صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







باب دخول مكة وغيره

خالد بن سعود البليهد

 
11- عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ ، وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ فَلَمَّا نَزَعَهُ جَاءَهُ رَجُلٌ . فَقَالَ : ابْنُ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ فَقَالَ : اُقْتُلُوهُ } .
هذا الحديث يتعلق بأحكام دخول مكة. وفيه دليل على إباحة دخول مكة من غير إحرام لمن لم يقصد أداء النسك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن محرما عام الفتح كما نص الزهري على ذلك وفعله ابن عمر رضي الله عنهما كما في الموطأ. وفيه دليل على جواز لباس الحرب داخل المسجد إذا دعت الحاجة لذلك للبس النبي صلى الله عليه وسلم البيضة من حديد على رأسه وقاية من العدو. وقد أمن النبي صلى الله عليه وسلم الناس في ذلك اليوم حين تمكن من قريش فقال من دخل المسجد فهو آمن ولكنه أمر بقتل عبد الله بن خطل لأنه ارتد بعد الإسلام وارتكب جناية القتل لمولاه الأنصاري وكان شديد الأذى لرسول الله صلى الله عليه وسلم يهجوه ويعيب دينه فكان القتل هو الموافق لفعله لا العفو. وفيه دليل على أن الأخذ بالأسباب النافعة لا ينافي التوكل المشروع فإن الاعتماد على الله يقتضي الأخذ بالأسباب وتركها يعد من التواكل المذموم المخالف لهدي الرسل. وفيه دليل على جواز إخبار ولي الأمر بأهل الفساد من دعاة البدعة والفتنة ليدرأ شرهم عن المسلمين فليس ذلك من النميمة.

12- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ مِنْ كَدَاءٍ ، مِنْ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا الَّتِي بِالْبَطْحَاءِ ، وَخَرَجَ مِنْ الثَّنِيَّةِ السُّفْلَى } .

هذا الحديث في صفة دخول النبي صلى الله عليه وسلم لمكة وخروجه منها. وفي الحديث دليل على استحباب دخول مكة من جهة كداء من أعلى مكة وتسمى الآن بربع الحجون وهي الطريق التي تمر بالمقابر وخروجه من كدي من أسفل مكة وتسمى الآن ريع الرسام وهي الطريق التي تبدأ من باب الشبيكة وتمر على جرول وليست كدي المعروفة الآن ويقولون افتح وادخل واضمم واخرج. والعلة في مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم في الطريق قد تكون لبيان السعة في ذلك وقد تكون لتشهد له الأرض على عمله يوم القيامة وقد يكون فعل ذلك لأنه الأرفق والأسمح لطريقه. ويحتمل أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم لذلك ليس على سبيل التعبد بل فعله موافقة للحال فلا يستحب المتابعة في ذلك لمن كانت ليست في طريقه ويجد مشقة في المرور بها لأنه لا يظهر فيه النسك كما أن كبار الصحابة رأوا أن نزول النبي صلى الله عليه وسلم بالأبطح عند قفوله من الحج ليس بسنة بل فعله إتباعا للأرفق ويؤيد هذا ما قاله هشام: (وكان عروة يدخل على كلتيهما من كداء وكدى وأكثر ما يدخل من كداء وكانت أقربهما إلى منزله). رواه البخاري. ولعل هذا الوجه أقرب.

13- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ { دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيْتَ ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَبِلَالٌ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ ، فَأَغْلَقُوا عَلَيْهِمْ الْبَابَ فَلَمَّا فَتَحُوا : كُنْتُ أَوَّلَ مَنْ وَلَجَ . فَلَقِيتُ بِلَالًا ، فَسَأَلَتْهُ : هَلْ صَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ } .

الحديث في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة بعد تطهيرها من الأصنام. وقد دخلها مع خادميه أسامة بن زيد وبلال وعثمان بن طلحة الحجبي الذي فتحها لهم. وحجابة البيت في آل بيته الحجبة الذين كانوا مسؤلين عن إغلاق البيت والمفتاح معهم في الجاهلية فأقرهم النبي صلى الله عليه وسلم بعد الفتح على ذلك ويعرفون الآن بالشيبين ولا يزالون حتى الآن. وفي الحديث استحباب الصلاة في الكعبة تطوعا مطلقا لا سنة راتبة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يواظب على ذلك بل دخلها مرة واحدة يوم الفتح فليست الصلاة فيها سنة من سنن الحج ولا منسكا له ولهذا كان عبد الله بن عمر يحج كثيرا ولا يدخلها مما يدل على أن الأمر واسع إن تيسر فحسن وإلا فلا. وقد ورد فضل خاص لمن دخل البيت ولا يصح فيه شيء. وفيه تعيين لمكان صلاته صلى الله عليه وسلم حيث جعل ثلاثة أعمدة خلف ظهره وجعل الباب خلف ظهره وتقدم وجعل عن يمينه عمودين وعن يساره عمودا ثم جعل بينه وبين الحائط ثلاثة أذرع وصلى ركعتين وسبح وكبر ودعا واستغفر في نواحي البيت هكذا دل الحديث برواياته وشواهده. وقد نفى صلاته بالبيت ابن عباس لأنه لم يشهد الحادثة وقول ابن عمر أصح وهذا يدل على أن العالم قد يخفى عليه بعض الأدلة الشرعية ولو كان له منزلة في الفضل والعلم. وقد استدل الإمام أحمد بهذا الحديث على صلاة المنفرد بين السواري. والذي يظهر أنه لا مزية لموضع صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم في البيت فكل البيت سواء في الفضل أما عمل ابن عمر رضي الله عنه وتحريه الصلاة في هذا الموضع فاجتهاد منه بناء على أصله في المبالغة في تتبع آثار الرسول صلى الله عليه وسلم في سائر أفعاله وهو مسلك مرجوح وكبار الصحابة على خلافه والنصوص لا تدل عليه. والحجر يعد من البيت فمن صلى فيه تطوعا كان له فضل الصلاة في البيت كما ورد في حديث عائشة المخرج في السنن. وقد اختلف الفقهاء في صلاة الفريضة في البيت فمنعها مالك وأحمد وقالا لا تصح لأن شرطها استقبال القبلة والمصلي فيها أو فوقها لم يستقبل جميع البيت وإنما رخص بالنفل لأن مبناه على التخفيف. وأجازها أبو حنيفة والشافعي لأن ما ثبت في النفل ثبت في الفرض إلا ما خصه الدليل ولم يرد دليل معتمد ينهى عن ذلك وما ورد في هذا الباب فضعيف لا حجة فيه ولعل هذا أظهر ولكن العمل جار على ترك الفريضة في البيت.

14- عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ جَاءَ إلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ ، فَقَبَّلَهُ . وَقَالَ : إنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّك حَجَرٌ ، لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ ، وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ }.

هذا الحديث يبين حقيقة الحجر الأسود والمشروع فيه. ففي الحديث دليل على استحباب تقبيل الحجر الأسود سواء كان أثناء العمرة لفعل النبي صلى الله عليه وسلم أو استقلالا. وقد ورد في الحجر الأسود ثلاث سنن تقبيله واستلامه باليد وغيرها والإشارة إليه. ويستحب ذكر بسم الله والله أكبر عند تقبيله لما ثبت في السنة وإن زاد: (اللهم إيماناً بك وتصديقاً بكتابك ووفاء بعهدك واتباعا لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم). فحسن لما ورد عن الصحابة. والتقبيل والإشارة من خصائص الحجر الأسود لا يشرع في غيره من أركان البيت وقد أخطأ بعض الناس حين استحب تقبيل جميع أنحاء البيت فلا يشرع ذلك لأنه ليس له أصل في الشرع ومخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم والعبادات لا تبن على الاستحسان. ويشترط لتقبيل الحجر الأسود واستلامه الأمن من إيذاء الناس ومضايقتهم لحديث عمر. وقد ورد فضل خاص في تقبيل الحجر الأسود ولا يخلو من مقال وأهل العلم يتسامحون فيه. وورد أن الحجر الأسود في الأصل من حجر الجنة أبيض فسودته ذنوب بني آدم كما عند الترمذي. وقول عمر: (إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع). المراد أن هذا الحجر لا يجلب نفعا ولا ضرا استقلالا فلا يطلب منه قضاء الحاجات ولا يتبرك فيه ولا يعظم خلافا للمشركين في تعظيمهم الأوثان والتوجه لها بالعبادة. وإنما شرع تقبيله إتباعا للشرع واقتداء بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وحقيقة التعبد لله يكون فيما شرعه ورضيه لعباده وأمرهم به لا بالتعلق بذات الحجر وكذلك الطواف بالبيت واتخاذ المقام ورمي الجمار من هذا الجنس. وكلمة عمر المحدث رضي الله عنه أصل عظيم في باب التبرك وضابط المشروع فيه من الممنوع فلا يقبل شيء ولا يتبرك به من الكعبة أو غيرها من الآثار والأحجار والبقاع إلا ما ورد في الشرع. وقد افتتن خلق كثير في باب التبرك وزلت فيه أقدام لبعض الكبار والتبس الأمر عند المتأخرين حتى صار التبرك بآثار الصالحين وأضرحتهم شعار التأله والزهد والمتأمل في نصوص الكتاب والسنة وآثار الصحابة يقطع بأن كثيرا من المأثورات المدونة في أصول المتأخرين ليس عليها نور النبوة ولا يدل عليها شواهد الحق.

15 - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ { لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ مَكَّةَ . فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ : إنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ قَوْمٌ وَهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ . فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرْمُلُوا الْأَشْوَاطَ الثَّلَاثَةَ ، وَأَنْ يَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ ، وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الْأَشْوَاطَ كُلَّهَا : إلَّا الْإِبْقَاءُ عَلَيْهِمْ }
16- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ { رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ يَقْدَمُ مَكَّةَ إذَا اسْتَلَمَ الرُّكْنَ الْأَسْوَدَ - أَوَّلَ مَا يَطُوفُ - يَخُبُّ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ }.

موضوع الحديثين الرمل في الطواف والرمل هو الإسراع في المشي مع تقارب الخطى. فالحديث الأول يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم وأصحابه في عمرة القضاء إلى مكة أمر أصحابه في الأشواط الثلاثة أن يشتدوا في المشي عند محاذاة الركنين الشاميين لوجود المشركين في هذه الجهة ويمشوا عند محاذاة الركنين اليمانيين لأن كفار قريش زعموا أن الصحابة أصابهم المرض والجهد من حمى المدينة فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يظهر لهم قوتهم وبأسهم ليبطل زعمهم ويكذب وصفهم فلما شاهدهم الكفار أقروا بجلدهم وقوتهم. وفي الحديث الثاني ثبوت الرمل في جميع الشوط في كلتا الجهتين فأول الأمر كان مقتصرا على الناحية الشامية ثم استقر الأمر على عمومه. ففي هذا دليل على استحباب الرمل في الأشواط الثلاثة والمشي في الأشواط الأربعة وذلك غير لازم فلو تركه المحرم متعمدا فلا شيء عليه وهو مذهب الجمهور. وهذا خاص بالرجال أما النساء فلا يشرع لهم الرمل إجماعا كما حكاه ابن المنذر صيانة لهم. ومحل هذه السنة في أول طواف يؤديه القادم سواء كان طواف العمرة أو طواف القدوم في الحج. وإذا فات محل الرمل لا يقضى فيما تبقى في الأشواط. وفي الحديث إشارة إلى أن العبادة إذا شرعت لسبب خاص بالمشركين أو غيرهم ثم زال هذا السبب في المستقبل ثبتت العبادة ولم يؤثر انعدام السبب وتغير الحال كإعفاء اللحية وصوم عاشوراء والسنن التي شرعت لمخالفة أهل الكتاب والمشركين وهذا أمر متفق عليه عند أهل العلم في الجملة فلا يعترض على هذه العبادة بتغير هدي المشركين كما يقوله بعض الجهلة من أهل الهوى ومتتبعي الرخص الفاسدة. وقول ابن عباس: (حمى يثرب). سمى ابن عباس رضي الله عنه المدينة يثرب مع ورود النهي عن ذلك من باب الحكاية وهذا يدل على جواز حكاية القول والوصف الفاسد المشهور عند الناس لغرض صحيح. وفي الحديث دليل على مشروعية إظهار القوة والخيلاء أمام الكفار لإرهابهم وقذف الرعب في قلوبهم وليس ذلك من الكبر المذموم وقد ورد في السنة شواهد على هذا المعنى. ولا يشرع تخصيص دعاء أو ذكر لكل طواف إلا التكبير في أوله وقول ما ورد بين الركن اليماني والحجر الأسود: (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار). لما روي في سنن أبي داود بإسناد حسن. وما سوى ذلك مما اشتهر عند العوام من الأوراد فمحدث ليس له أصل في الشرع يجب اجتنابه. ويستحب للطائف أن يشغل طوافه بالذكر من تلاوة ودعاء وتسبيح وتهليل وتكبير وتحميد وله أن يتكلم بالمباح وينبغي تركه إلا لمصلحة ويكره الضحك وكثرة الكلام فيه لأنه يذهب الخشوع وينافي تعظيم البيت.

17 - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ { طَافَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى بَعِيرٍ ، يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ }.

هذا الحديث في طواف الراكب بالبيت. ففي هذا الحديث دليل على جواز طواف الإنسان راكبا وحمل كثير من أهل العلم الحديث على إرشاد الناس وتعليمهم كما جاء مفسرا في حديث جابر وبعضهم جعله من خصائصه والغالب على هدي النبي صلى الله عليه وسلم الطواف ماشيا ولم يحفظ أنه طاف راكبا إلا هذه المرة وقد رخص النبي صلى الله عليه وسلم لأم سلمة لما قالت: (شكوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أني اشتكي قال طوفي من وراء الناس وأنت راكبة). متفق عليه. وقد اتفق أهل العلم على إباحته وقت المرض كما حكاه ابن المنذر واختلفوا في طواف الصحيح راكبا فذهب الجمهور إلى وجوب الطواف ماشيا والمنع من الركوب من غير علة وذهب الشافعي إلى جوازه مطلقا ولو لغير عذر وهو الصحيح لظاهر الحديث ولأنه لم يرد دليل يدل على الكراهة أو المنع ولأن الراكب أتى بالطواف تاما فلا وجه لإفساده ومداومة طواف النبي ماشيا يدل فقط على الأفضلية لا المنع والنبي طاف راكبا ليبين لأمته الجواز ومع ذلك فالمشي أفضل فلا ينبغي للإنسان الركوب إلا من حاجة أو مشقة ظاهرة . وفيه دليل على مشروعية استلام الحجر الأسود بمحجن وهي العصا المحنية الرأس أو بغيرها ثم تقبيلها كما جاء مصرحا في حديث أبي الطفيل عند مسلم وهذا محمول على إذا لم يتيسر للإنسان تقبيله مباشرة واستلامه بيده فالمشروع للطائف أن يقبل الحجر ويستلمه بيده فإن تعذر استلمه بيده وقبلها فإن تعذر استلمه بعصا وقبلها فإن تعذر أشار إليه عند محاذاته وكبر وكل هذه السنن ثابتة في السنة أما السجود عليه فقد روي مرفوعا عند الحاكم وغيره والصحيح أنه موقوف على ابن عباس وليس من السنة ومن فعله اقتداء بابن عباس من باب تعظيم الشعائر فحسن وحقيقته أنه سجد عليه لله ومن تركه فقد أصاب السنة. وفي الحديث دليل على طهارة بول ما يؤكل لحمه لأن النبي دخل بالبعير المسجد ولا يؤمن غالبا من سقوط شيء من بوله أثناء الطواف ولو كان بوله وروثه نجسا لنزه النبي صلى الله عليه وسلم المسجد عنه ونهى عن إدخاله المسجد كما نهى عن أمور صيانة للمسجد وتعظيما له. وفيه دليل على جواز دخول الدواب المباحة الأكل من إبل وخيل وغيرها إن دعت الحاجة ولم يترتب على ذلك مفسدة.

18 - الْحَدِيثُ الثَّامِنُ : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : { لَمْ أَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَلِمُ مِنْ الْبَيْتِ إلَّا الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ } .

هذا الحديث في استلام أركان البيت. وقد دل الحديث على استحباب استلام الركنين اليمانيين باليد دون غيرهما من الأركان فلا يشرع استلام الركنين الشاميين لأنهما ليسا على قواعد إبراهيم وذلك أن قريشا لما أرادوا بناء البيت قصرت بهم النفقة عن بناء كل البيت فأخرجوا الحجر من البيت واقتصروا على الركنين اليمانيين ولم يتموا البيت على جميع قواعد إبراهيم الأربعة فصار البيت ناقصا من الجهة الشامية ولهذا فإن الحجر في الحقيقة داخل في البيت من صلى فيه صلى في البيت وقد صرح النبي بذلك كما في الصحيح وورد في الصحيحين بيان هذه العلة قال ابن عمر رضي الله عنهما: (ما أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك استلام الركنين الذين يليان الحجر إلا أن البيت لم يتمم على قواعد إبراهيم). وقد كان معاوية رضي الله عنه أول الأمر يستلم الأركان الأربعة اجتهادا منه ويقول ليس شيء من البيت مهجورا فبين له ابن عباس رضي الله عنهما أن هذا مخالف لفعل النبي صلى الله عليه وسلم فرجع عن ذلك واتبع السنة كما في مسند أحمد. وفي الحديث دليل صريح على قاعدة عظيمة في باب التعبد أن الأصل في العبادات فعلا وتركا التوقيف فلا يشرع منها إلا ما دل الشرع عليها ولا يصح العمل بالقياس والنظر في باب التعبد لأن المكلف إذا أعمل القياس أحدث عبادات جديدة واستحسن أمورا لم يأذن بها الله وقد أتم الله الدين ولهذا قال الشافعي رحمه الله: (إنا لم ندع استلامهما هجرا للبيت وكيف يهجره وهو يطوف به ولكنا نتبع السنة فعلا وتركا).

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
خالد البليهد
  • النصيحة
  • فقه المنهج
  • شرح السنة
  • عمدة الأحكام
  • فقه العبادات
  • تزكية النفس
  • فقه الأسرة
  • كشف الشبهات
  • بوح الخاطر
  • شروح الكتب العلمية
  • الفتاوى
  • كتب
  • الصفحة الرئيسية