اطبع هذه الصفحة


شرح عمدة الأحكام (23)

خالد بن سعود البليهد

 
عن علي بن طالب رضي الله عنه قال: (كنت رجلا مذاء فاستحييت أن أسأل رسول الله لمكان ابنته مني فأمرت المقداد بن الأسود فسأله فقال: (يغسل ذكره ويتوضأ). وللبخاري: (اغسل ذكرك وتوضأ). ولمسلم: (توضأ وانضح فرجك).

هذا الحديث في حكم المذي. وفيه مسائل:
الأولى: في الحديث دليل صريح على نجاسة المذي لأن الشارع أمر بغسله ولم يرخص بتركه والقول بطهارته قول شاذ مخالف للسنة. والمذي هو سائل لزج شفاف يخرج من الذكر عند تحرك الشهوة بلا دفق ولا إحساس بخروجه. والصحيح أنه يعفى عن يسيره لمشقة التحرز منه.

الثانية:
دل الحديث على أن خروج المذي من الانسان ناقض للوضوء لقوله: (يغسل ذكره ويتوضأ). ولا يعلم خلاف في هذا. واتفق الفقهاء على أن خروجه لا يوجب الغسل كالجنابة لأنه من الحدث الأصغر.

الثالثة:
اختلف الفقهاء عند خروج المذي في الموضع الذي يجب غسله فذهب الجمهور إلى وجوب غسل المحل الذي أصابه المذي من رأس الذكر وغيره وذهب مالك وأحمد في رواية إلى وجوب غسل الذكر كله ولو لم يصبه المذي لظاهر الحديث والأول أصح لأن الموجب للغسل هو نجاسة المذي فيقتصر على الموضع الذي أصابته النجاسة فيكون هذا المعنى مقيدا لإطلاق الحديث والأصل براءة الذمة فلا تكلف بأمر محتمل مشكوك فيه ولأنه من جنس غسل البول يكفي فيه غسل ما أصابه.

الرابعة:
ورد في أكثر الروايات الأمر بالغسل وورد في رواية مسلم النضح فاختلف الفقهاء في ذلك فذهب الجمهور إلى وجوب الغسل وذهب أحمد في رواية واختارها ابن تيمية إلى القول بالنضح يعني الرش على الموضع الذي أصابه المذي وعدم لزوم الغسل لظاهر الرواية وبناء على أن المذي من جنس النجاسة المخففة التي لم يشدد فيها الشرع كبول الصبي الرضيع والصحيح وجوب الغسل وعدم إجزاء النضح لأن رواية النضح الواردة في مسلم أعلها الدارقطني بالإنقطاع وهي محتملة في الدلالة لأنه قد يراد بالنضح الرش وهو الأكثر في الإطلاق وقد يراد به الغسل وهو الأليق هنا لموافقتها لسائر الروايات والنصوص يفسر بعضها بعضا. ويجب أيضا غسل ما أصابه المذي من الثياب ويكفي في ذلك غلبة الظن.

الخامسة:
ورد في رواية أبي داود لحديث علي غسل الأنثيين (يعني الخصيتين). واختلف الفقهاء في ذلك فمنهم من أوجب غسلها مع الذكر أخذا بهذه الرواية وهو من مفردات أحمد في المشهور عنه وذهب الجمهور إلى عدم وجوب غسلها وهو الصحيح لأن هذه الزيادة منكرة غير محفوظة في الحديث أعرض عنها الشيخان وصنيع النسائي يدل على إعلالها ونبه ابن رجب على ضعفها ولذلك اختلفت الرواية عن أحمد في هذا الباب وقال الإمام أحمد: (ما قال غسل الأنثيين إلا هشام بن عروة فأما الأحاديث كلها فليس فيها ذا). فالمحفوظ في السنة غسل الذكر فقط وما روي في هذا الباب في أسانيدها مقال وحملها أهل العلم على السنية والندب أو غسلها حال وصول المذي إليها فعلى هذا لا يجب غسلها ابتداء لكن إذا غلب على الظن انتشار المذي عليها شرع غسلها إكمالا للطهارة وقطعا للشك والوسواس ولهذا ورد في السنة رش الثوب بالماء بعد الاستنجاء وهذا يحمل على حال غلبة الشك بانتشار النجاسة ولا يشرع التكلف في هذا الباب لأنه يفتح بابا عظيما من الشر.

السادسة:
اشتمل الحديث على جملة من الآداب الحسنة: كاستعمال الأدب في ترك المواجهة مما يستحيا منه عرفا وحسن المعاشرة مع الأصهار والتأدب معهم بترك ما يكرهونه من الحديث الذي يحرجهم ويؤذيهم. وفي الحديث دليل على الاستنابة في الاستفتاء وشرط ذلك أن يكون المناب فقيها لديه إدراك بالمسائل ومعرفة بالشرع. وفيه أنه لا حرج على الانسان أن يذكر أحواله الخاصة للغير إذا دعت الحاجة لذلك وترتب عليه مصلحة كاستفتاء ونكاح واستطباب ونحوه وليس ذلك من الفحش المنهي عنه شرعا.


خالد بن سعود البليهد
عضو الجمعية العلمية السعودية للسنة
binbulihed@gmail.com
الرياض:9/11/1429

 

خالد البليهد
  • النصيحة
  • فقه المنهج
  • شرح السنة
  • عمدة الأحكام
  • فقه العبادات
  • تزكية النفس
  • فقه الأسرة
  • كشف الشبهات
  • بوح الخاطر
  • شروح الكتب العلمية
  • الفتاوى
  • كتب
  • الصفحة الرئيسية