وكيف تنفعه الذكرى وقدم مضى زمنها وانقضى وأتت ساعة الحساب وفات الأوان ، وحينئذ الإيمان عن مشاهدة لا ينفع لأن كل إنسان يؤمن بما شاهد لكن الإيمان النافع هو الإيمان بالغيب (الذين يؤمنون بالغيب) البقرة فيصدق بما أخبرت به الرسل عن الله عز وجل وعن اليوم الآخر وفي ذلك اليوم يتذكر الإنسان ولكن قال الله تعالى ( وأنى له الذكرى ) أي بعيد أن ينتفع بهذه الذكرى التي حصلت منه حين شاهد الحق وحينها يقول ( ياليتني قدمت لحياتي ) والله المستعان

قال تعالى {
وقال الإنسان مالها(3)}الزلزلة
يخبر الله تبارك وتعالى فيه هذه الآية أنه إذا زلزلت الأرض لقيام الساعة يستفهم الإنسان عن الأرض وما قصتها وقيل المراد به الإنسان الكافر كما روي عن ابن عباس أنه الأسود بن عبد الأسد وقيل أراد كل إنسان يشاهد ذلك عند قيام الساعة في النفخة الأولى من مؤمن وكافر والمقصود أن الإنسان يستنكر أمرها بعدما كانت قارة ساكنة ثابتة وهو مستقر على ظهرها فتقلبت حالها وصارت متحركة مضطربة قد جاءها من أمر الله ما قد أعده لها من الزلزال الذي لا محيد عنه ثم ألقت ما في بطنها من الأموات من الأولين والآخرين فحينها يستنكر الناس أمرها وتبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار وقوله (مالها) أي مالها زلزلت ومالها أخرجت أثقالها ؟ وما شأنها ؟ لشدة الهول وهي كلمة تعجيب لما يرون من الأهوال والله المستعان


وقال تعالى {
يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه(6)} الانشقاق
الكادح هو الساعي بجد ومشقة ويخبر ربنا تعالى فيه هذه الآية أنك أيها الإنسان _يعم كل إنسان مؤمن وكافر_  عامل إلى ربك عملا فملاقيه به إن كان خيرا فخير وإن شرا فشر وساع إلى ربك وستلقى ما علمت فليكن عملك مما ينجيك من سخطه ويوجب لك رضاه ولا يكن مما يسخطه فتهلك وقوله ( إلى ربك ) يعني أنك تكدح كدحاً يوصلك إلى ربك ,كدحا ًيوصل إلى الله ، يعني أن منتهى كدحك مهما كنت ينتهي إلى الله ، لأننا سنموت وإذا متنا رجعنا إلى الله عز وجل فمهما عملت فإن المنتهى هو الله ، وحتى العاصي إنه كادح كدحاً غايته إلى الله عزوجل
( إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم ) الغاشية لكن الفرق بين المطيع والعاصي أن المطيع يعمل عملاً يرضاه الله والعاصي يعمل بما يغضب الله لكن مع ذلك ينتهون  إلى الله عز وجل ولتعلم أيها الإنسان أن كدحك ضعيف فإن استطعت أن تجعله في طاعة الله فافعل ولا حول ولا قوة إلا بالله وقوله(فملاقيه) أي ملاق عملك والمعنى : أنك لا محالة ملاق لجزاء عملك وما تستحق عليه من ثواب أو عقاب وقوله(إنك كادح) أي عامل ناصب في معيشتك إلى لقاء ربك والملاقاة معنى اللقاء : أي تلقى ربك سبحانه وتعالى بعملك وقيل ملاق كتاب عملك لأن العمل قد انقضى  والله المستعان

الإنسان والتفكر والتدبر

قال تعالى {فلينظر الإنسان إلى طعامه(24)} عبس
قيل أن المراد هنا بالإنسان الكافر المنكر لتوحيد الله وقيل عامة لجنس الإنسان أي : هلا نظر هذا الإنسان إلى طعامه؟؟ ومأكله ومشربه كيف أنشأه الله وخلقه ومن أين مدخل هذا الطعام ومخرجه وهذا النظر هو نظر القلب بالفكر أي ليتدبر بهذا الطعام الذي هو قوام حياته وكيف هيأ له أسباب المعاش ليستعد بها للمعاد وينبغي للإنسان أن يتذكر عند هذه الآية قوله تبارك وتعالى
(أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون لو نشاء لجعلناه حطاماً فظلتم تفكهون إنا لمغرمون بل نحن محرومون )الواقعة من الذي زرع هذا الزرع حتى استوى ويسر الحصول عليه حتى كان طعاما لنا ؟ هو الله عز وجل ولهذا قال ( لو نشاء لجعلناه حطاماً ) أي بعد أن نخرجه نحطمه حتى لا تنتفعوا به  وفي الآية حظ على حفظ النعم بالشكر والإيمان وبيان منة الله على عباده بأن هيأ لهم أسباب حياتهم .

قال تعالى {
فلينظر الإنسان مما خلق(5)}الطارق
هذا الآية الكريمة تدعو الإنسان المكذب بالبعث بعد الممات والمنكر لقدرة الله تعالى أن يتفكر ويتدبر من أي شيء خلقه الله تبارك وتعالى ؟؟ وينظر نظر الاعتبار والبصيرة  يقول تعالى  
(خلق من ماء دافق ) وهو ماء الرجل ووصفه الله بأنه مهين ضعيف السيلان ووصفه الله بآية آخرى بأنه نطفة أي قليل من الماء فهذا الذي خلق منه الإنسان والعجب أن يخلق الإنسان من هذا الماء المهين ثم يكون قلبه أقسى من الحجارة والعياذ بالله إلا من ألان الله قلبه لدينه ، وهذا من أسلوب القرآن في إقرار البعث وهو الاستدلال على النشأة الأولى فالذي أنشأ قادر على أن يعيد وفيها تنبيه للإنسان على ضعف أصله الذي خلق منه وإرشاد له إلى الاعتراف بالمعاد ولأن من قدر على البداءة فهو قادر على الإعادة بطريق الأولى كما قال تعالى (وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه) الروم .

قال تعالى {
علم الإنسان ما لم يعلم(5)}العلق
يمتن الله على الإنسان بأن علمه الخط بالقلم ولم يكن يعلمه وشرفه وكرمه بالعلم فالله أخرجه من بطن أمه لا يعلم شيئاً وجعل له السمع والبصر والفؤاد قال تعالى
( والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكن السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون ) النحل ويسر الله للإنسان أسباب العلم ، فعلمه القرآن وعلمه الحكمة وعلمه بالقلم الذي تحفظ به العلوم وتضبط به الحقوق وتكون رسلاً للناس تنوب مناب خطابهم وقيل أن المراد بالإنسان هنا هو آدم عليه السلام قال تعالى( وعلم آدم الأسماء كلها ) البقرة فلم يبق شيء إلا علمه الله اسمه وقيل هو محمد صلى الله عليه وسلم ودليله قال تعالى( وعلمك ما لم تكن تعلم )النساء والأولى حمل الإنسان على العموم والحمد لله .

الإنسان والخلق

قال تعالى {خلق الإنسان من علق(2)}العلق
قوله تعالى من علق أي من دم وعلق جمع علقة والعلقة الدم الجامد الرطب وإذا جرى فهو المسفوح والعلق عبارة عن دودة حمراء من الدم صغيرة وهذا المنشأ الذي به الحياة لأن الإنسان دم لو تفرغ من الدم هلك وسميت بذلك لأنها تعلق لرطوبتها بما تمر عليه فذكر العلق بلفظ الجمع لأنه أراد بالإنسان الجمع وكلهم خلقوا من علق بعد النطفة وفيها التنبيه على ابتداء خلق الإنسان وخص الله سبحانه وتعالى الإنسان بالذكر تشريفا له لما فيه من بديع الخلق وعجيب الصنع وقيل أراد أن يبين قدر نعمته عليه بأن خلقه من علقة مهينة حتى صار بشراً سوياً وعاقلاً مميزا .


قال تعالى {
لقد خلقانا الإنسان في أحسن تقويم(4)}التين
أي في أعدل خلق وصورة والمعنى : لقد خلقنا الإنسان فبلغنا به استواء شبابه وجلده وقوته وهو أحسن ما يكون وأعدل ما يكون وأقومه فهو منتصب القامة سوي الأعضاء حسنها ، وقيل(في أحسن تقويم ) أي الشاب القوي الجلد وقيل شبابه أول ما نشأ وقيل لأنه ليس شيء من الحيوان إلا وهو نكب على وجهه غير الإنسان قال ابن العربي : ليس الله تعالى خلق أحسن من الإنسان فإن الله خلقه حياً عالماً قادراً مريداً متكلماً سميعاً بصيراً حكيماً وهذه صفات الرب سبحانه
_ وللإنسان ما يناسبه من هذه الصفات وإلا فإن الله  ليس كمثله شيء وهو السميع البصير_  وعليها حمل بعض العلماء قوله صلى الله عليه وسلم ( إن الله خلق آدم عل صورته ....الحديث) رواه البخاري ومسلم .

قال تعالى {
لقد خلقنا الإنسان في كبد(4)}البلد
أي لقد خلقنا ابن آدم في شدة وعناء ونصب وأنه حين خلق في مشقة يكابد دنياه وآخرته وتدخل فيها مصائب الدنيا وشدائد الآخرة فهو يكابد طلب الرزق وفي إصلاح الحرث وغير ذلك ويعاني معاناة أشد مع نفسه ومجاهدتها في طاعة الله واجتناب المعاصي وهذا الجهاد هو أشق من معاناة طلب الرزق ولا سيما إذا ابتلي ببيئة منحرفة وصار بينهم غريبا فإنه سيجد المشقة في معاناة نفسه وفي معاناة الناس أيضاً وقيل المراد بالكبد في استقامة يعني أنه خلق على أكمل وجه في الخلقة مستقيماً يمشي على قدميه ويرفع رأسه وبدنه معتدل والآية شاملة للمعنيين لأنه إذا وجدت في كتاب الله آية تحتمل معنيين وليس بينهما مناقضة تحمل عليهما لأن القرآن أشمل وأوسع .

الإنسان والطغيان

قال تعالى{قتل الإنسان ما أكفره(17)}عبس
أي لعن الإنسان الكافر ما أشد كفره وقيل عذب وقيل المراد به عتبة بن أبي لهب ومعنى ما أكفره أي التعجب من إفراط كفره وقيل معناه : أي اعجبوا أنتم من كفره وقال بعض العلماء الإنسان هنا الكافر خاصة وليس كل إنسان لقوله فيما بعد ( ما أكفره ) ويحتمل أن يكون المراد بالإنسان الجنس لأن أكثر بني آدم كفار كما ثبت في الحديث الصحيح : أن الله يقول يوم القيامة
(( يا آدم فيقول : لبيك وسعديك فيقول له الله عز وجل  : أخرج من ذريتك بعثاً إلى النار . فيقول : يا رب وما بعث النار ؟ قال : من كل الف تسع مئة وتسعة وتسعين ))
أخرجه البخاري فيكون المراد بالإنسان هنا الجنس ويخرج المؤمن من ذلك بما دلت عليه النصوص الأخرى وقيل (ما) هنا استفهامية أي : أي شيء أكفره ؟ ما الذي حمله على الكفر؟ وقال آخرون إن هذا من باب التعجب يعني ما أعظم كفره !! وإنما كان كفر الإنسان عظيماً لأن الله أعطاه عقلاً وأرسل إليه الرسل وأنزل عليه الكتب وأمده بكل ما يحتاج إلى التصديق ومع ذلك كفر فيكون كفره عظيماً والكفر هنا يشمل جميع أنواع الكفر ومنه إنكار البعث .

قال تعالى {
كلا إن الإنسان ليطغى (6) أن رءاه استغنى(7)}العلق
كلا هنا ردع وزجر لمن كفر بنعم الله تعالى عليه بسبب طغيانه ومعنى إن الإنسان ليطغى أي أنه يجاوز الحد ويستكبر على ربه وقيل أن المراد بالإنسان هنا أبو جهل وهو المراد بهذا وما بعده إلى آخر السورة والأظهر والله أعلم أن المراد بالإنسان هنا الجنس : كل إنسان من بني آدم إذا رأى نفسه استغنى فإنه يطغى والطغيان هو مجاوزة الحد إذا رأى أنه استغنى عن رحمة الله طغى ولم يبال ، إذا رأى أنه استغنى عن الله عز وجل في كشف الكربات وحصول المطلوبات صار لا يلتفت إلى الله ولا يبالي ، إذا رأى أنه استغنى بالصحة نسي المرض وإذا رأى أنه استغنى بالشبع نسي الجوع وإذا رأى أنه استغنى بالكسوة نسي العري وهكذا فالإنسان من طبيعته الطغيان والتمرد متى رأى نفسه في غنى ولكن هذا يخرج منه المؤمن لأن المؤمن لا يرى أنه استغنى عن الله طرفة عين فهو دائما مفتقر إلى الله سبحانه وتعالى يسأل ربه كل حاجة ويلجأ إليه عند كل مكروه ويرى أنه إن وكله الله إلى نفسه وكله إلى ضعف وعجز وعورة وأنه لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضرا ً ، هذا هو المؤمن لكن الإنسان من حيث هو إنسان من طبيعته الطغيان وهذا كقوله تعالى
( وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا) الأحزاب

قال تعالى {
إن الإنسان لربه لكنود(6)} العاديات
أي جنس الإنسان إذا لم يوفق للهداية كان كنودا لربه تبارك وتعالى والمراد أن الإنسان لكفور لجحود لنعم الله لوّام لربه يعد المصائب وينسى النعم  يرزقه الله عز وجل فيزداد بهذا الزرق عتوا ونفورا ويجحد نعم الله ولا يقوم بشكرها ولا يقوم بطاعة الله وقيل أن الإنسان الكنود : هو المنوع للخير الذي لله عليه فطبيعة الإنسان وجبلته لا تسمح بأن يؤدي ما عليه من الحقوق بل طبيعتها الكسل والمنع لما عليها من الحقوق المالية والبدنية إلا من هداه الله وخرج عن هذا الوصف إلى وصف السماح بأداء الحقوق .


قال تعالى {
إن الإنسان لفي خسر (2)}العصر
المراد بالإنسان هنا جنس الإنسان ويخبر الرب تبارك وتعالى أن بني آدم لفي هلكة ونقصان وشر وضلال عن الحق في كل أحواله وقال بعض العلماء : إن الإنسان إذا عمّر في الدنيا وهرم لفي نقص وضعف وتراجع إلا المؤمنين فإنهم تكتب أجورهم التي كانوا يعملونها في حال شبابهم

وهذه الجملة مؤكدة بثلاث مؤكدات :
1.  القسم
2.  (إنّ)
3.  اللام


وأتى بقوله ( لفي خسر ) ليكون أبلغ من قوله (خاسر) وذلك أن (في) للظرفية فكأن الإنسان منغمس في الخسر والخسران محيط به من كل جانب .
وقول تعالى : لفي خسر : الخسار مراتب متعددة متفاوتة قد يكون خساراً مطلقاً كحال من خسر الدنيا والآخرة وفاته النعيم واستحق الجحيم وقد يكون خسارا من بعض الوجوه دون بعض ولهذا عمم الله الخسار لكل إنسان إلا من اتصف
بأربع صفات :

1.  الإيمان بالله ولا يكون الإيمان بدون علم
2. العمل الصالح وهذا شامل لأفعال الخير كلها الظاهرة والباطنة المتعلقة بحقوق الله وحقوق عبادة الواجبة والمستحبة
3.  التواصي بالحق الذي هو الإيمان والعمل الصالح أي يوصي بعضهم بعضاً بذلك ويحثه عليه ويرغبه فيه
4.  التواصي بالصبر على طاعة الله وعن معصية الله وعلى أقدار الله المؤلمة

فبالأمرين الأوليين يكمل العبد نفسه وبالأمرين الآخيرين يكمل غيره وبتكميل الأمور الأربعة يكون العبد قد سلم من الخسار وفاز بالربح العظيم .

الإنسان والابتلاء

قال تعالى {فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن (15) وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن(16)}الفجر

أن الإنسان إذا ما امتحنه ربه بالنعم والغنى وأكرمه وأفضل عليه ونعمه بما أوسع من فضله فيقول ربي أكرمن فيفرح بذلك ويسر به ويقول ربي أكرمني بهذه الكرامة ولا يعترف بفضل الله  وإذا ما امتحنه ربه بالفقر فقدر عليه رزقه وضيقه عليه وقتره فلم يكثر ماله ولم يوسع عليه فيقول ربي أهانن أي : ربي أهانني وأذلني بالفقر ولم يشكر الله على ما وهب له من سلامة جوارحه ورزقه من العافية في جسمه ويقول إن الله ظلمني فأهانني ولم يرزقني كرزق فلان ولم يكرمني كما أكرم فلان فصار عند الرخاء لا يشكر يعجب بنفسه ويقول هذا حق لي وعند الشدة لا يصبر بل يعترض  ، والله يخبر ذلك منكراً على الإنسان في اعتقاده إذا وسع الله تعالى عليه في الرزق ليختبره في ذلك فيعتقد أن ذلك من إكرام الله له وليس كذلك بل هو ابتلاء وامتحان كما قال تعالى ( أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون ) وكذلك في الجانب الآخر إذا ابتلاه وضيق عليه في الرزق يعتقد أن ذلك من الله إهانة له كما قال تعالى (كلا) أي ليس الأمر كما زعم لا في هذا ولا في هذا فإن الله تعالى يعطي المال من يحب ومن لا يحب ويضيق على من يحب ومن لا يحب والدنيا بأسرها لا تساوي عند الله جناح بعوضة ولو كانت تعدل جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء  وإنما المدار في ذلك على طاعة الله في كل من الحالين : إذا كان غنيا بأن يشكر الله على ذلك وإن كان فقيراً بأن يصبر فالمؤمن إذا أكرمه الله تعالى ونعمه شكر الله ورأى أن هذا فضل من الله عز وجل وإحسان وليس من باب الإكرام الذي يقدم لصاحبه على أنه مستحق وإذا ابتلاه الله عز وجل وقدر عليه رزقه صبر واحتسب وقال : هذا بذنبي والرب سبحانه لم يهني ولم يظلمني فيكون صابراً عند البلاء شاكراً عند الرخاء وفي الآيتين إشارة إلى أنه يجب على الإنسان أن يتبصر فيقول مثلاً : لماذا أعطاني الله المال ؟ ماذا يريد مني ؟ يريد مني أن أشكر . لماذا ابتلاني بالفقر وبالمرض وما أشباه ذلك ؟ يريد مني أن أصبر فليكن محاسباً لنفسه حتى لا يكون مثل حال الإنسان المبنية على الجهل والظلم .

 

والله أعلم

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

 


 

بندر الايداء
  • مقالات
  • كتب وبحوث
  • مع القرآن
  • قصائد
  • الصفحة الرئيسية