اطبع هذه الصفحة


الإعتدال في المشاعر

خالد بن سعود البليهد

 
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وبعد
فإن الإنسان فطر على الحب والبغض والفرح والحزن وغير ذلك من المشاعر ، والإسلام قد راعى هذه الإحتياجات والرغبات النفسية ووقف منها موقف الوسط فلم يبطلها ويهملها ولم يتركها بلا قيود وضوابط ، بل اعتنى بها ووضع لها ضوابط وآدابا .

والإنسان يباح له شرعا إظهار هذه المشاعر من حب وبغض وفرح وحزن تجاه الأشخاص والمواقف والأحوال لكنه مأمور دائما بالإعتدال في إظهار هذي المشاعر وعدم مجاوزة الحد المشروع فيها لأن المبالغة فيها تؤدي إلى الظلم والإثم وتعود على صاحبها بالحرمان ، وفي المقابل عدم إظهار هذه المشاعر بالكلية و عدم الإكتراث بها يدل قلة الإحساس والجفاء وخلل في النفس ونقص في الرحمة والشفقة ، و قد قبل النبي v الحسن بن علي وعنده الأقرع بن حابس، فقال الأقرع إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدًا، فنظر إليه رسول الله v ثم قال من لا يرحم لا يرحم رواه البخاري ، فالتوسط والإعتدال أمر حسن لا إفراط ولا تفريط.

وفي سنن الترمذي من حديث أبي هريرة ( أحبب حبيبك هونا ما عسى أن يكون بغيضك يوما ما وأبغض بغيضك هونا ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما ) فهذا الحديث قاعدة عامة في الإعتدال في جميع المشاعر يندرج تحتها كثير من المشاعر والصور والأمثلة وهذا بيان شيء منها:

1- شعور الحب:
ينبغي على العبد إذا أحب شخصا أو امرأة أو قبيلة أو وطنا أن يكون معتدلا ولا يبالغ في ذلك ، وإذا حصل منه غلو في محبته فينبغي له أن يذكر مساوئه ومعائبه حتى يكون عنده اعتدال في ذلك المحبوب ، ولذلك نهى الشرع عن مبالغة الرجل في إظهار محبته لإمرأة دون المرأة الأخرى قال تعالى ( وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ) فلا يؤاخذ الرجل على ميله القلبي كما كان الرسول v يميل إلى عائشة وإنما يحرم عليه إيثاره امرأة على باقي النساء في النفقة والمبيت ، وكذلك نهى أيضا الوالد عن تفضيل ولد على باقي الأولاد فعن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: تصدق عليّ أبي ببعض ماله فقالت أمي: لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلق أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليشهد على صدقتي فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (أفعلت هذا لأولادك كلهم؟ قال: لا ، قال: اتقوا الله واعدلوا في أولادكم )، فرجع أبي فرد تلك الصدقة. رواه مسلم.

2- شعور البغض:
ينبغي على العبد إذا أبغض أحدا أن يكون معتدلا في ذلك ولا يبالغ ، وإذا حصل منه مبالغة في بغضه فينبغي عليه أن ينظر إلى محاسنه حتى يكون عنده اعتدال في ذلك المبغوض ، ولذلك نهى الشرع عن هجر المسلم فوق ثلاث ليال قال رسول الله v ( لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال ) متفق عليه. وهذا خاص في الخصومة لأمر من الدنيا وقد وقته الشرع بثلاثة أيام أما إذا كان الهجر لأجل الفسق أو الإبتداع فيجوز أكثر من ثلاثة أيام ولو طالت المدة إذا اقتضت المصلحة ذلك. وكذلك نهى الشرع الرجل عن المبالغة في بغض امرأته لصفة سيئة فيها بل يوازن بين حسناتها وسيئاتها ويتفكر في أخلاقها الطيبة قال رسول الله v ( لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها آخر ) رواه مسلم.

3- شعور الفرح:
ينبغي على العبد إذا فرح لأمر من الدنيا حصول مال أو وظيفة أو ولد أو قدوم غايب أن يكون معتدلا في فرحه ولا يجاوز في فرحه حدود الشرع فيسرف ويبذر ويستعمل نعمة الله في معاصيه ، فالإنسان يباح له إظهار الفرح والسرور عند حدوث نعمة ولكن ينهى عن البطر والأشر والخيلاء ، ولذلك أباح الشرع الفرح في العيد والعرس وغيرهما ، كما نهى الشرع عن الخروج في الفرح عما أباحه الله قال تعالى في قصة قارون ( إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآَتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ) فنهى الله في هذه الآية عن الفرح الذي يوقع في البطر والأشر وينسي العبد شكر الله والقيام بطاعته بل يستعمل نعمه في معصيته. وإذا بالغ الإنسان في الفرح ينبغي له أن يتفكر في سرعة زوال الفرح وأن عاقبته حزن وأن هذه الدنيا جبلت على الأفراح والأحزان وأن الفرح الكامل الذي لا ينغصه شيء إنما هو في الجنة.

4- شعور الحزن:
ينبغي على العبد إذا حزن لفوات شيء من الدنيا أو وقوع مصيبة من موت عزيز أو فقد ولد أو مرض وغيره أن يكون معتدلا في حزنه ويصبر ويحتسب ولا يخرج عن الحدود التي حدها الله في المصيبة ، ولذلك أباح الشرع للإنسان أن يظهر الحزن ويبكي وتدمع عينه كما قال نبينا v حين مات ابنه إبراهيم ( إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإن على فراقك يا إبراهيم لمحزونون ) رواه البخاري ، ونهى الشرع عن مجاوزة الحد في الحزن والخروج إلى التسخط والإعتراض على القضاء والقدر فقال رسول الله v ( ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية ) متفق عليه . وإذا بالغ الإنسان في الحزن ينبغي له أن يتفكر في سرعة انقضاء الحزن وتغير الحال إلى فرح وأن الله قدر له المصيبة لحكمة بالغة وأن هذه الدنيا دار أحزان لا ينبغي للمؤمن أن يحزن عليها ولا يأسف لها لزوالها قال تعالى ( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ) .


بقلم : خالد بن سعود البليهد
عضو الجمعية العلمية السعودية للسنة
binbulihed@gmail.com

 

خالد البليهد
  • النصيحة
  • فقه المنهج
  • شرح السنة
  • عمدة الأحكام
  • فقه العبادات
  • تزكية النفس
  • فقه الأسرة
  • كشف الشبهات
  • بوح الخاطر
  • شروح الكتب العلمية
  • الفتاوى
  • كتب
  • الصفحة الرئيسية