تنبيه أئمة المساجد حول تعليق اللوائح في القبلة

خالد بن سعود البليهد

 
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد فقد لاحظت في الآونة الأخيرة انتشار مسألة في عدد من مساجد أهل السنة ألا وهي تعليق اللوائح الإرشادية لتعليم أذكار الصلاة والأدعية والفوائد وغير ذلك من الأمور أمام المصلين في قبلة المسجد. وقد ناقشت بعضهم واحتجوا بأن كثيرا من المصلين يسارعون بالانصراف بعد الصلاة ولا يكلفون أنفسهم بالنظر والقراءة للوائح المعلقة خلف المسجد مما يفوت عليهم معرفة السنن والأذكار.

ولا شك أن هذا العمل مخالف للسنة لأنه يشوش على المصلين ويكون سببا في التفات النظر والفكر حال الصلاة وانصرافهم عن الإقبال على الله وذهاب الخشوع ويذهب هيبة المسجد ويخرج المسجد عن حالته التي ينبغي أن يكون عليها من خلوه من الكتابات والزخرفة والزينة والتوسع في ذلك وفتح الباب يفضي إلى تعليق المدائح وغيرها من البدع وهو من جنس عمل أهل البدع في مساجدهم. ولذلك ورد في السنة النهي عن زخرفة المساجد وتزيينها كما في سنن أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما أمرت بتشييد المساجد). وفي صحيح البخاري قال ابن عباس: (لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى). وعند البخاري من حديث أنس بن مالك : (كان قرام لعائشة سترت به جانب بيتها فقال النبي صلى الله عليه وسلم أميطي عنا قرامك هذا فإنه لا تزال تصاويره تعرض في صلاتي). وفي الصحيحين عن عائشة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في خميصة لها أعلام فنظر إلى أعلامها نظرة فلما انصرف قال: اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم وائتوني بأنبجانية أبي جهم فإنّها ألهتني آنفا عن صلاتي). وهذه النصوص تدل على النهي عن وضع كل ما يشغل المصلي ويشوش عليه سواء كان من الكتابة أو الزينة أو الصور وغيره.

وكان الصحابة لا يكتبون ولا يزخرفون في قبلة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وغيره وقد أمر عمر ببناء المسجد وقال:(أكن الناس من المطر وإياك أن تحمر أو تصفر). ذكره البخاري. ولم ينقل عنهم أنهم كتبوا شيئا من الآيات والأحاديث في المسجد كله سواء كان في القبلة أو غيرها.

وقد كره السلف فعل ذلك وأمروا بتجريد القبلة من كل شيء قال ابن رشد: (كان مالك يكره أن يكتب في القبلة في المسجد شيء من القرآن أو التزاويق ويقول : إن ذلك يشغل المصلي). ‏ وفي المدونة : (قلت أكان مالك يكره أن يكون في القبلة مثل هذا الكتاب الذي كتب ‏في مسجدكم بالفسطاط قال سمعت مالكا وذكر مسجد المدينة وما عمل فيه من التزويق ‏في قبلته وغيره فقال كره ذلك الناس حين فعلوه وذلك لأنه يشغل الناس في صلاتهم ‏ينظرون إليه فيلهيهم).‏ وقال الإمام أحمد: (كانوا يكرهون أن يجعلوا شيئا في القبلة ‏حتى المصحف).‏ وكره الفقهاء الصلاة في موضع فيه تصاوير وزخارف خشية ذهاب الخشوع.

وقد نهى عن ذلك أهل العلم قال العلامة محمد بن إبراهيم: (لايجوز أن يكتب في قبلة المصلين شيء يشغلهم ويشوش عليهم لأن المصلي مأمور بالخشوع وإذا علق في قبلته نقوش أو تصاوير أو كتابة أي شيء أنشغل باله فيها وألهته عن صلاته). ومنهم من منع من وضع اللوائح مطلقا في جميع المسجد سواء كان في الأمام أو الخلف سدا للذريعة ومنهم من رخص بذلك إذا كانت في مؤخرة المسجد ولم تشغل المصلين عن صلاتهم لما فيها من المصلحة والفائدة المتعدية وهذا هو الأظهر.

فالواجب على الإمام عدم وضع اللوائح والآيات في قبلة المسجد اتباعا للسنة وهدي السلف الصالح وحرصا على عبادات الناس وأما في مؤخرة المسجد فليقتصد في وضع اللوائح الإرشادية في التنبيه على دروس العلماء والدعاة ونشر فتاوى العلماء الموثوق بهم ولا يضع شيئا إلا وهو مستوثق من صحته مأذون في نشره ولا يكثر اللوائح والألوان ويجعله كالمعرض مراعاة لحرمة المسجد ويجب عليه أن يجتنب وضع الصور التعليمية تعظيما لحرمة المسجد وسدا للذريعة فلا يليق تعليقها في المسجد وإنما اللائق بها أن تعلق في المدارس والمراكز والأسواق وغيرها أما المساجد فيجب أن تصان وتعظم حرمتها ويغلب فيها جانب الاحتياط والحفظ والبدع في الغالب تنشأ عن الاستحسان والتساهل والتوسع دون مراعاة الأصول الشرعية والمقاصد المعتبرة.

وإذا رغب الإمام في تعليم المصلين وإرشادهم فليلق عليهم مشافهة قبل أو بعد الصلوات أو ليوزع عليهم الكتيبات والأشرطة الموثوق بها وتعليم الناس الخير وإرشادهم يكون وفق الضوابط الشرعية والآداب المرعية ولا يكفي فيها قصد الخير والنفع للناس فلا بد في ذلك من تحقق المصلحة وانتفاء المفسدة وموافقة السنة.
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

خالد بن سعود البليهد
عضو الجمعية العلمية السعودية للسنة
binbulihed@gmail.com
5/1/1430