اطبع هذه الصفحة


المِــثَـالُ من الرِجّــــــال ... أبو جمال رحمه الله
1366 هـ _ 1440هـ

بندر فهد الايداء
@BandrALAyda


بسم الله الرحمن الرحيم

عليكَ سلام الله ما اهتزَّ شوقنا . . . إليكَ ورضوانُ من الله أكبرُ
 

كنت أحبه كثيراً ولا زلت،وأعتبره والدي الثاني لأن خالي رحمه الله لم يكن رجلاً عادياً في عبادته وحنانه وتربيته وكرمه وإحسانه وصلته للقريب والبعيد، صدقوني إني أكتب عنه وكأني أرثي شيئاً في داخلي رحل، إنه شعور غريب أن تشعر بالموت وأنت حيّ،وأن تعيش بين القبور وأنت تتنفس.

لولا مفارقةُ الأحبابِ ما وجدتْ ... لها المنايا إلى أرواحنا سُبلا

اتصلت به في مرض موته لأطمأن على صحته كان هذا آخر مرة أسمع فيه صوته،وكان لقاءنا الأخير في الصيف الماضي حين جئت للسلام عليه وبشرتهُ بحصولي على درجة الماجستير وأني على وشك السفر لدراسة الدكتوراة، وفي اللقاء أذكر حين أنشدته أبياتاً من قصيدة أبي طالب في النبي صلى الله عليه وسلم وهو يستمع إليّ بكل حوّاسه كعادته مع من يحدّّثه، لم أستطعْ حضور جنازته لأني كنت خارج البلاد ... أليس هذا مؤلماً ؟!

ألا إنّما أفنى دموعي وشفّني . . . خروجي وتَركي من أحبُّ ورائيا
ومالي لا يستنفدُ الشوق عبرتي . . . إذا كنت من دار الأحبة نائيا

عبد الله بن نغيمش بن سالم سبيله العنزي أبو جمال ذلك الجبلُ الذي نفخت فيه الروح، معدن نفيس،مخموم القلب، صدوق اللسان،صاحب تألّه وعبادة، وقيام ليل، وقراءة قرآن، وسِعاية على الفقراء والمساكين، أحسبه كذلك ولا أزكي على الله أحدا ،عن عبد الله بن عمرو قال : قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أيّ الناس أفضل؟ قال : "كل مخموم القلب، صدوق اللسان" قالوا : صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: هو التقي النقي ، لا إثم فيه ولا بغي ولا غلّ ولا حسد" رواه ابن ماجه (4216) وصححه الألباني في السلسلة (984)

والناس كلهم لفقدك واجد . . . في كلِّ بيت أنّة وزفـــيــرُ
عجباً لأربع أذرعٍ في خمسةٍ . . . في جوفها جبلٌ أشمُّ كبيرُ

أحسب أنّ الله تعالى بارك له في عمره وولده فكان منهم _تبارك الله_ طالبُ العلم وحافظُ القرآن، والطبيب والمهندس،والمعلم،والشاعر،والطيّار والضابط، متميزون ديناً وخلقاً رجالاً ونساءً، لأن كل من تتلمذ في مدرسته أصابه بريق من النجاح وهذا بعد توفيق الله لصلاحه وبرّه وصلته لرحمه فهو في هذا الباب قلّ نظيره رحمه الله ( وكان أبوهما صالحا) _ الكهف : 82 _ .

كــأنَّ أبي _ بَعدُ_ لـــم يذهــــبِ
وصحنُ الرماد .. وفنجانــــــــهُ
على حالــــه بعدُ لم يُشربِ
ونظَّارتاهُ ... أيسلو الزجاجُ
عيوناً أشفًّ من المغربِ

ولد رحمه الله عام 1366هـ في ضواحي العلا شمال المدينة المنورة في بيت دين وتقوى، كان الابن الذكر الثالث لجدي نغيمش ذو العائلة الكبيرة ،لقد كانت الحياة قاسية حينها سيما على أهل البادية وأصحاب المواشي الذين يرحلون باستمرار تتبعاً لمساقط الأمطار،لقد كان همّه كبيراً في أن يبرَّ والديه وأهله،وأن يكون عوناً لهم بعد الله،كان جدي رجلاً متعلماً فعلّمه مبادئ القراءة والكتابة والحساب حتى صار يكتب له رسائله،وفي عام 1384هـ سافر إلى الرياض والتحق بالحرس الوطني،لم تكن فكرة الدراسة النظامية وقتئذ تستهوي أترابه،لكنه كان مختلفاً عنهم،كان يخرج بعد دوامه عصراً يبحث عن مدرسة ليلتحق بها فيردُّ طلبه لأنه لم تكن معه شهادة،حاول أن يدرس بأجرة في إحدى المدارس الأهلية الابتدائية والتقى بالمدير فرفضَ طلبه، لكنه انتظر عند باب المدرسة حتى انتهى الدوام ثم حضر في اليوم التالي فعجب المدير لإصراره وحين سأله قال له: أريد أن أتعلم، إختبرني !فأجرى له اختباراً وبعدها ألحقه مباشرة بالصف الخامس.

لم تكن معه سيارة فكان يخرج من معسكرات الحرس الوطني كلَّ عصرٍ بسيارة أجرة لمدرسته،حتى أنهى المرحلة الخامسة،وعندما بدأ في الصف السادس اضطرّه عمله للانتقال إلى جازان بسبب أحداث اليمن،وكانت أقرب مدرسة لهم تبعد قرابة 100 كم ،ولم يكن الطريق إليها معبداً، فحوّل دراسته إلى "منازل" وأتم المرحلة السادسة،ووقتها كان الناجحون من المرحلة الابتدائية لهم شأن وتذاع أسمائهم في المذياع وكان خالي رحمه الله أحدهم.

نفسُ عِصامٍ سَوَّدَت عِصاما . . . وَعَلَّمَتهُ الكَرَّ وَالإِقداما

وفي بداية التسعينات الهجرية رجع إلى الرياض وأراد مواصلة تعليمه لكنه ما لبث حتى انتقلت كتيبته إلى نجران في مهمة أخرى، وفي عام 1395هـ ابتعثَ الحرس الوطني مجموعة من الضباط لأمريكا ولم يكن منهم من ضباط الصفّ سوى اثنان اختيرا لتميزهم وكان خالي رحمه الله أحدهم، ومكث فيها سنة وفي أثناءها توفي والده ولم يعلم إلا بعد وصوله للمملكة رحم الله الجميع، وفي بدايات 1400هـ أتمَّ رحمه الله المرحلة المتوسطة ثم انقطع بعدها لاشتغاله بمتابعة أولاده ولرعاية بعض الأسر التي كانت في حاجته رحمه الله.

مضت سنوات طويلة وهو يقسم راتبه ليواسي بنصفه بعض قرابته،وليسدَّ من أهل الحاجة خلَّتهم،ويفكَّ ضائقتهم،بدأبٍ لم ينقطع وسعادة بالعطاء،لم يعلم أولاده حينها ،وكانوا ربما احتاجوا بعض الكماليات فلم يجدوها فيستغربون، لكن بعد أن كبروا علموا أن خالي رحمه الله كان يواسي بماله كثيراً من العوائل والأسر المحتاجة ويتابع حتى تفاصيل حياتهم.

يعطي عطاءَ المحسنِ الخضلِ النّدى ... عفواً ويعتذرُ اعتذار المذنبِ

كان في صلته للرحم مثالاً يُقتدى به، وأحسب أنَّ له نصيباً من قول النبي صلى الله عليه وسلم" من سرّه أن يبسط له في رزقه أو ينسأ له في أثره فليصل رحمه" رواه البخاري (2067) ومسلم (2557).

قال النووي رحمه الله:
بسط الرزق:توسيعه وكثرته وقيل البركة فيه، وأما التأخير في الأجل ففيه سؤال مشهور وهو أن الآجال والأرزاق مقدرة لا تزيد ولا تنقص ( فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) وأجاب العلماء بأجوبة الصحيح منها أن هذه الزيادة بالبركة في عمره، والتوفيق للطاعات وعمارة أوقاته بما ينفعه في الآخرة، وصيانتها عن الضياع في غير ذلك.

لم يكن خالي رحمه الله من أهل التجارة لكنَّ الله كثّر رزقه وبارك له فيه،رُغم عائلته الكبيرة ، ووظيفته الوحيدة،ومع هذا ما احتاج أحداً،فبنَى بيتاً واشترى آخر، وبنى له استراحة، شهماً، نبيلاً ،يُعطي ولا يأخذ، بل ويقرضُ الناس ويتجاوز عنهم ومات وليس عليه دين لأحد، وأما في العمر فقد عاش 74 عاماً مباركة مضت في الاجتهاد في الطاعة والبرّ والسعاية على المحتاجين ،لقد بارك الله له في أهله وولده بل وشهد زواج إحدى حفيداته وهو بقوته وصحته رحمه الله.

كان من صلته لرحمهِ أنه يزور أقاربه الأدنين فالأدنين لا يقطع أحداً لو تعرّض لإساءة،بل يتبعها بإحسان لعلمه بأن الواصلُ ليس بالمكافئ،وكان اتصال الجمعة علامة له رحمه الله يتعاهد به إخوته وأخواته وقرابته حتى إذا فقدوا هذا الاتصال ولو جمعة واحدة علموا أنَّ خطباً عظيماً ألمَّ به.

وهل أبكيكَ أم أشدو بفخرٍ . . . وكلتا حالتيّ لها دليـــــلُ
فلا شدوي إذا أقدمتُ يكفي . . . ولا دون الردى حزن يحولُ
وما نفعَ البكاءُ ولا التباهي . . . إذا كان الرحيلُ هو الرحيلُ

أما في الكرم والضيافة فحديث لا ينتهي عنه رحمه الله،لقد كان منزله أشبه بالميقات لكلِّ قادم إلى الرياض من قرابته وغيرهم،فيهيء لهم الطعام،والشراب،والمبيت، وحتى المال وإن طال مكوثهم عنده لا يزيده ذلك إلا انشراحاً وحباً لهم وأنا شاهد على ذلك، أذكر حين كنت أدرس فصلاً صيفياً بالجامعة في الرياض سكنت عنده وكأني والله بين أمي وأبي، وفي إحدى الأيام صدمتُ بسيارتي وكانت بحاجة للإصلاح فتفاجأت به يدعوني ويُغلق عليّ الباب ثم يعطيني مالاً لأصلح به سيارتي.

له ضحكة عند النوّال كأنها . . . تباشير برق بَعدَ بُعدٍ من العهدِ
كأنَّ نعم في فيه حين يقولها . . . مجاجةُ مسكٍ بان في ذائب الشهدِ

كنت من صغري أعامله كوالدٍ لي، إذا أخذت شهادات التفوق أحب أن أبشرّه، وأذكر منها شهادة التفوق للصف الأول الابتدائي التي أخذتها معي إلى الرياض لكي يراها، لقد كان مهاباً حين يتحدث ،حتى عتابه لم يكن عادياً،كان مقبولاً وإن قسى أحياناً لصدقهِ رحمه الله، له سَورةٌ من حدّة يسرع منها الفيئة،يقبلُ على من يحدّثه فيشعر المتحدث بأنه الأهمّ لديه،محسناً الإنصات، أوّاباً للحق، ذو هيبة وتواضع، إذا ذّكر بالله ذكر،لا يردّ المعرفة ولو أخذها ممن هو أقل منه، وكانت تشرئب إليه الأعناق عند الإصلاح بين الناس رحمه الله لحكمته وهيبته ورجاحة عقله.

سلْ عنه أقواماً فكم من شاكرٍ . . . فيه صنائعهُ وكم من حامدِ
يجلو بحكمتهِ وصائبَ رأيه . . . فيه ظلامَ مصادرٍ ومواردِ
أحببتُ منه كاللجينِ شمائلاً . . . ومآثـــراً كـلآلئ وفراقــدِ

عتبَ عليّ مرةً حين تركت وظيفة لألتحق بالدراسة في الجامعة، كان يخاف عليّ الفشل والتعثر من حبّه لي، وجئته بعد أن صرت محاضراً في الجامعة لأبيّن له بأني ما تركت تلك الوظيفة عن عجز وفشل بل لأواصل نجاحاً بنجاح ، ولا زلت أذكر حين أهديت له أول كتبي المطبوعة تهلّل وجهه وبرقت أساريره وقال لي بعد أن مسك كتابي : إلى الأمام ... كان تشجيعهُ لي يعني لي الكثير،كنت أجد شوقاً حين أصل الرياض لأني سألتقيه وآنس بمجلسه وطيبِ كلامه.

يا موقدَ النار يذكيها ويخمدها . . . قُــــــرُّ الشتاء بأريــاح وأمــطارِ
قم فاصطل النار من قلبي مضرَّمةً . . . فالشوق يضرمها يا موقد النارِ

من سنوات طويلة توفي خالي سعود رحمه الله ولم يرزق بذريّة،فكان خالي عبد الله يحسنُ إليه كثيرا بعد وفاته بالدعاء له،والصدقة عنه، ويوصي أولاده بذلك، قال لهم مرة : والله إني ما سجدت لله سجده إلا دعوت لوالديّ ثم لعمكم سعود، لأني أعلم بأنه ما وراه أحدٌ يدعو له.

قال أحد زملاءه في العمل : كان أبو جمال فريداً في أمانته وأخلاقه ومسئوليته،بل ويعاملنا مثل أبناءه لدرجة أنه يرفض أيّ إجازة خارجية يقدمها له أيُّ شاب موظَّف غير متزوج خوفاً عليه من الفساد فكنّا نلومه حينها ونقول هي إجازة نظاميّة، فيقول:من جهتي لا أوافق عليها ،لماذا تسافر وحدك للخارج؟ تزوّج وأبشر .

يقول أحد جيرانه: خرجت من مسجد الحيّ بعد الظهر وجاءني عمّال النظافة يقولون نريد أن تأخذنا للصلاة على أبي جمال_وكان سيصلى عليه بنفس اليوم بعد صلاة العصر في جامع الراجحي_، فعلمت أنه أحسن إليهم ومن إحسانه الذي عرفنا بعد وفاته أنه كان يتكفَّل بإفطارهم كلَّ صباح، وكان حريصاً على إخفاء أعماله الصالحة حتى عن أولاده.

يخفي صنائعه والله يظهرها ... إن الجميل إذا أخفيتهُ ظهرا

يقول صهره ماجد البشير: في كلّ عامِ كان أبو جمال يتعاهد عجوزاً عندنا محتاجة في جدة ويرسل لها مبلغاً من المال وبطاقات مدفوعة لأسواق العثيم . لقد كان رحمه الله يحسّ بدنو أجله ففي سنة وفاته عجلَّ زكاة أمواله وصدقاته لمن يتعاهدهم كل سنة وجدّد وصيته قبل موته بأيام.

ورث عن أبيه أرضاً وكان من سماحة نفسه إذنهُ للناس أن يحفروا فيها آباراً لهم، يريد بذلك أن تكون صدقة لوالديه رحم الله الجميع.

متفرّعُ من دوحةٍ كم أنجبتْ . . . من أروعٍ حرٍّ كريمٍ ماجدِ
آثارهم يروي الزّمان حديثها . . . وهو الصّحيح وما لها من جاحدِ
ورثــــــوا السماحةَ كابراً عن كابر . . . والألمعيةّ طارفاً عن تــالــدِ

كان من دعائه ( اللهم اجعل منيّتي حدّ قوة من ضعفه) أي أموت وأنا لا أحتاج أحداً ولست عالة على أحد، وكان لا يسأل الناس شيئاً حتى من أولاده وإذا أرادوا برّه مثلاً بشراء جهاز طبي له أو نحو ذلك كان يرجع إليهم أموالهم ويشتري بماله.

أصيب رحمه الله في بدنه بأمراض كثيرة جعلها الله كفارة له فلا يأتيه مرض إلا وتنسي شدّته ما قبله، بداية من الجلطة التي أعقبت أمراض القلب التي أصيب بها عام 1418هـ وفي السنوات الأخيرة من الروماتيزم وتليّف الرئة،وسرطان الجلد فضلاً عن السكري والضغط وأمراض كِبر السنّ.

بعد دخوله الأخير للمستشفى كان يشعر بأنه لن يخرج،نقص عنده الأكسجين وكان يتنفس بصعوبة فطلب من أولاده الحضور حتى من خارج الرياض ليوصيهم،وكان لا يفعل هذا في تنويماته السابقة.

كان يغيب عن الوعي ويصحو فإذا صحى انبته وكان همّه الصلاة فيتيّمم ويصلي الفريضة ثم يصلي السنن الرواتب ويكثر من ذكر الله ويتشهّد كثيراً.

كان يشعر بدنو أجله وفي آخر صحوة له كان يشرقُ بالأدوية التي يُعطاها فيقول :خلاص ما عاد هي نافعة!يقول هذا بابتسامة عجيبة وبيقين كبير، حتى إنّ الممرضة لما تريد أن تحقن له الأدوية في الوريد يقول:لا تتعب نفسها ما عاد نافع شيء، وقبل غيابه الأخير عن الوعي نطق شهادة التوحيد ثم ابتسم ونام ولم يصحو بعدها رحمه الله.

توفي في الرياض عصر يوم الأربعاء 27 رجب 1440هـ وصُليَّ عليه في اليوم التالي بعد صلاة العصر في جامع الراجحي بالرياض ودفن في مقبرة النسيم رحمه الله وكانت جنازة مشهودة والجميع يثني خيرا ويدعو له رحمه الله وغفر له .

ليهنكَ ما رأينا من شهود . . . بأرض الله كلّهـــم ثنــــاءُ

أوصى الجميع بتقوى الله في السر والعلن وبالصلاة جماعة،وأوصى أهله وبناته بالحجاب والستر والاحتشام وكان يقول ويكرر دائماً : أنَّ جمال المرأة في سترها وحشمتها، وكان يوصي ببناته خيراً سيما الصغارَ منهن،وسأنقل للفائدة ما يصلح نشره من وصيته التي كتبها في 12 رجب 1440هـ أي قبل وفاته بأسبوعين والتي أمر أن تُفتح بعد وفاته وكأنها وصية لنا جميعاً، أرجو أن يكون له أجرها وأجر من عمل بها،أوصى أن يكون ريع بعض أملاكه وقفا في سبيل الله وقال في رسالته :

أوصيكم بتقوى الله ولا تختلفوا على الدنيا الفانية، حافظوا على الصلاة مع الجماعة،وادعوا لي بالمغفرة مع كل صلاة،وأوصي بناتي وأمهاتهنَّ بتقوى الله بالحشمة والستر واللباس الإسلامي والحجاب، ولا ينظرنَ ما يقال ويُشاع في الموضة التي تُخرج المسلمة من دينها وعفّتها،وسترها وحجابها. ولسان حال أولاده:

أبي يا أبي .. إنَّ تاريخَ طيبٍ
وراءكَ يمشي، فــــلا تَعْتَبِ..
على اسمِكَ نمضي، فمن طّيِّبٍ
شـــــهيِّ المجاني، إلى أطـــيبِ

كانت هذه نفثة مصدور، وأنَّة مقرور، وبطاقة تعريف بسيطة وفاء له رحمه الله، وأعلم أنه فاتني الكثير الكثير،لكن لعل في هذه الكلمات سلوى لي ولأمي ولأهله ولمن يحبّ أن يتأسى بالصالحين.اللهم ارحم خالي رحمة واسعة، اللهم وسّع له في قبره ونوّر له فيه،اللهم اجعل له لسان صدقٍ في الآخرين،واجعله من ورثة جنة النعيم، وارفع درجته في المهدييّن ،واخلفه في عقبه في الغابرين ،واغفر لنا وله ولجميع المسلمين ... آمين .

قلتُ أرثيه رحمه الله :

حياتكَ بلسمٌ في كلِّ بابِ. . . وفضْلكَ لا يترجمــهُ كـــــــتـــــابــي
وفقدُكُ هدّني وأبانَ ضعفي . . . وكسَّر في لظى الصحرا قِرابيِ
ويتـــركني أعـــــثـــــَّرُ ثم أكبــــو . . . ويملأ بالحصى الحامـــي جرابي
سقاني من كؤوسِ الموتِ صابا . . . ونحو سحيق أحزاني هوى بي
أيا خالــي ويا أبــتي ويـــا مـــــن . . . له قلــبٌ كـصافــــيــةِ الســــحـابِ
زرعتُ لكَ المحبةَ من قديمٍ . . . زمانَ طفولتي ولدى شبابـي
بنيتَ بداخلــي وُدّاً عظيمــــاً . . . وحبـــَّــــكَ قــد لبستُ به ثيـــــــابي
تمرُّ بـي الأهـــلّـــةُ مسرعـــــــاتٍ . . . بدونـــــــــكَ والحنايـا فـي التهــابِ
وأرشفُ من معاني الفقد صبراً . . . فتغدو رؤيــتي مـــــــثـل الضبـــابِ
وأبصرُ في السماء مزون غيثٍ . . . فتـــكْــــذِبني بأخـــــيـــالٍ خــلابي
وتُكـــــــسرُ كلُّ أغصانـــي بــبـطءٍ . . . ولا يصــــــفو طعـــــــامي أو شــــرابيِ
فيا دمـعـاً تـعــــال فـــــــإن ما بي . . . سهــــامٌ قطّعتني مـع حِـــــــرابِ
وأمطــــــرْ واكـفــاً فــــــلعــل نـــــــاراً . . . ستطفئها الدموعُ على انسكابِ
فيـــوم رحيلكم ما زال ذكـــــرى . . . كأني فيــــــه في مـــــوجٍ عُبـــــابِ
ومما هالني في الحزنِ بُـــعْــــــدِي . . . أقاسي فيه مع ألمي اغتــرابي
يعذّبني الفراقُ وليت شعري . . . بلوعـــاتِ الذهابِ بلا إيابِ
أعزّي فيك أمّي وهــي أدرى . . . بطعم الفقد يا عالِ الجنابِ
أعزّي فــــــيك أولادا كـــــرامـــــــاً . . . لهم من سمتكم أوفى نصابِ
أعزّي فيــــك جيراناً وأهلاً . . . وملهــــوفاً تمزّقَّ في عــــذابِ
أعزّي فيــكَ أيتامىً وجوعى . . . رأوا في موتكم يـــــــومَ اضطــــــرابِ
وصولاً ما قطعتَ وإن أساؤا . . . وفي قول الحقيقة لم تحابِ
كريماً بـــاذلاً جــاهاً ومــــالاً . . . لكشــــــفِ كريهةٍ ولسدّ بــــابِ
مصابي فيك يا خالي عظيم . . . وأرجو الله صبري واحتسابي
فإنّـــا للإلــــهِ وكــــلُّ شــــيء . . . إلى الله الرحيــــــم لـــذو مــــآبِ


كتبه : أبو عبد الإله / بندر بن فهد الايداء
9 شعبان 1440هـ _ 14 أبريل 2019
اسكوتلندا _ المملكة المتحدة
Snap & Twitter: @Bandralayda
Bfe84@hotmail.com

 

بندر الايداء
  • مقالات
  • كتب وبحوث
  • مع القرآن
  • قصائد
  • الصفحة الرئيسية