اطبع هذه الصفحة


الكريسماس ... الصلاة جامعة !

بندر فهد الايداء
@BandrALAyda


بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

       فهذه وقفات سريعة مختصرة تعليقًا على مشايخ جحر الضب الذين ينشطون في كل مناسبة لتهوين الدين في نفوس المسلمين وتسريع الانسلاخ من آصرة العقيدة بحجج واهية وشبه ضعيفة، وآخرها استماتتهم وتمحّلهم في تجويز تهنئة المشركين في أعيادهم الدينية، وإنك لترى في مخايلهم معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "وجُعِلَ الذُّلُّ والصغارُ على مَن خالفَ أمري ومَن تشبَّهَ بقوم فهو منهم"، رواه أحمد.

       أقول مستعينًا بالله:

       إن عدمَ وجودِ النصّ الصريح في القرآن والسنة على تحريم أمر ما ليس دليلاً على إباحته، لا سيما إذا كان هذا الأمر يخالف قواعد كلية وأصولاً عامة في الشريعة، كيف وإن كان يمس أعظم أصل في الدين وهو التوحيد، ومن يجعل إباحة كل ما لم يأت نص على تحريمه قاعدة له في كل مسألة فقد ارتكب جناية في الفهم والمآل، وهو يذكرني بــ(محشش) التقيتُه قبل سنوات يجادلني في جواز الحشيش بحجة أنه لم يأت نص صريح بمنعه فهل هؤلاء يريدون الوحي مثل القاموس؟! ومن يسلك مسلك هؤلاء فلابد أن يناقض نفسه يومًا، فمثلاً: من يقول بجواز تهنئة الكفار بأعيادهم الدينية لأن الشريعة لم تنص على التحريم فهناك أصول وقواعد عامة تخالفها هذه التهنئة، وهي باختصار كالآتي:

1.   قال تعالى: "وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ" وهي أعياد المشركين، فنهى عن مجرد شهودها، فكيف بموافقتها والتهنئة بها وهي تتضمن معنى باطلاً يخالف "قل هو الله أحد"؟!

2.   روى أحمد وأبو داود من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما يوم الأضحى ويوم الفطر"، فأبطل أعيادهم، ولم يقرها عليه الصلاة والسلام حتى للتهنئة، ولم يتركهم يلعبون كالعادة بل قال: أبدلكم، وسمع الصحابة من فورهم، وهذا ما ميّز ذلك الجيل الفريد رضي الله عنهم، وهذا هو ما نحتاجه إذا أردنا العزة أن نحسن الاستجابة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، نحتاج الصدق في التسليم والإذعان.

3.   ذكر ابن القيم رحمه الله في كتابه أحكام أهل الذمة إجماع أهل العلم على تحريم التهنئة بأعياد المشركين، فقال: "وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق"، وعلى ذلك علماؤنا المعاصرون كابن باز وابن عثيمين والألباني واللحيدان والفوزان وهيئة كبار العلماء في السعودية.

4.   من يستدل بآية الممتحنة: "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم" وبقوله تعالى: "وقولوا للناس حسنا" وغيرها من الأدلة العامة فهو صاحب فهم عجيب وخلط غريب، فالأمر العام بالإحسان والبر بالكفار غير المحاربين شرطه ألا يعارض ديننا، ولهذا جاز لنا الإحسان إليهم ومواساتهم وتهنئتهم فأفراحهم التي لا تعارض ديننا، وعيادة مريضهم وتعزيتهم والتصدق عليهم، وهي أوجه كثيرة لا يمكن حصرها، فهل احترامنا لديننا بترك هذه الجزئية وفعلنا لكل هذا الإحسان سيجعلنا غير متعايشين؟! هل هؤلاء لا يرون التعايش إلا في فعل ما يعارض ديننا؟! إني أشبههم بمن يترك كل شراب حلال ويطلب منك أن تشرب الخمر أو تأكل لحم الخنزير، أو بمن يريدك أن تقرّ بترك المسلمة حجابها حتى تبدو متعايشًا، فتركوا كل الإحسان الذي ملأ به المسلمون بلاد الغرب وامتحنوهم بهذه المحرمات، فصاروا مثل ذاك الرجل الذي أتى راعيًا فطلب منه شاة ليأكلها، وكلما أعطاه شاة طيبة لم تعجبه فقال له الراعي: ادخل الحظيرة وخذ ما شئت، فذهب الأحمق وأخذ بأذن كلب الغنم!!

5.   من يستدل بأن الإسلام أباح زواج الكتابية وهذا أشد من التهنئة فهذا قياس مع الفارق ولا علاقة لهذا بذاك، فالزواج ليس إقراراً بكفر، والتهنئة به من حيث هو زواج وحسب فلا بأس، لكن لو هنّأه بأن زواجه تم على مراسم الصليب فيحرم هنا، وهذا مثل الذي يحصل في التهنئة بالكريسماس، فهل يستوي أن تهنئ الكافر بمولد الرب -لأن “merry Christmas” هو مولد مسيح سعيد- ثم تتحذلق بأن هذه التهنئة لا يلزم منها الرضا بدينهم؟! نقول: إن كانت رضا بدينهم فهي كفر وإن كانت بلا رضا فهي حرام.

6.   استدلالهم بقاعدة (ما مُنع سدًّا للذريعة أبيح للمصلحة الراجحة) لا يصح؛ لأن تحريم التهنئة لم تكن سدًّا للذريعة، بل لأنها حرام في ذاتها؛ لمخالفتها أصل التوحيد فهي مناسبة عند الكفار لنسبة الولد إلى الله، ولا تجوز التهنئة إلا إذا كان مكرهًا، ولا إكراه هنا، وليس هناك أعظم من مصلحة التوحيد وصيانته عما يكدّره.

7.   لو كان للكفار عيد يجتمعون فيه ويهنئ بعضهم بعضًا فيه وأصل هذا العيد أو يدخل في معناه شيء يسيء لبلد مسلم أو لحاكم أو رئيس في بلاد المسلمين فهل سيفتي مشايخ جحر الضب بجوازه وأن المصلحة الراجحة تقتضي ذلك والتعايش يتطلب هذا؟ أبدًا، لن تحس منهم من أحد ولن تسمع لهم ركزا، فلماذا لم يقدروا الله حق قدره ويعظموه في نفوسهم وهم يعلمون أنّ هذا اليوم احتفال بميلاد ابن الله تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيرا. قال الله تعالى "وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَٰنُ وَلَدًا، لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا، تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا، أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَٰنِ وَلَدًا، وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا (88 _ 92) مريم.

8.   من يستدل بهذه الطريقة على جواز التهنئة فهو كمن يقول: الله سبحانه خيّر عباده بين الكفر والإيمان! بدلالة قول الله تعالى: "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"، وقوله: "لا إكراه في الدين"، والتخيير يدل على أن كلا الأمرين مقبول، لكن هذا الفهم الباطل يعارض قول الله تعالى: "ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يقبل منه"، وقوله: "إن الدين عند الله الإسلام"، والمعنى الصحيح أن الإسلام لا يكره أحدًا على الدخول فيه وأن التخيير في قوله: "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" على سبيل التهديد، إذْ كيف يظن عاقل بأن الله تعالى يخير عباده بين الكفر والإيمان وهو القائل: "ولا يرضى لعباده الكفر"؟ لكن السياق يدل على التهديد، وهذا من طريقة العرب، والقرآن نزل بلغتهم، فهذه الطريقة كقولك لطلابك: قد شرحت لكم الدرس والاختبارُ غدًا فمن شاء فلينجح ومن شاء فليرسب، فهذا الأسلوب تهديد لهم كي يجتهدوا وليس تخييرًا منك لهم بين النجاح والرسوب.

9.   على سبيل المثال هناك أمور لم يرد تحريمها في الكتاب والسنة لكنها خالفت أصول أهل السنة في السمع والطاعة بالمعروف فحرّمها أهل العلم، مثلاً: المظاهرات والاعتصامات والاحتجاجات، فهل يقبل مشايخ جحر الضب القول بأن يشارك المسلمون الكفار في مظاهراتهم واحتجاجاتهم واستيراد هذه الأنشطة لبلاد المسلمين بحجة أن المسألة اجتهادية ولم يرد فيه نص؟! هل هذا يقبل؟! لا، إذًا لم يبق إلا الهوى؛ لأن هذه الأمثلة -وإن اختلفت المواضيع- بطريقة استدلالكم ستؤدي إلى مثل هذا التناقض.

 ثم إني قد رأيتُ من النصارى من لا يحتفل ولا يرى التهنئة بالكريسماس؛ لأن هذا يناقض مذهبه، ولأنهم يعدونه عيدًا وثنيًّا لا علاقة له بالمسيحية، ورأيت من النصارى من يمنع طلابه من المشاركة في أعياد الهالوين بحجة أنها أعياد وثنية لا تمت إلى المسيحية بصلة، ثم تجد أهل التوحيد منبطحين في هذه الأعياد احتفالاً وتهنئة وبشكل مقزز وتجد عندهم أكبر وأغلى شجرة عيد ميلاد وأكبر تجمع واحتفال تنكري ... الخ، وهذا يؤكد على ضرورة العناية بتدريس التوحيد كثيرًا.

    والله إن أحدنا ليأنف أن يحضر مناسبة وفيها من يشتم أباه وأمه، لكن إذا كانت الشتيمة لله بنسبة الولد له والصاحبة فهذا محل نظر وأخذ ورد ولا حول ولا قوة إلا بالله، أسأل الله لي ولمشايخ جحر الضب ولكل المسلمين الهداية والتوفيق ... آمين  

 

أبو عبد الإله / بندر بن فهد الايداء العنزي

3 جمادى الأخرة 1444هـ _ 27 ديسمبر 2022

B.F.ALAYDA@OUTLOOK.COM


 

بندر الايداء
  • مقالات
  • كتب وبحوث
  • مع القرآن
  • قصائد
  • الصفحة الرئيسية