اطبع هذه الصفحة


شرح عمدة الأحكام (43)

خالد بن سعود البليهد

 
عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتكئ في حجري وأنا حائض فيقرأ القرآن).

هذا الحديث في مخالطة الحائض. وفيه مسائل:
الأولى: في الحديث أدب شرعي عظيم في مخالطة الحائض وحسن معاشرتها فلم يمنع الحيض في عائشة أن يتكئ عليها النبي صلى الله عليه وسلم ويعاشرها ويجالسها وينام معها ويأكل طعامها. ولا شك أن مخالطة الحائض ومعاشرتها فيه مراعاة لنفسيتها ومشاعرها لأن الحيض كتب على بنات بني آدم جبلة والمرأة لا خيار لها في ذلك ولا لائمة عليها وهي تتعرض أثناء الحيض لآلام جسدية ونفسية وتغيرات في طبيعتها واعتزالها أو اهانتها يشدد من وطأة ذلك عليها فكان من اللائق شرعا وخلقا ملاطفتها والاحسان إليها وتخفيف ما يطرأ عليها.

الثانية: وفيه جواز قراءة القرآن العظيم مستلقيا وقاعدا وقائما وعلى أية حال ما دام أنه ليس في الهيئة نوع إهانة للقرآن وامتهان. قال تعالى: (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ). فلا حرج على المسلم أن يقرأ القرآن على أي هيئة والأفضل أن يكون متطهرا قاعدا مستقبلا القبلة. وهذا من تيسير الله للقرآن في تلاوته وتدبره وتفهمه. ويجوز للإنسان قراءة القرآن في جميع الأحوال إلا حال الجنابة وقضاء الحاجة والجماع.

الثالثة: استدل بعض الفقهاء بهذا الحديث على منع الحائض من قراءة القرآن وفي هذا الاستدلال نظر لأن الحديث سكت عن هذا الحكم ولم يتعرض له ألبتة. وقد روي في نهي الحائض عن القراءة حديث في السنن بلفظ: (لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئا من القرآن). ولكنه ضعيف لا تقوم به حجة. ولأجل ذلك اختلف الفقهاء في هذه المسألة فذهب الجمهور إلى المنع استدلالا بهذا الحديث وقياسا على الجنب. وذهب مالك وأحمد في رواية إلى جواز ذلك واختاره ابن تيمية وهو الصحيح لأن الأصل عدم المنع إلا بدليل ولا يصح في ذلك حديث صارف عن الأصل ولأن القياس على الجنب ممتنع لوجود الفارق بينهما فالجنابة تحصل باختيار الانسان غالبا ويمكنه رفعها بقصده أما الحيض فيحصل بلا اختيار المرأة ولا يمكنها عادة رفعه بعد نزوله ومدة الحيض تطول خلافا للجنابة ولأن منع الحائض من القراءة يفوت عليها خيرا كثيرا ويقطعها عن الذكر ويفضي إلى نسيان المحفوظ وهذا فيه مفسدة راجحة والإذن به فيه مصلحة راجحة ولا نستطيع منعها إلا بشيء بين ظاهر في الدلالة ومعلوم أنه يكثر تلاوة المرأة للقرآن وتعاهدها له في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ومع ذلك سكت الشرع عن تحريمه وحرم عليها أفعال أخرى مما يدل على إباحته فلو كان محرما لنهى عنه. أما من فصل في الحكم فرخص للحائض بالقراءة عند الحاجة كخوف نسيان الحفظ وتعلم وتعليم ونحوه ومنعها بلا حاجة فتفريق بلا دليل ظاهر ولا ينضبط ولا يعرف عن المتقدمين فيما أعلم وليس له نظير في باب العبادات فإما أن يقال بالإباحة أو يقال بالتحريم والله أعلم.


خالد بن سعود البليهد
عضو الجمعية العلمية السعودية للسنة
binbulihed@gmail.com
13/5/1430


 

خالد البليهد
  • النصيحة
  • فقه المنهج
  • شرح السنة
  • عمدة الأحكام
  • فقه العبادات
  • تزكية النفس
  • فقه الأسرة
  • كشف الشبهات
  • بوح الخاطر
  • شروح الكتب العلمية
  • الفتاوى
  • كتب
  • الصفحة الرئيسية