صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







رسالة في الاعتكاف

 

بندر بن فهد الايداء
@BandrALAyda

 

بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله الذي خلق كل شيء فقدره تقديراً وصور الإنسان فأحسنه تصويرا وشرفه بما عرفه من العلم ونور قلبه به تنويرا وهداه إلى الإسلام والسنة فيالها من نعمة ويا لها من منه فسبحانه وبحمده لا أحصي ثناء عليه هو كما أثنى على نفسه إنه كان بعباده خبيراً بصيراً والصلاة والسلام على من بعثه الله هاديا ومبشرا نذيرا وداعياً إلى الله بإذن وسراجاً منيراً صلى الله عليه وعلى أزواجه وآله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيرا ... أما بعد :

فإن الله عز وجل شرع لعباده كثيرا من النوافل والطاعات التي يتقربون بها إليه ويتفيئون ظلال المحبة تحت عتبات العبودية فعند تلك العتبات تبذل المهج وتقرح الأجفان ويُتجافى عن المضاجع كل هذا لينالوا رضى مولاهم وسيدهم حتى يعتقهم من النار ويكرمهم بجنة الدنيا هنا وبجنة الآخرة دار القرار، فهنالك السعادة الأبدية والحياة السرمدية في مقعد صدق عند مليك مقتدر ويا ليت قومي يعلمون .

 قال ابن القيم رحمه الله :
متى رأيت نفسك تهرب من الأنس بالله إلى الأنس بالخلق ومن الخلوة مع الله إلى الخلوة مع الأغيار فاعلم أنك لا تصلح له .آه فمن أراد محبة الله حفظ رأس المال وعض على الفرائض وأكثر من الربح والنوافل والطاعات حتى ينال شرف المحبة والمعية الخاصة لأولياء الله وحزبه وحتى تتطمأن قلوبهم وتسكن خواطرهم بقربه ومناجاته فمن وجد الله فماذا فقد ! ومن فقد الله فماذا وجد !! (ألا بذكر الله تطمئن القلوب ) كيف لا ... وقد قال صلى الله عليه وسلم فما يرويه عن ربه كما جاء ذلك في البخاري قال تعالى (( من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه  ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه .... الحديث فمن أراد النجاة والسلامة فليزم غرز السنة المحمدية والطريقة الربانية النبوية على صاحبها الصلاة والسلام  (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم ) وليجعل مقصده رب الأرض والسموات وليتبرأ من حول المخلوقين وطولهم فو الله إنهم لا يملكون له ضرا ولا نفعاً ولا يملكون له موتاً ولا حياة ولا نشوراً  ومن أراد أن يعرف عند الله مقامه فلينظر فيما أقامه  ولا شك أن من أعظم النوافل التي تربي النفس على التخلص من العلائق هي سنة الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان التي لن يطبقها وفق السنة إلا من أراد الله به خيراً فأحببت أن ألقيء الضوء على بعض المسائل وقد أغفلت الكثير طلباً للاختصار؛وقسمت الرسالة كالتالي :

1- تعريف الاعتكاف لغة وشرعاً
2- زمان الاعتكاف .
3- الراجح في مسألة الاعتكاف وركنه وشروطه
4- مسألة ( صوم المعتكف _ ووقت دخول المعتكف وخروجه )
5- مسألة ( حكم اعتكاف المرأة )
6- مسألة ( ما يباح للمعتكف وما يستحب له وما يبطل اعتكافه )
7- مسألة ( من نذر الاعتكاف في مسجد معين )
8- الخاتمة ( الحكمة من الاعتكاف ) والمراجع


 وأسميتها
( رسالة في الاعتكاف ) سائلاً المولى جل شأنه أن ينفعني وإخواني بها فما كان من صواب فمن الله وما كان من خطأ فمن نفسي والشيطان والله ورسوله منه بريئان والله أعلم  

إن تجد عيباً فسد الخللا .... جلَّ من لا عيب فيه وعلا

المبحث الأول :

* تعريف الاعتكاف :


لغة : هو المكث والإقامة في المكان ، فكل من بقي في مكان وداوم الجلوس فيه فإنه يقال له معتكف .


شرعاً : لزوم المسجد لطاعة الله عز وجل .

أقسامه :

1- مسنون : وهو ما تطوع به المسلم تقرباً إلى الله عز وجل وطلبا لثوابه .
2- واجب : وهو ما أوجبه المرء على نفسه ، قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أن الاعتكاف لا يجب على النفس فرضا إلا أن يوجب المرء على نفسه الاعتكاف نذراً لقوله صلى الله عليه وسلم (( من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصه فلا يعصه )) رواه البخاري .

 قال ابن باز رحمه الله في الفتاوى (15/440) :
الاعتكاف عبادة وسنة وأفضل ما يكون في رمضان في أي مسجد تقام فيه صلاة الجماعة كما قال تعالى (( ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد )) ثم قال رحمه الله :
وهو عبادة مشروعة إلا إذا نذره صار واجباً بالنذر وهو في حق الرجل والمرأة سواء .


المبحث الثاني :


1- زمانه :
اختلف أهل العلم في مدة الاعتكاف بكم تقدر على أقوال عده وهي كما يلي :

1- أقل مدة الاعتكاف إذا كان تطوعاً أو نذراً مطلقاً ما يسمى به لا بثاً معتكفا ، قال في الفروع : فظاهره : ولو لحظه وفي رواية أقله ساعة وهذا القول منسوب إلى أصحابنا الحنابلة .
2- أقله ساعة وهي اللحظة ، قال ابن عابدين : الساعة في عرف الفقهاء جزء من الزمن لا جزء من أربعة وعشرين كما يقول المنجمون . وهذا القول منسوب للأحناف
3- أقله يوم وليله والمستحب أن لا ينقص عن عشرة أيام وهذا القول منسوب للمالكية .
4- تكفي لحظة لكن لابد من اللبث في ا لمسجد وهو قول الشافعية .

- من قال أقله ساعة :
استدل بقوله تعالى : ((ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد )) وهذا يشمل القليل والكثير

- من قال أقله يوم وليله :
استدل بحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن عمر بن الخطاب سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال : كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام فقال صلى الله عليه وسلم  : (( أوف بنذرك )) متفق عليه وفي رواية لمسلم : أنه اعتكف يوم فقال النبي صلى الله عليه وسلم (( فاذهب فاعتكف يوماً ))

قال ابن حبان :
ألفاظ الحديث مصرحه بأنه نذر اعتكاف ليلة إلا هذه الرواية فإن صحت فيشبه أن يكون أراد باليوم مع الليلة وبالليلة مع اليوم حتى لا يكون بين الخبرين تضاد .

وقال ابن خزيمه :
إن العرب تقول يوماً تريده بليلته وتقول ليله وتريدها بيومها .

الأقرب من هذه الأقوال :


قال النووي رحمه الله : حديث عمر رضي الله عنه أنه نذر أن يعتكف ليلة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ((أوف بنذرك)) رواه البخاري ومسلم وفي رواية للبخاري(( أوف بنذرك )) فاعتكفَ ليلة وفي رواية لمسلم  إني نذرت أن أعتكف يوما فقال : ((اذهب فاعتكف يوما)) وهذا لا يخالف رواية البخاري ولا الرواية المشهورة ; لأنه يحتمل أنه سأله عن اعتكاف ليلة وسأله عن اعتكاف يوم فأمره بالوفاء بما نذر فيحصل منه صحة اعتكاف الليلة وحدها ويؤيد هذا رواية نافع عن ابن عمر أن عمر نذر أن يعتكف ليلة في المسجد الحرام فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له : (( أوف بنذرك )) فاعتكف عمر ليله . رواه الدارقطني وقال : إسناده صحيح ثابت وهذا صريح في أنه نذر اعتكاف ليله فالذي يظهر أن أقل ما ورد يوم وليله والله أعلم  

شروط الاعتكاف :

1- الإسلام
2- العقل
3- التمييز
4- عدم ما يوجب الغسل
5- أن يكون المسجد تقام فيه الجماعة
قال ابن عثيمين رحمه الله في فقه العبادات (294) : ركن الاعتكاف هو لزوم المسجد لطاعة الله عز وجل تعبداً وتقرباً إليه وتفرغاً لعبادته .


مسألة (الصوم في الاعتكاف) :


قال ابن القيم في الزاد (2/88) :
القول الذي عليه جمهور السلف أن الصوم شرط في الاعتكاف وهذا ما يرجحه شيخ الإسلام وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في شرح حديث ابن عمر السابق : (قوله: ((أن أعتكف ليلة)) استدل به على جواز الاعتكاف بغير صوم لأن الليل ليس ظرفاً للصوم، فلو كان شرطاً لأمره النبي صلى الله عليه وسلم به، وجمع ابن حبَّان بين الروايتين بأنه نذر اعتكاف يوم وليلة، فمن أطلق ليلة أراد بيومها، ومن أطلق يوماً أراد بليلته، وقد ورد الأمر بالصوم في رواية عمرو بن دينار عن ابن عمر صريحاً لكن إسنادها ضعيف، وقد زاد فيها : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "اعتكف وصم"، أخرجه أبو داود والنسائي من طريق عبد الله بن بديل وهو ضعيف، وذكر ابن عدي والدارقطني أنه تفرد بذلك عن عمرو بن دينار، ورواية من روى يوماً شاذة، وقد وقع في رواية سليمان بن بلال الآتية بعد أبواب "فاعتكف ليلة" فدل على أنه لم يزد على نذره شيئاً، وأن الاعتكاف لا صوم فيه، وأنه لا يشترط له حد معين وقد ترجم البخاري لهذا الحديث بعد أبواب من لم ير عليه إذا اعتكف صوماً وترجمة هذا الباب مستلزمة للثانية لأن الاعتكاف إذا ساغ ليلاً بغير نهار استلزم صحته بغير صيام من غير عكس، وباشتراط الصيام قال ابن عمر، وابن عباس، أخرجه عبد الرزاق عنهما بإسناد صحيح، وعن عائشة نحوه، وبه قال مالك، والأوزاعي، والحنفية، واختلف عن أحمد وإسحاق، واحتج عياض بأنه صلى الله عليه وسلم لم يعتكف إلا بصوم، وفيه نظر، لما في الباب بعده أنه اعتكف في شوال لما سنذكره، واحتج بعض المالكية بأن الله تعالى ذكر الاعتكاف إثر الصوم فقال: ((ثم أتموا الصيام إلى الليل ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد)) وتعقب بأنه ليس فيها ما يدل على تلازمهما، وإلا لكان لا صوم إلا باعتكاف، ولا قائل به .

قال النووي رحمه الله :
واحتج أصحابنا بحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف العشر الأول من شوال رواه مسلم بهذا اللفظ  ورواه البخاري وقال : " عشرة من شوال " والمراد به الأول كما في رواية مسلم وهذا يتناول اعتكاف يوم العيد , ويلزم من صحته أن الصوم ليس بشرط .

قال آل بسام في تيسير العلام (1/450) :
اشترط الحنفية والمالكية لصحة الاعتكاف الصيام وقد رد عليهم الصنعاني بأنه لا دليل لهم إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعتكف إلا صائماً والفعل المجرد لا يكون دالاً على الشرطية وقد اعتكف صلى الله عليه وسلم في شوال ولم ينقل أنه صام أيام اعتكافه .

قال ابن عثيمين في فقه العبادات (293) :
المشروع أن يكون الاعتكاف في رمضان فقط لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعتكف في غير رمضان إلا ما كان منه في شوال حين ترك الاعتكاف سنةً في رمضان ولو اعتكف في غير رمضان جاز ذلك .

قال ابن باز في الفتاوى (15/4441) :
استقر اعتكافه صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر من رمضان وكان يعتكف بعض نسائه معه . 

وقال رحمه الله  (15/438) :
الاعتكاف مع الصيام أفضل وإن اعتكف من غير صوم فلا بأس على الصحيح من قولي العلماء لما ثبت في الصحيحين عن عمر رضي الله عنه أنه قال : يا رسول الله إني نذرت أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام وكان ذلك قبل أن يسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (( أوف بنذرك )) ومعلوم أن الليل ليس محلاً للصوم وإنما محله النهار .

والصواب أنه يصح الاعتكاف بلا صوم لحديث عمر ودل الحديث على عدم اشتراط الصيام في الاعتكاف إذ لا يصح الصيام في الليل والله أعلم .

مسألة (وقت دخول المعتكف وخروجه) :


ليس للاعتكاف المندوب وقت محدد فمن دخل المعتكف (المسجد) ونوى التقرب إلى الله بالمكث فيه صار معتكفاً حتى يخرج ، لكن وقت دخول المعتكف والخروج منه لمن أراد اعتكاف العشر فقد اختلف فيه أهل العلم على أقوال :

أولا : الدخول :

ذهب الإمام أحمد رحمه الله :
إلى أن وقت دخوله : من بعد صلاة الصبح لحديث عائشة رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم (( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى الصبح دخل معتكفه )) رواه مسلم  وبه قال الأوزاعي
عند الجمهور : أنه يدخل من قبل غروب شمس ليلة الحادي والعشرين إذ ليلة القدر ترتجى في أوتار العشر ومنها ليلة الحادي والعشرين فيستحب أن يدخل معتكفه قبل غروب شمس ليلة الحادي والعشرين طلباً لليلة القدر وحملوا حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم انقطع في معتكفه وتخلى بنفسه بعد صلاة الصبح لا أن ذلك كان وقت ابتداء اعتكافه .

ثانيا : الخروج :

المستحب عند أهل العلم أن يمكث في معتكفه حتى يخرج بعد صلاة العيد فقد روى الإمام مالك رحمه الله في الموطأ (1/315) : أنه رأى بعض أهل العلم إذا اعتكف العشر الأواخر من رمضان لا يرجعون إلى أهليهم حتى يشهد الفطر مع الناس .

وأما وقت جواز الخروج فيرى الجمهور أنه بعد غروب شمس ليلة العيد لأن العشر تزول بزوال الشهر والشهر يزول بغروب الشمس ليلة الفطر .

قال ابن باز في الفتاوى (15/440) :
السنة أن يدخل معتكفه حين ينوي الاعتكاف ويخرج بعد مضي المدة التي نواها وله قطع ذلك إذا دعت الحاجة لأن الاعتكاف سنة ولا يجب بالشروع فيه إذا لم يكن منذوراً .

ثم قال رحمه الله :
يستحب لمن  اعتكف العشر الأواخر دخول معتكفه بعد صلاة الفجر من اليوم الحادي والعشرين اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم ويخرج متى انتهت العشر .

مسألة ( حكم اعتكاف المرأة ) :


 يجوز للمرأة أن تعتكف في المسجد دون مسجد بيتها وهو قول الجمهور واستدلوا بقوله تعالى (( وأنتم عاكفون في المساجد )) قالوا : والمراد هنا بالمساجد المواضع التي بنيت للصلاة فيها وموضع صلاتها في بيتها ليس بمسجد لأنه لم يبن للصلاة فيه وإن سمي مسجداً كان مجازاً فلا تثبت له أحكام المساجد الحقيقية .

واستدلوا أيضاً : بأن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اعتكفن في المسجد ولم يعتكفن في بيوتهن ولو مرة واحدة مع حاجة النساء لبيوتهن ومشقة اعتكافهن في المساجد .

وذهب الحنفية إلى أنه يجوز للمرأة أن تعتكف في مسجد بيتها واستدلوا :


أن موضع أداء الاعتكاف في حقها الموضع الذي تكون فيه صلاتها أفضل وصلاتها في مسجد بيتها أفضل .

ونوقش هذا الاستدلال بعدم التسليم لأنه لا تلازم بين الاعتكاف والصلاة وعلى هذا فالأقرب هو قول الجمهور للأدلة القوية التي استدلوا بها والله أعلم .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله معلقاً على ترجمة البخاري "باب الاعتكاف في العشر الأواخر والاعتكاف في المساجد كلها: أي مشروطية المسجد له من غير تخصيص بمسجد دون مسجد، لقوله تعالى: ((ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد)) ووجه الدلالة من الآية أنه لو صح في غير المسجد لم يختص تحريم المباشرة به، لأن الجماع منافٍ للاعتكاف بالإجماع، فعلم من ذكر المساجد أن المراد أن الاعتكاف لا يكون إلا فيها.. واتفق العلماء على مشروطية المسجد للاعتكاف، إلا محمد بن عمر بن لبابة المالكي فأجازه في كل مكان .

إلى أن قال : وذهب أبو حنيفة وأحمد إلى المساجد التي تقام فيها الصلوات، وخصه أبو يوسف بالواجب منه، أما النفل ففي كل مسجد، وقال الجمهور بعمومه من كل مسجد إلا لمن تلزمه الجمعة، فاستحب له الشافعي في الجامع، وشرطه مالك، لأن الاعتكاف عندهما ينقطع بالجمعة، ويجب بالشروع عند مالك، وخصه طائفة من السلف كالزهري مطلقاً، وأومأ إليه الشافعي في القديم، وخصه حذيفة بن اليمان بالمساجد الثلاثة، وعطاء بمسجد مكة والمدينة، وابن المسيب بمسجد المدينة .
 
قال ابن باز في الفتاوى (15/441):
محل الاعتكاف في المساجد التي تقام فيها صلاة الجماعة وإذا كان يتخلل اعتكافه جمعة فالأفضل أن يكون اعتكافه في المسجد الجامع إذا تيسر ذلك .


وقال رحمه الله في (15/440) :
ولا مانع من الاعتكاف في المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف من الرجل والمرأة إذا كان لا يضر بالمصلين ولا يؤذي أحداً فلا بأس .


قال ابن عثيمين رحمه الله في فقه العبادات (293) :
المرأة لا تعتكف في منزلها إنما تعتكف في المسجد إذا لم يكن في ذلك محظور شرعي فإن كان هناك محظور شرعي فلا تعتكف .


مسألة (ما يستحب للمعتكف أن يفعله حال اعتكافه) :

 يستحب للمعتكف أن يكثر من نوافل العبادات من ذكر وقراءة قرآن والصلاة لا سيما قيام الليل الذي هو دأب الصالحين وسادة المتقين و...............وغير ذلك من العبادات التي تقربه من ربه عز وجل لأن حقيقة الاعتكاف هو جمعية .... على ربه وخلوته به ولا بأس بالتوسع في دراسة العلوم الشرعية التي تزيده فقها في دينه وتقوى لربه وورعاً في نفسه .

مسألة (ما يباح للمعتكف) :

خروجه لتوديع أهله كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع صفية رضي الله عنها وهو معتكف كما في الصحيحين .
ترجيله شعره وحلق رأسه وتقليم أظفاره وتنظيف بدنه ولبس أحسن ثيابه فقد كانت عائشة رضي الله عنها ترجل رأس النبي صلى الله عليه وسلم وتغسله وهو معتكف .
الأكل والشرب في المسجد وكذلك النوم والكلام في أمور الحياة التي لا بد منها .

قال الحافظ ابن حجر في شرحه لقول عائشة رضي الله عنها:
"وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة إذا كان معتكفاً" الحديث: (زاد مسلم إلا لحاجة الإنسان، وفسرها الزهري بالبول والغائط، وقد اتفقوا على استثنائهما، واختلفوا في غيرهما من الحاجات كالأكل والشرب، ولو خرج لها فتوضأ خارج المسجد لم يبطل، ويلتحق بهما القيء والفصد لمن احتاج إليه .

قال ابن باز في الفتاوى (15/440) :
لا يخرج إلا لحاجة الإنسان كالبول والغائط ونحو ذلك أو حاجة الطعام إذا كان لم يتيسر له من يحضر له الطعام فيخرج لحاجته فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج لحاجته .

 ثم قال رحمه الله (15/441) :
الأفضل له ألا يتحدث مع الناس كثيراً بل يشتغل بالعبادة والطاعة لكن لو زاره بعض إخوانه أو زار المرأة بعض محارمها أو بعض أخواتها في الله وتحدثت معهم أو معهن فلا بأس وكان النبي صلى الله عليه وسلم يزوره نساؤه في معتكفه ويتحدث معهن ثم ينصرفن فدل ذلك على أنه لا حرج فيه .

وقال رحمه الله (15/438) :
ولا بأس بالنوم والأكل في المسجد للمعتكف وغيره لأحاديث وآثار وردت في ذلك ولما ثبت من حال أهل الصفة .

قال آل بسام في تيسير العلام (1/452) :
كان اعتكافه صلى الله عليه وسلم لا يمنعه من ترجيل شعره وتنظيف بدنه وكان لا يخرج من المسجد لذلك بل يناولها رأسه وهو في المسجد وهي في بيتها .

ثم قال رحمه الله :
الاعتكاف لزوم المسجد والخروج ينافيه لذا حكت عائشة عن نفسها أنها لا تدخل البيت إلا لحاجة إذا اعتكفت ففي الصحيحين أن عائشة رضي الله عنهما قالت : (( إني كنت لا أدخل البيت إلا للحاجة والمريض فيه فما أسأل عنه إلا وأنا مارة ))

و قال رحمه الله في (1/453) :
لمس المرأة لغير شهوة لا يضر في الاعتكاف

قال ابن عثيمين رحمه الله في فقه العبادات (397) :
يجوز للمعتكف أن يتنقل في أنحاء المسجد من كل جهة لعموم قوله تعالى (( وأنتم عاكفون في المساجد )) وفي للظرفية فتشمل ما لو شغل الإنسان جميع الظرف .


مسألة (ما يبطل الاعتكاف) :

الخروج من المسجد عمداً لغير حاجة وإن قلت فإنه يفوت المكث فيه وهو ركن من أركانه .
الجماع : لقوله تعالى (( ولا تقربوهن وأنتم عاكفون في المساجد ))
الردة : لقوله تعالى (( لئن أشركت ليحبطن عملك ))
ذهاب العقل : بجنون أو سكر وكذلك الحيض والنفاس .

قال ابن عثيمين رحمه الله في فقه العبادات (296) :


أفعال المعتكف : أقسام

الأول : مشروع : أن يشتغل بطاعة الله والعبادة وهذا لب الاعتكاف والمقصود منه ولذلك قيد بالمساجد .

الثاني : ممنوع : ما ينافي الاعتكاف كأن يخرج الإنسان من المسجد بلا عذر أو يبيع أو يشتري أو يجامع ونحو ذلك من الأفعال التي تبطل الاعتكاف لمنافاتها لمقصوده .

الثالث : جائز مباح : كالتحدث إلى الناس والسؤال عن أحوالهم وغير ذلك مما أباحه الله تعالى للمعتكف ومنه : خروجه لما لا بد له منه كخروجه لإحضار الأكل والشرب إذا لم يكن له من يحضرها والخروج لقضاء الحاجة وكذلك خروجه لأمر مشروع واجب بل هذا واجب عليه كما لو خرج ليغتسل من الجنابة وأما خروجه لأمر مشروع غير واجب فإن اشترطه فلا بأس وإن لم يشترطه فلا يخرج وذلك كعيادة المريض وتشييع الجنازة وما أشبههما فله أن يخرج لهذا إن اشترطه وإذا لم يشترطه فليس له أن يخرج ولكن:

إذا مات قريب أو صديق وخاف إن لم يخرج أن يكون هناك قطيعة رحم أو مفسدة فإنه يخرج ولو بطل اعتكافه لأن الاعتكاف المستحب لا يلزم المضي فيه .

 قال ابن القيم في الزاد (2/90) :
ولم يباشر صلى الله عليه وسلم امرأة من نسائه وهو معتكف لا بقبلة ولا غيرها وكان إذا اعتكف طرح له  فراشه ووضع له سريره في معتكفه وكان إذا خرج لحاجته مر بالمريض وهو على طريقه فلا يعرج عليه ولا يسأل عنه _ رواه أبو داود في الصوم من حديث عائشة وفي سنده ليث بن أبي سليم وهو ضعيف –

واعتكف مرة في قبة تركية وجعل على سدتها حصيراً _ رواه مسلم _ كل هذا تحصيلاً لمقصود الاعتكاف وروحه عكس ما يفعله الجهال من اتخاذ المعتكف موضع العشرة ومجلبة للزائرين وأخذهم بأطراف الحديث بينهم فهذا لون والاعتكاف النبوي لون والله الموفق .

وقال رحمه الله (2/89) :
وكان إذا اعتكف دخل قبته وحده وكان لا يدخل بيته في حال اعتكافه إلا لحاجة الإنسان وكان يخرج رأسه من المسجد إلى بيت عائشة فترجله وتغسله وهو في المسجد وهي حائض _ متفق عليه _ وكانت بعض أزواجه تزوره وهو معتكف فإذا قامت تذهب قام معها يقلبها وكان ذلك ليلاً _ متفق عليه _

فائدة :


قال ابن باز في الفتاوى (15/443) :
الأفضل أن يتخذ مكاناً معيناً في المسجد يستريح فيه إذا تيسير ذلك .

قال آل بسام في تيسير العلام (1/451) :
لا بأس أن يحتجز المعتكف ما يخلو به إذا لم يضيق على المصلين لما أخرج الشيخان عن عائشة رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يعتكف أمر بضرب خبائه فضرب .

مسألة (من نذر الاعتكاف في مسجد معين ) :


قال أبو الحسن البعلي في الاختيارات الفقهية (101) :
ومن نذر الاعتكاف في مسجد غير المساجد الثلاثة تعين ما امتاز على غيره بمزية شرعية كقدم وكثرة جمع اختاره أبو العباس في موضع .

والصواب أن من نذر الاعتكاف في مسجد معين غير المساجد الثلاثة _ الحرام والنبوي والأقصى _ فإنه لا يلزمه أن يؤدي ما نذره في ذلك المسجد بل يجزئه أن يعتكف في أي مسجد من المساجد التي تصلى فيها صلاة الجماعة لأنه لا مزية لمسجد عن آخر غير المساجد الثلاثة ومن نذر لزمه الوفاء لقوله صلى الله عليه وسلم (( من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصه فلا يعصه)) رواه البخاري .

أما المساجد الثلاثة فإن الله عز وجل ميزها وخصها عن غيرها من المساجد كما جاء في الحديث (( صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام ) رواه البخاري ومسلم

وجاء أيضاً ((صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام خير من مائة ألف صلاة فيما سواه من المساجد )) رواه أحمد وابن ماجه وصححه الألباني

 فهذه المساجد الثلاثة إذا نذر الاعتكاف في واحد منها فإنه يلزمه أن يعتكف فيه ومن نذر الصلاة أو الاعتكاف في المسجد المفضول من هذه المساجد الثلاثة أجزأه الفاضل فمثلا :

من نذر ان يعتكف في المسجد النبوي أجزأه أن يعتكف في المسجد الحرام ومن نذر أن يعتكف في المسجد الحرام فإنه لا يجزئه أن يعتكف في المسجد النبوي وهكذا .

قال ابن باز في الفتاوى (15/444) :
يصح الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة إلا أنه يشترط في المسجد الذي يعتكف فيه إقامة صلاة الجماعة فيه فإن كانت لا تقام فيه صلاة الجماعة لم يصح الاعتكاف فيه إلا إذا نذر الاعتكاف في المساجد الثلاثة فإنه يلزمه الاعتكاف بها وفاءً لنذره .

فائدة :


قال ابن باز في الفتاوى (15/439) :
فعلى المسلم الحرص على نظافة المسجد والحذر من أسباب توسيخه من فضول الطعام أو غيرها لما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (( عرضت عليّ أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد )) رواه الترمذي وأبو داود وصححه ابن خزيمه ولحديث عائشة رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ببناء المساجد في الدور وأن تنظف وتطيب . رواه الخمسة إلا النسائي وسنده جيد . والدور : هي الحارات والقبائل القاطنة في المدن .

الحكمة من الاعتكاف :


قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد (2/86) :

لما كان صلاح القلب واستقامته على طريق سيره إلى الله تعالى متوقفاً على جمعيته على الله ولمّ شعثه بإقباله بالكلية على الله تعالى ، فإن شعث القلب لا يلمه إلا الإقبال على الله تعالى ، وكان فضول الطعام والشراب وفضول مخالطة الأنام وفضول الكلام وفضول المنام مما يزيده شعثاً ويشتته في كل واد ويقطعه عن سيره إلى الله تعالى أو يضعفه أو يعوقه يوقفه : اقتضت رحمة الله العزيز الرحيم بعباده أن شرع لهم من الصوم ما يذهب فضول الطعام والشراب ويستفرغُ من القلب أخلاط الشهوات المعوقة له عن سيره إلى الله تعالى وشرعه بقدر المصلحة بحيث ينتفع به العبد في دنياه وأخراه ولا يضره ولا يقطعه عن مصالحه العاجلة والآجلة وشرع لهم الاعتكاف الذي مقصوده وروحه عكوف القلب على الله تعالى وجمعيته عليه والخلوة به والانقطاع عن الاشتغال بالخلق والاشتغال به وحده سبحانه بحيث يصير ذكره وحبه والإقبال عليه في محل هموم القلب وخطراته فيستولي عليه بدلها ويصير الهم كله به والخطرات كلها بذكره والتفكر في تحصيل مراضيه وما يقرب منه فيصير أنسه بالله بدلاً عن أنسه بالخلق فيعده بذلك لأنسه به يوم الوحشة في القبور حين لا أنيس له ولا ما يفرح به سواه فهذا مقصود الاعتكاف الأعظم .

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .



المراجع :

الإقناع في مسائل الإجماع _ ابن القطان
2. مطالب أولي النهى شرح غاية المنتهى _ السيوطي
3. الإنصاف _ للمرداوي
4. نيل المآرب _ التغلبي
5. منار السبيل في شرح الدليل _ ابن ضويان
6. المنح الشافيات بشرح مفردات الإمام أحمد
7. بداية المجتهد _ ابن رشد
8. حاشية ابن عايدين
9. روضة الطالبين _ النووي
10. المجموع شرح المهذب _ النووي
11. اختلاف العلماء _ المروزي
12. شرح العيني على كنز الدقائق _ شرف الدين العيني
13. فقه العبادات لابن عثيمين
14. مجموع الفتاوى للإمام عبد العزيز بن باز
15. الأفنان الندية شرح منظومة السبل السوية لفقه السنن المروية لناظمها الشيخ حافظ وشرح زيد المدخلي .
16. المحلى بالآثار _ ابن حزم
17. مراتب الإجماع _ ابن حزم
18. زاد المعاد _ ابن القيم
19. فتح الباري _ ابن حجر
20. الإجماع _ لابن المنذر
21. صحيح ابن خزيمة
22. صحيح البخاري
23. صحيح مسلم
24. مسند الإمام أحمد
25. فقه السنة _ السيد سابق
26. الروض المربع شرح زاد المستنقع _ مجموعة مشايخ .
27. الشرح المختصر على زاد المستقنع _ الفوزان
28. لسان العرب _ ابن منظور
29. تيسير العلام شرح عمدة الأحكام _ عبد الله آل بسام
30. الاختيارات الفقهية من فتاوى شيخ الإسلام _ البعلي


أبو عبدالإله بندر فهد الايداء 

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
بندر الايداء
  • مقالات
  • كتب وبحوث
  • مع القرآن
  • قصائد
  • الصفحة الرئيسية