اطبع هذه الصفحة


آداب الصوم

خالد بن سعود البليهد

 
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين وبعد:
فإن الله شرع لعبادة الصوم آدابا ينبغي للمؤمن أن يلتزم بها ليؤدي صومه على أكمل وجه وأحسن حال وينال الثواب التام.

والمؤمن يستحب له أن يكون معظما للسنة متبعا لهدي الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع شؤونه خاصة ما يتعلق بجانب العبادات لقوله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ). وليست العبرة فقط بفعل العبادة إنما العبرة أن تكون العبادة موافقة للشرع في الظاهر والباطن. والمتأمل في أحوال بعض المسلمين يجد تقصيرا ظاهرا في عدم الاهتمام بالآداب ويجد طائفة منهم يأتون في صومهم بأفعال وأقوال ليست من السنة وإنما تلقوها من العامة والجهال والعادات الشائعة.

وآداب الصوم منها ما هو واجب الحكم يأثم المرء بتركه ومنها ما هو مستحب يؤجر المر على فعله ولا يأثم بتركه. وهذا بيانها:


الأول:
الإخلاص أن يبتغي المسلم بصومه ثواب الله ومرضاته والدار الآخرة ولا يكون غرضه في ذلك سمعة أو ذكرا أو عرضا من الدنيا. وهو شرط لصحة الصوم لا يقبل بدونه. ولذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه). متفق عليه. وكثير من الناس لا يستحضر نية التقرب في الصوم ولا يشترط ذلك لأنه مستصحب لحكم النية لكن يستحب للمسلم أن يستحضر هذه النية أثناء صومه. وبعض الناس من الغافلين هداهم الله أصبح الصوم في حسه مجرد عادة نشأ عليها يصوم موافقة لقومه ومجتمعه ولذلك تجده والعياذ بالله تاركا للصلاة والفرائض الأخرى فهذا لا ينفعه الصوم ولا يقبل منه.

الثاني:
السحور فيستحب للمسلم أن يواظب على أكلة السحور من طعام وشراب وقت السحر فإنها أكلة مباركة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (تسحروا فإن في السحور بركة). متفق عليه. وكلما تأخر كان ذلك أفضل لفعل النبي صلى الله عليه وسلم فقد كان يؤخره حتى ما يبقى على الأذان إلا قدر تلاوة خمسين آية. ويجزئ السحور بأي شيء ولو حسوات من ماء. لحديث: (السحور بركة فلا تدعوه و لو أن يجرع أحدكم ماء فإن الله و ملائكته يصلون على المتسحرين). رواه أحمد. فالسحور فيه بركة الإتباع والثواب والإعانة على الصوم وهو من خصائص هذه الأمة لقول الرسول الله عليه وسلم: (فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر). رواه مسلم.

الثالث:
يستحب للصائم أن يشتغل بالذكر والنافلة وأن يملأ نهاره بأنواع الطاعات من تلاوة للقرآن والدعاء والتسبيح والتهليل والتحميد والتكبير والتطوع بالصلاة والصدقة وأنواع الإحسان للمسلمين وغير ذلك من القرب. وفي الليل يشتغل بقيام الليل والتدبر في كتاب الله. لما في الصحيحين من حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن فلرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة). ومن المؤسف أن ترى بعض المسلمين لا يوظف صومه بالخير ويقطعه بالكسل والبطالة والغفلة نوم في النهار وسهر بالليل على برامج الفساد ناهيك عن فعل المحرمات من تخلف عن الفرائض وارتكاب المآثم.

الرابع:
يجب على الصائم أن يحفظ صومه من اللغو وقول الزور وفعل الزور ومن جميع المعاصي والسيئات التي تنقص ثواب الصوم فإن الصوم الشرعي يقتضي الإمساك عن جميع المحرمات الحسية والمعنوية. لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه). رواه البخاري. وقال جابر رضي الله عنه: (إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمآثم ودع أذى الجار وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء). فينبغي للمؤمن أن يكون حريصا عن كل ما يخدش صومه ويذهب ثمرته. والمؤسف أنك ترى بعض الناس حاله في الصوم لا يختلف عن حاله في فطره من غيبة ونميمة وكذب وسماع أغاني ونظر للمحرمات عياذا بالله.

الخامس:
ومن الآداب العظيمة ترك المراء والسباب والغضب والمشاتمة أثناء الصوم فالمشروع للمسلم إذا صام أن يكون حليما مالكا لنفسه مسيطرا على مشاعره متحفظا من لسانه لا يستثار ولا يغضب لأتفه سبب ولا يخرج عن طوره في المضايقات والخصومات والمشاحة على منافع الدنيا ومصالحها.لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم). متفق عليه. وبعض الناس تجده يغضب ويسب ويشتم وتضيق أخلاقه وقت صومه ولا يحتمل أحدا عند إشارات المرور والمواقف ومراكز التسوق والعمل إذا حصلت مشاحة أو اختلاف.

السادس:
الإلتزام بأداء الصلوات في وقتها أثناء الصوم لقوله تعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا). وقد شدد الشارع في مواقيت الصلاة فيجب على المسلم أن يؤدي الصلاة في وقتها ولا يجوز له تأخيرها عن وقتها المحدد شرعا بغير عذر شرعا كنوم ومرض ونحوه وتأخيرها كبيرة من الكبائر المتوعد عليها. أما الصوم فليس بعذر في تأخير الصلاة وإخراجها عن وقتها. وبعض الناس هداهم الله ينام عن الصلوات في النهار وهو صائم ولا يفعلها إلا بعد خروج الوقت ويظن أن تعب الصوم يسوغ له ذلك وهذا خطأ شنيع وإن كان صومه صحيح حال نومه لكنه ارتكب جرما عظيما يجب التوبة منه.

السابع:
أن يختم صومه بالذكر والدعاء الوارد ويستغل هذه اللحظات بما يفتح الله عليه من الدعاء بخيري الدنيا والآخرة ليختم عمله بخير ولأن هذه ساعة إجابة ووقت لنزول البركة. لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن للصائم عند فطره دعوة ما ترد). رواه ابن ماجه. والأقرب أن وقت الدعاء يكون قبل الفطر لانكسار النفس وقربها من الله. أما الذكر الوارد عن الرسول صلى الله عليه وسلم: (ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله). رواه أبو داود. والمأثور عن الصحابة: (اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت). فهذا يكون بعد الفطر. ويرفع يديه عند الدعاء لعموم الأدلة. وبعض الناس يفرط في ترك الدعاء ويكون همه فقط متجه للطعام والشراب.

الثامن:
تعجيل الفطور وقت دخول وقت المغرب بغياب قرص الشمس لما ثبت في الصحيحين: (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر). ولا عبرة ببقاء الشعاع الأحمر. فإذا غربت الشمس استحب للمسلم الإفطار فورا قبل الصلاة من غير تأخير. وهذا العمل من أسباب محبة الله لأنه فرح بنعمة الله وشكره لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (قال الله عز وجل: أحب عبادي علي أعجلهم فطرا). رواه الترمذي. ويكره التأخير إلى وقت العشاء كعادة اليهود والنصارى كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عنهم بقوله: (لا يزال الدين ظاهرا ما عجل الناس الفطر إن اليهود والنصارى يؤخرون). رواه أحمد. واقتدى بهم الرافضة المبتدعة الخارجة عن السنة فصارت عادة لهم.

التاسع:
السنة للصائم أن يفطر على رطب وإلا فعلى تمر وإلا فعلى ماء لما روي في السنة من حديث أنس: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر على رطبات قبل أن يصلي فإن لم يكن فعلى تمرات فإن لم تكن تمرات حسا حسوات من ماء). رواه أبو داود والترمذي وقال حسن غريب. وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: ( إذا كان أحدكم صائما فليفطر على التمر فإن لم يجد التمر فعلى الماء فإن الماء طهور). رواه أحمد. فإن لم يجد أفطر على أي طعام أو شراب. فإن لم يجد شيئا استحب له أن يقطع صومه وينوي الفطر.

العاشر:
يستحب للصائم أن يكثر من التسوك لما ورد في السنة الصحيحة من فضل السواك وأنه مرضاة للرب. ويسن التسوك جميع اليوم أول النهار وآخره لحديث عامر بن ربيعة أنه قال: (رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم ما لا أحصي يتسوك وهو صائم). رواه الترمذي. وهذا قول أكثر أهل العلم. وكره بعض الفقهاء التسوك بعد الزوال لحديث: (إذا صمتم فاستاكوا بالغداة ولا تستاكوا بالعشي فإنه ليس من صائم تيبس شفتاه في العشي إلا كان نورا بين عينيه يوم القيامة). رواه الدارقطني. وقالوا إنه يذهب خلوف الصائم وهو محبوب شرعا والصحيح أنه لا يكره لأن هذا الحديث ضعيف لا يصح العمل به ولأن الخلوف الذي يخرج من الصائم ينبعث من المعدة بسبب خلوها من الطعام وليس مصدره الأسنان فلا علاقة بين الأمرين ثم إنه لم يرد في الشرع ما يدل على منع الصائم من إزالة الرائحة الكريهة طبعا وحسا وإنما مقصود الشارع الثناء على عبادة الصوم والأثر الناتج عنها.

خالد بن سعود البليهد
عضو الجمعية العلمية السعودية للسنة
binbulihed@gmail.com
6/9/1430

 

خالد البليهد
  • النصيحة
  • فقه المنهج
  • شرح السنة
  • عمدة الأحكام
  • فقه العبادات
  • تزكية النفس
  • فقه الأسرة
  • كشف الشبهات
  • بوح الخاطر
  • شروح الكتب العلمية
  • الفتاوى
  • كتب
  • الصفحة الرئيسية