صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







بدء الوحي إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

خالد بن سعود البليهد


1-حديث عَائِشَةَ أُمّ الْمُؤُمِنِينَ قَالتْ: (أَوَّلُ مَا بُدِىءَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْوَحْيِ الرؤيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ، فَكَانَ لاَ يَرَى رُؤْيَا إِلاَّ جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ، ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلاَءُ، وَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ، وَهُوَ التَّعَبُّدُ، اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِعَ إِلَى أَهْلِهِ، وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا، حَتَّى جَاءَهُ الْحَقُّ وَهُوَ فِي غَارٍ حِرَاءٍ؛ فَجَاءَهُ الْمَلِكُ فَقَالَ اقْرَأْ، قَالَ: مَا أَنَا بِقَارِيءٍ، قَالَ: فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ قُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِيءٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنَّي الْجَهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ، فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِيءٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأكْرَمُ). فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَرْجُفُ فُؤَادُهُ، فَدَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ، فَقَالَ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ، فَقَالَ لِخَدِيجَةَ، وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: كَلاَّ وَاللهِ، مَا يُخْزِيكَ اللهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِين عَلَى نَوَائِبِ الْحَقّ فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى ابْنَ عَمِّ خَدِيجَةَ، وَكَانَ امْرءًا تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعِبْرَانِيَّ فَيَكْتُبُ مِنَ الإِنْجِيلِ بِالْعِبْرَانِيَّةِ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَكْتُبَ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ، فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ: يَا ابْنَ عَمِّ اسْمَعْ مِنَ ابْنِ أَخِيكَ فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: يَا ابْنَ أَخِي مَاذَا تَرَى فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِخَبَرِ مَا رَأَى فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: هذَا النَّامُوسُ الَّذِي نَزَّلَ اللهُ عَلَى مُوسَى صلى الله عليه وسلم، يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا، لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمكَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَوَ مُخْرِجِيَّ هُمْ قَالَ نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلاَّ عُودِيَ، وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرُكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا).
2-حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الْوَحْيِ، فَقَالَ فِي حَدِيثِهِ: (بَيْنَا أَنَا أَمْشِي إِذْ سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ فَرَفَعْتُ بَصَرِي فَإِذَا الْمَلكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَرُعِبْتُ مِنْهُ، فَرَجَعْتُ، فَقُلْتُ: زَمِّلُونِي، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى (يأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ) إِلَى قَوْلِهِ: (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) فَحَمِيَ الْوَحْيُ وَتَتَابَعَ).
3-حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيِّ عَنْ يَحْي بْنِ كَثِيرٍ، سَأَلْتُ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمنِ عَنْ أَوَّلِ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ قَالَ يأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُلْتُ يَقُولُونَ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ فَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ سَأَلْتُ جَابِرَ بنَ عَبْدِ اللهِ عَنْ ذَلِكَ، وَقُلْتُ لَهُ مِثْلَ الَّذِي قُلْتَ، فَقَالَ جَابِرٌ لاَ أُحَدِّثكَ إِلاَّ مَا حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (جَاوَرْتُ بِحِرَاءٍ فَلَمَّا قَضَيْتُ جِوَارِي هَبَطْتُ فَنُودِيتُ فَنَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي فَلَمْ أَرَ شَيْئًا، وَنَظَرْتُ عَنْ شِمَالِي فَلَمْ أَرَ شَيْئًا، وَنَظَرْتُ أَمَامِي فَلَمْ أَرَ شَيْئًا، وَنَظَرْتُ خَلْفِي فَلَمْ أَرَ شَيْئًا؛ فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَرَأَيْتُ شَيْئًا، فَأَتَيْتُ خَدِيجَةَ فَقُلْتُ: دَثِّرُونِي وَصُبُّوا عَلَيَّ مَاءً بَارِدًا، قَالَ فَدَثَّرُونِي وَصَبُّوا عَلَيَّ مَاءً بَارِدًا، قَالَ فَنَزَلَتْ (يأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ).

الشرح:

في هذه الأحاديث بيان قصة ابتداء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك أن الله هيأ محمدا ورباه على عينه واصطفاه من الناس وأنشأه على كريم الأخلاق وحسن الشمائل وجعل فطرته سليمة بعيدة عن الأوثان والرذائل واستله من أعلى وأشرف العرب ثم لما بلغ أشده وكمل عقله وتوافرت همته قدم له ارهاصات للوحي فجعل رؤيا الحق تتابع عليه وتكون صادقة واقعة مثل نور الصباح المنبلج الذي لا يختلف الناس فيه ثم حبب الله تعالى له اعتزال الناس والخلوة بأنسه في غار حار يتعبد لله ليالي عديدة ثم يعود إلى خديجة يتزود من متاع الدنيا ثم يعود وهكذا ولم يرد في السنة تفصيل لكيفية عبادته وتحنثه والذي يظهر أنه كان يتعبد لله بذكر الله وتمجيده والثناء عليه والتفكر في عظمته على حسب الحنيفية دين إبراهيم الخليل عليه السلام وقد جاور في حراء شهرا ولما واطأ قلبه الإيمان وفتح الله عليه بخصوص المعرفة أنزل الله عليه جبريل عليه السلام وكلفه بالنبوة والرسالة وتبليغ الخلق بلزوم طاعة الله وإنذارهم بالنار لمن عصاه وتبشيرهم بالجنة لمن أطاعه وامتنع النبي صلى الله عليه وسلم عن القراءة في ابتداء التكليف ليس من باب العصيان والمخالفة وإنما فعل ذلك استغرابا واندهاشا لأن رؤية الملك أمر خارج عن طبيعة البشر وغير معهود للنبي صلى الله عليه وسلم من قبل ثم لما ضم الملك محمدا حتى بلغ به جهدا عظيما استجاب النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ الآيات وخالطت سمعه وقلبه وجميع جوارحه وكان أمرا عظيما وثقيلا على النبي صلى الله عليه وسلم لعظم ثقل الوحي فرجع النبي صلى الله عليه وسلم لخديجة وهو خائف يرجف قلبه ثم طلب من زوجه الكريمة رضي الله عنها أن تغطيه بالغطاء ليذهب عنه أثر الخوف ففعلت فاطمأن قلب الرسول وسكنت جوارحه وذهب عنه ما كان يجد. والخلوة للمؤمن فيها فضل عظيم ينقطع قلبه عن شواغل الدنيا ومعاشرة الخلق وينصرف بكليته للخالق ويشاهد التفكر ويحقق كمال التعظيم والتوحيد لله وهي مشروعة في المساجد والدور لمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك أما قصد الغيران والأودية والدور الخربة للخلوة فيها فطريقة محدثة أحدثها المتصوفة اتباعا لرهبانية الأديان الماضية وهي مخالفة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأئمة السنة ولا دليل في خلوته في حراء لأنه فعل ذلك قبل النبوة فرارا من كفر قومه ثم ترك ذلك بالكلية واستقر عمله على الخلوة الشرعية ولا يوجد في السنة حديث يدل على مشروعية الخلوة في الأماكن المنقطعة إلا ما ورد في الفرار بالدين حال انتشار الفتن قال ابن تيمية: (ولم يكن أحد من أصحابه صلوات الله عليه من بعده يأتي لغار حراء ولا يتخلفون عن الجمعة والجماعة في الأماكن المنقطعة ولا عمل أحد منهم خلوة أربعينية كما يفعله بعض المتأخرين بل كانوا يعبدون الله بالعبادات الشرعية التي شرعها لهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم). وفي الحديث دليل على عظم خلق جبريل عليه السلام فقد كان خلقه عظيما له ستمائة جناح يسد الأفق وهذا يدل على أنه طيار في السماء وورد في القرآن أنه ينزل على صورة رجل فكان يتشكل وهذا يدل على كمال خلقه وكذلك سائر خلق الملائكة عظيم إلا أن الله عز وجل لم يبين صفتها. وفي هذه الأحاديث دليل صريح على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن نبيا قبل ذلك وإنما بعث بالنبوة لما بلغ الأربعين وقبل ذلك لا يثبت له نبوة ولا أحكام خاصة في الشريعة ولم يترتب على وجوده أحداث خلافا لغلاة المتصوفة الذين يثبتون أحكاما وفضائل ويزعمون أن الكون خلق من نور محمد صلى الله عليه وسلم. وفي موقف خديجة رضي الله عنها مع النبي صلى الله عليه وسلم بيان لفضلها وجهادها وحكمتها وثبات قلبها وسداد رأيها في تعزيز النبي وتسليته وتثبيته ودفع الخوف والرعب عنه بذكر فضائله وشمائله وكمال إحسانه للخلق ونصرته للحق ومن كانت هذه عادته نصره الله وتولاه وأحسن عاقبته ولم يخذله فالإحسان من أعظم أسباب النجاة من مصارع السوء كما ورد في الآثار والحاصل أنها رضي الله عنها لم تجزع ولم تخف ولم تتأثر بالموقف ولم تستلم بل ثبتت وعملت بحسن الظن بربها وهكذا ينبغي أن تكون عليه امرأة العالم والداعية من الصبر والحكمة والثبات وحسن الرأي لما يطرأ على زوجها من المحن والرزايا والجفاء من العامة إذا كان موقفه مبنيا على البصيرة واتباع الشرع. وفي نصيحة ورقة بن نوفل للنبي صلى الله عليه وسلم قاعدة عظيمة في مقام الدعوة وهي أن الداعية للتوحيد والسنة في بلد الكفر والبدعة لا بد أن يبتلى بالطرد والإيذاء وغير ذلك من صور العداء من المخالفين لأن النفوس مجبولة على عداوة من يخالف دين آبائها فلا بد أن يبتلى الداعية الموحد ويمحص ويؤذى في ماله وأهله وتشوه سمعته ويتبرأ منه قومه وقد حصل ذلك لسيد الدعاة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم بأبي وأمي أفديه ومن لم يتعرض لشيء من ذلك فدعوته في ريب وشك وأمارة على مداهنته للعامة.

خالد بن سعود البليهد
binbulihed@gmail.com
7/8/1433


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
خالد البليهد
  • النصيحة
  • فقه المنهج
  • شرح السنة
  • عمدة الأحكام
  • فقه العبادات
  • تزكية النفس
  • فقه الأسرة
  • كشف الشبهات
  • بوح الخاطر
  • شروح الكتب العلمية
  • الفتاوى
  • كتب
  • الصفحة الرئيسية