اطبع هذه الصفحة


شرح عمدة الأحكام (40)

خالد بن سعود البليهد

 
عن عائشة رضي الله عنها أن فاطمة بنت أبي حبيش سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : (إني أستحاض فلا أطهر ، أفأدع الصلاة ؟ فقال : لا إن ذلك عرق ولكن دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها ثم اغتسلي وصلي). وفي رواية : (وليس بالحيضة فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم وصلي).

هذا الحديث قي التمييز بين الحيض والاستحاضة وحكمهما. وفيه مسائل:

الأولى: دل الشرع على التفريق بين الاستحاضة والحيض في الحقيقة والحكم والأثر المترتب عليه. فالحيض هو دم طبيعة ينزل من قعر رحم المرأة عند بلوغها على هيئة معتادة في كل شهر في وقت معلوم والغالب أنه ستة أيام أو سبعة يرفع حكم الطهارة من المرأة ويمنعها من أداء العبادة والوطء. قال تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى). وأما الاستحاضة فهو دم فساد يخرج منها في غير عادتها. وضابط الاستحاضة عند الفقهاء ما زاد عن خمسة عشر يوما أو خرج في غير عادتها قال في الإنصاف: (والمستحاضة من جاوز دمها أكثر الحيض). وقال في الشرح: (المستحاضة هي التي ترى دما لا يصلح أن يكون حيضا ولا نفاسا). وهذا منضبط يمكن العمل به أما قول بعض العلماء أنه هو ما خرج كل الشهر أو غالبه فليس بضابط منضبط ويتعذر العمل به واقعيا. وبهذا يتبين أن دم الاستحاضة له صورتان:
1- أن يخرج من المرأة في غير وقت عادتها وأوانها.
2- أن يتصل بعادتها ويزيد على خمسة عشر يوما.

الثانية:
قوله: (إن ذلك دم عرق). يبين حقيقة دم الاستحاضة في كونه دم يخرج من أدنى الرحم من عرق يقال له العاذل وهو أحمر مشرق اللون كدم الجروح ناشيء عن أمر طارئ كمرض وإجهاد وسقوط وتعاطي دواء ونحوه من العلل خلافا لدم الحيض الذي يخرج بمقتضى الطبيعة والدوام وهو دم أسود منتن له رائحة كريهة.

الثالثة:
قوله: (ولكن دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها). أرشد فيه النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة بالعمل بالعادة حال الاستحاضة. وفي هذا دليل ظاهر على أن المستحاضة إذا استمر نزول الدم عليها واشتبه الأمر فإنها تعمل بعادتها فتجلس عن العبادة وتمتنع عن الوطء وقت أيام عادتها ثم تغتسل ويحل لها ما كان محرما عليها ولا يضرها ما نزل عليها بعد ذلك من الدم. ويشترط للعمل بالعادة أن تكون عادتها مضطردة ثابتة من كل شهر لا يتغير موعدها وقدرها قبل ورود الاستحاضة أما إذا لم تكن لها عادة مضطردة يأيتيها الحيض فيها وليس لها قدر وموعد ثابت فإنها لا تلتفت إليها وتعمل بالعلامات الأخرى.

الرابعة:
اختلف الفقهاء رحمهم الله في طريقة عمل المستحاضة واضطرب كلامهم في هذا الباب وتباينت أصولهم فمنهم من فرق بين المستحاضة المبتدأة والمستحاضة المعتادة والآثار في هذا الباب في أسانيدها مقال في الجملة لا يثبت منها إلا اليسير وفي متونها تعارض وإشكال. والذي يظهر على وجه الاختصار من حيث الأثر والنظر أن المستحاضة إذا أطبق عليها الدم واشتبه الحال عليها فهي في عملها على ثلاثة أحوال:
1- أن يكون لها عادة مضطردة ثابتة في القدر فحينئذ تعمل بها وتجلس قدر أيامها ولا تلتفت إل غيرها ولو مع وجودها.
2- أن لا يكون لها عادة مضطردة ويكون لها تمييز صالح تميز به بين دم الاستحاضة ودم الحيض في اللون والريح وغيره فحينئذ تعمل به وتجلس أثناء دم الحيض ثم تغتسل وتصلي.
3- أن لا يكون لها عادة ولا تمييز صالح فتجلس حينئذ ما يجلسه غالب النساء ستة أيام أو سبعة أيام.

خالد بن سعود البليهد
عضو الجمعية العلمية السعودية للسنة
binbulihed@gmail.com
29/3/1430

 

خالد البليهد
  • النصيحة
  • فقه المنهج
  • شرح السنة
  • عمدة الأحكام
  • فقه العبادات
  • تزكية النفس
  • فقه الأسرة
  • كشف الشبهات
  • بوح الخاطر
  • شروح الكتب العلمية
  • الفتاوى
  • كتب
  • الصفحة الرئيسية