اطبع هذه الصفحة


بيان غلظ تحريم إِسبال الإِزار والمن بالعطية وتنفيق السلعة بالحلف، وبيان الثلاثة الذين لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم

خالد بن سعود البليهد

 
حديث أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:)ثَلاثَةٌ لا يَنْظُرُ اللهُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَليمٌ: رَجُلٌ كَانَ لَهُ فَضْلُ مَاءٍ بِالطَّريقِ فَمَنَعَهُ مِنِ ابْنِ السَّبيلِ؛ وَرَجُلٌ بايَعَ إِمامَهُ لا يُبايِعُهُ إِلاّ لِدُنْيا، فَإِنْ أَعْطاهُ مِنْها رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ مِنْهَا سَخِطَ؛ وَرَجُلٌ أَقامَ سِلْعَتَهُ بَعْدَ الْعَصْرِ فَقالَ وَاللهِ الَّذي لا إِلهَ غَيْرُهُ لَقَدْ أَعْطَيْتُ بِها كَذا وَكَذا، فَصَدَّقَهُ رَجُلٌ ثُمَّ قَرَأَ هذِهِ الآيَةَ (إِنَّ الَّذينَ يَشْتَرونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَنًا قَليلاً).

الشرح:

في هذا الحديث بيان لثلاثة أصناف من الناس ورد فيهم وعيد شديد في الآخرة في ثلاثة أمور بأن لا ينظر إليهم الله نظر رحمة ولا يطهرهم ويعذبهم بعذابه الأليم وذلك لعظم جرمهم واستخفافهم بالله. أما الصنف الأول فرجل منع ما زاد عن حاجته وكفايته من الماء عن الشخص العابر المحتاج للماء وإنما كان هذا جرما عظيما لأنه من الشح والبخل المذموم الذي لا يجبل عليه المؤمن ويتجلى في هذا التصرف الحرمان للغير ومنع مادة الحياة عنه وانتهاك حرمة الآدمي والماء من الأشياء الثلاثة المشتركة بين عموم الخلق التي تباح لهم جميعا لكن من سبق إلى الماء فهو أحق به من غيره يأخذ حاجته ثم يدفع الفاضل ويستغني عنه لطالبه من غير عوض أما إذا حازه لرحله فإنه يدخل في ملكه ليس لأحد حق فيه. فيجب على المؤمن أن يبذل ما فضل من الماء للمسافر والمحتاج ولا يأخذ عوضا على ذلك لأنه من الأمور الدنيئة التي تخرم المروءة ولذلك ورد النهي في السنة عن أخذ العوض عن ماء الفحل وثمن الكلب. والصنف الثاني رجل دخل في بيعة الحاكم الشرعي لا طاعة لله وإتباعا لرسوله صلى الله عليه وسلم بل لأجل عرض الدنيا فحسب فهو يريد بعمل الآخرة الدنيا ويسمع ويطيع لأجل مصلحته الشخصية ومنفعته المادية فإن أعطاه الحاكم مالا أظهر له الرضا وأثنى عليه وأطاعه وإن منعه الدنيا تسخط ونكث وإن وجد فرصة غدر به وقد جاء في النصوص التشديد على لزوم طاعة الحاكم في جميع الأحوال والصبر على جور الحاكم مع سؤال الحق وعدم نوع يد الطاعة وإنما شدد في هذا لأنه يفضي إلى الخروج والفتنة. والصنف الثالث رجل باع سلعته بعد زمان شريف أقسم الله به تتنزل الملائكة فيه فكذب في سعر قيمة السلعة واستعمل اليمين في سبيل التوصل لوسخ الدنيا فهو مستخف باسم الله يحلف بأيمان كاذبة ليثق المشتري به ويطمئن لكلامه وقد ورد الوعيد في اليمين الغموس وشهادة الزور. وهذا التصرف يصدر عمن لم يعظم الله ويعرف قدره واستولى حب الدنيا على قلبه وصار عبدا لها. ثم استشهد النبي صلى الله عليه وسلم بالآية على تحريم من يعتاض بعهد الله ويمينه بعرض من الدنيا فهو قليل مهما كثر لأنه زائل ليس له أثر في الآخرة يوجب عذاب الله والتقحم في النار والعياذ بالله. وقد استخف كثير من الناس اليوم بحقوق الخلق واستباحوا وتأولوا أكلها بالباطل واستهانوا باليمين الكاذبة وشهادة الزور. والحاصل أن الذنوب الثلاثة المذكورة في الحديث ترجع إلى معنى الشح والغدر والكذب في يمين البيع ولها تعلق أصالة بحقوق الخلق. فينبغي للمؤمن أن يكون معظما لأمر الله ورعا عن حقوق الخلق متنزها عن أكل المكاسب الدنيئة والمشبوهة ملتزما بالعهود والمواثيق متمسكا بمبادئه لا يحيد عنها ما دامت على الحق موافقة للشرع. وجاء في رواية أخرى للحديث ذكر للمسبل إزاره وهو يدل على أن ذلك من الكبائر والمراد من جر إزاره خيلاء كما جاء مفسرا في رواية البخاري وإنما شدد فيه الشارع لما فيه من الكبر الذي هو من صفات الخالق فلا يليق بالمخلوق منازعته في ذلك. وذكر أيضا المن في العطية وهو من الكبائر مبطل لثواب الصدقة وهو أن يذكر المصدق على مسمع المعطى ما صنعه به من المعروف والإحسان على سبيل الامتنان وإنما شدد فيه لما فيه من أذية المسلم وانتهاك كرامته وإشعاره بالإهانة. والثالث هو المنفق سلعته بالحلف الكاذب وهو في معنى الكاذب بعد العصر المذكور في الحديث.


خالد بن سعود البليهد
عضو الجمعية العلمية السعودية للسنة
binbulihed@gmail.com
16/10/1431

 

خالد البليهد
  • النصيحة
  • فقه المنهج
  • شرح السنة
  • عمدة الأحكام
  • فقه العبادات
  • تزكية النفس
  • فقه الأسرة
  • كشف الشبهات
  • بوح الخاطر
  • شروح الكتب العلمية
  • الفتاوى
  • كتب
  • الصفحة الرئيسية