اطبع هذه الصفحة


حكم صلاة العمال ذوي الأعمال الشاقة في المسجد

خالد بن سعود البليهد

 
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. وبعد: فإن الله الشارع الحكيم أمر المسلم بشهود جماعة المسلمين في المساجد المخصصة لأداء الصلاة وقد تظاهرت الأحاديث بذلك وكان هذا هو المسلك هو المشهور من عمل الصحابة رضوان الله عليهم يواظبون على الجماعة ولا يتخلف أحدهم إلا من عذر.

ومما يلاحظ في هذه الأزمنة حضور كثير من العمال أصحاب المهن الشاقة إلى المسجد لأداء الصلاة مع اتساخ ملابسهم وظهور روائحهم من سبب قيامهم بالأعمال ولا يخفى ما آلت إليه المساجد اليوم من كمال النظافة وحسن الترتيب وجودة الفرش وبحضور العمال على هذه الهيئة يحصل أذى ظاهر للمصلين والمسجد فحضورهم على هذا الصفة محرم للوجوه الآتية:
أولا: تأذي المصلين بروائحهم الكريهة بسبب العرق الخارج وشدة الحر مما ينغص على المصلين ويكون سببا في ذهاب الخشوع عنهم. وقد ورد النهي عن الحضور للمسجد عند وجود الأرواح الكريهة من غير اغتسال كما ثبت في الصحيح.
ثانيا: تأذي المصلين بروائح المطهرات ومواد البناء العالقة بثياب العمال وكثير من الناس عنده حساسية تثور عند استنشاق هذه الروائح. وقد ورد النهي في السنة عن حضور المسجد عند أكل الأشياء المستقذرة.
ثالثا: تلوث فرش المسجد وتلفه بسبب مباشرة العامل للفرش وعلى ثيابه أصباغ ومواد صناعية تعلق في الفرش ويصعب تطهيرها ناهيك عن سقوط الأتربة والغبار منه. وقد ورد النهي عن النخامة في المسجد وتقذيره بأي شيء والأمر بتطهير المساجد.

ولا شك أن الشريعة جاءت بالمبالغة في تطهير المساجد وتطييبها وتعظيم شعيرة الصلاة واحترام حقوق المصلين لتحقيق مقصد الخشوع والتأله لله ومنعت من كل وسيلة وأمر ينافي هذا المقصود العظيم.

فعلى هذا يحرم على العامل الذي باشر عملا شاقا أدى إلى اتساخ ملابسه وتلطخه بمواد البناء وكراهية رائحته أن يحضر للمسجد لأداء الصلاة لأنه والحالة هذه يؤذي الملائكة والمصلين ويؤدي إلى ضرر المسجد. وإذا حضر على هذه الهيئة فهو آثم مؤاخذ شرعا وإن قصد الخير لكنه أتاه من غير بابه الذي شرعه الله.

وصلاة العامل في هذه الحالة على صورتين من حيث الحكم:

1- أن يكون قادرا على الاغتسال وتغيير ثياب المهنة من غير مشقة ظاهرة ولبس ثياب طاهرة فهذا يؤمر بشهود الجماعة في المسجد لانتفاء علة النهي عنه وزوال الضرر منه. وقد ثبت في الصحيح الأمر بالاغتسال كما في حديث عائشة أنها قالت : كان الناس ينتابون الجمعة مِن منازلهم مِن العوالي فيأتون في العباء ويصيبهم الغُبار فتخرج منهم الريح ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم إنسان منهم وهو عندي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لو أنكم تَطهرتم ليومكم هذا). متفق عليه. وقد أوجب الشيخ تقي الدين الغسل على من له عرق أو ريح يتأذى به غيره.

2- أن يكون عاجزا عن الاغتسال لضيق الوقت أو عدم توفر الحمام أو اللباس الطاهر أو يكون في ذلك مشقة ظاهرة عليه أو ترتب الفساد في عمله بذهابه للمسجد فهذا تسقط عنه الجماعة ويكون معذورا شرعا لتحقق العلة فيه ووجود الضرر منه. ويؤمر بالصلاة جماعة مع من كانت حاله مثله في مصلى خاص أو في مقر العمل. لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أكل ثوما أو بصلا فليعتزلنا أو فليعتزل مسجدنا). متفق عليه وفي رواية لمسلم: (من أكل البصل والثوم والكراث فلا يقربن مسجدنا فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم). قال ابن عبد البر: (ففي القياس : أن كل ما يتأذى به جيرانه في المسجد .......أو كان ذا ريحة قبيحة لسوء صناعته أو عاهة مؤذية كالجذام وشبهه وكل ما يتأذى به الناس إذا وجد في أحد جيران المسجد وأرادوا إخراجه عن المسجد وإبعاده عنه كان ذلك لهم ما كانت العلة موجودة فيه حتى تزول فإذا زالت كان له مراجعة المسجد). وقال الرملي : (ومثل ذلك من بثيابه أو بدنه ريح كريهة كدم فصد وقصاب وأرباب الحرف الخبيثة وذي البخر والصنان المستحكم والجراحات المنتنة والمجذوم والأبرص ومن داوى جرحه بنحو ثوم لأن التأذي بذلك أكثر منه بأكل نحو الثوم). وصلات العامل حينئذ جماعة مع مثله خارج المسجد من جنس ما رخص فيه أحمد من إقامة الجماعة في البيوت.

لكن ينبغي للعامل أن يجتهد في الاستعداد للجماعة في المسجد قبيل الصلاة من تهيئ الحمام واللباس وأن لا يجعل عادته ترك الجماعة فإن تعذر عليه في بعض الأحوال فالأمر في ذلك واسع إن شاء الله لورود الرخصة في النصوص وكلام الفقهاء. المهم يجب على العامل أن يكون معظما لحرمة المسجد وحرمة المصلين وأن لا يتهاون أبدا في الحضور للمسجد حال تغير رائحته واتساخه بل يجب عليه أن يحضر طيب اللباس والرائحة على أكمل حال كما ورد في السنة.

وينبغي على جماعة المسجد إذا وجدوا عاملا مؤذيا في المسجد أن يناصحوه ويرشدوه للخروج وقد كان رسول الله صلى الله عليه يشدد في ذلك لما ثبت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه خطب يوم الجمعة فقال في خطبته: (ثم إنكم أيها الناس تأكلون شجرتين ما أراهما إلا خبيثتين البصل والثوم لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وجد ريحهما من الرجل في المسجد أمر به فأخرج إلى البقيع فمن أكلهما فليمتهما طبخا). رواه مسلم.
والله الموفق وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.


خالد بن سعود البليهد
عضو الجمعية العلمية السعودية للسنة
binbulihed@gmail.com
10/8/1430


 

خالد البليهد
  • النصيحة
  • فقه المنهج
  • شرح السنة
  • عمدة الأحكام
  • فقه العبادات
  • تزكية النفس
  • فقه الأسرة
  • كشف الشبهات
  • بوح الخاطر
  • شروح الكتب العلمية
  • الفتاوى
  • كتب
  • الصفحة الرئيسية