اطبع هذه الصفحة


زيادة طمأنينة بتظاهر الأَدلة

خالد بن سعود البليهد


 
حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ: (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤمِنْ قَالَ بَلَى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) وَيَرْحَمُ اللهُ لُوطًا، لَقَدْ كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ؛ وَلَوْ لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ طولَ مَا لَبِثَ يُوسُفَ لأَجَبْتُ الدَّاعِيَ).

الشرح:
هذا الحديث في مناقب بعض الأنبياء وفضائلهم. وفي الحديث دليل على أن العبد يزداد يقينه ويقوى إيمانه بكثرة الأدلة على عظم الله وكمال قدرته ودقيق صنعه وسعة علمه وعموم مشيئته فكلما زاد الدليل زاد اليقين فلا يلام العبد على طلب الدليل والبحث عن الآيات الباهرة والبراهين الساطعة كما فعل إبراهيم عليه الصلاة والسلام حين سأل ربه أن يطلعه على كيفية إحيائه للموتى فسأله ربه وهو أعلم به ألم تؤمن يا إبراهيم فأجاب إبراهيم أنه مؤمن حقا به وليس شاكا بقدرته ولكن يرغب في زيادة طمأنينة قلبه والترقي من علم اليقين إلى عين اليقين فأطلعه الله على دليل حسي بهر إبراهيم وتحقق له اليقين. وقول النبي: (نحن أحق بالشك من إبراهيم) معناه لو ورد الشك على إبراهيم لكنت أحق به منه لعظم يقين إبراهيم ورسوخ إيمانه فهو إمام الحنفاء ومعلوم أن الشك مستحيل في حق إبراهيم كما نص أهل العلم على ذلك ومستحيل في حق نبينا محمد وإنما أراد بذلك النبي صلى الله عليه وسلم بيان منقبة لإبراهيم وهي كمال يقين الإيمان بالله وأفعاله وصفاته. وفيه دليل على اتصاف النبي لوط عليه الصلاة والسلام بمنقبة كمال التوكل على ربه حيث كان يأوي إلى الله لأنه أقوى الأركان وأشدها وأمنعها لما ابتلاه قومه واعتدوا على حرمته وأرادوا فعل السوء بأضيافه الملائكة وانقطعت عنه أسباب الخلق فالتفت قلبه إلى ربه وفوض أمره إليه فأنزل الله عذابا على قومه ونجاه مع أهله وهكذا ينبغي على الموحد أن يتوكل على ربه إذا نزل به البلاء وكاده الأعداء. وفي الحديث دليل على اتصاف النبي يوسف عليه الصلاة والسلام بمنقبة الصبر على بلاء السجن وذلك أن يوسف عليه الصلاة والسلام لما سجن سنين طويلة بعث إليه الملك رسولا ليخرجه فلم يخرج معه طلبا للراحة والدعة والخلاص من عذاب السجن ووحشته ولكن أرسله إلى الملك وقال له اسأل النساء ما سبب سجني واتهامي ليتبين براءته وطهارته من الذنب الذي اتهم به ودنست بسببه سمعته ثم إن تبين أنه بريء خرج عزيزا مرفوع الرأس وهذا الموقف يبين قوة صبر يوسف وحكمته وبعد نظره للأمور. وما حكاه النبي صلى الله عليه وسلم في مدحه لإخوانه الأنبياء محمول فيما يظهر على سبيل التواضع ليبين علو قدرهم وعظيم منزلتهم ووجوب احترامهم ومع ذلك فقد دلت النصوص المتكاثرة على أنه أفضل منهم على سبيل الإطلاق صلوات الله عليهم جميعا كقوله صلى الله عليه وسلم: (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة وأول من ينشق عنه القبر وأول شافع وأول مشفع). رواه مسلم. وفيه دليل على أن ثبوت فضيلة لشخص معين على غيره لا تقتضي مفاضلته عليه من كل وجه فقد يفوق المفضول الفاضل في صفة معينة لكن الفاضل أفضل منه في مناقب كثيرة وهذا واقع في الأنبياء والصحابة فمن بعدهم ومعلوم أن بعض الصحابة رضي الله عنهم كان يفوق أبا بكر الصديق في صفة معينة ولكن أبو بكر أفضل منه ومن غيره من الصحابة على سبيل الإطلاق بالاتفاق والله يؤتي فضله من يشاء والله واسع عليم.


خالد بن سعود البليهد
binbulihed@gmail.com
1432/12/25

 

خالد البليهد
  • النصيحة
  • فقه المنهج
  • شرح السنة
  • عمدة الأحكام
  • فقه العبادات
  • تزكية النفس
  • فقه الأسرة
  • كشف الشبهات
  • بوح الخاطر
  • شروح الكتب العلمية
  • الفتاوى
  • كتب
  • الصفحة الرئيسية