خاطرة: (الدماء المعصومة)

خالد بن سعود البليهد
@binbulaihed

لم يرد في الشرع تشديد بعد الشرك كالتشديد في حرمة الدماء قال عبدالله بن عمرو رضي الله عنه: (لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم). والمؤمن حقا من كف يده عن انتهاك حرمة الدماء المعصومة ولم ينساق وراء الفتن. ومن خاض في الدماء بلا حق وأصاب دما حراما ضاق أمره وفسدت حياته وعرض نفسه للهلاك كما ورد في الصحيح مرفوعا: (لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما). ومن تورط في القتل لم يستطع الخروج منها فإن سلم من القصاص في الدنيا لم يسلم منه في الآخرة لعظم الذنب قال ابن عمر رضي الله عنه: (إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله). ومن العظائم التي تدخل النار التعرض لأهل الذمة والمستأمنين بالقتل كما صح فيه الخبر: (من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة). وأكثر القتال في هذا الزمان قتال فتنة لا يتحقق فيه الوصف الشرعي وينهى عنه الراسخون من أهل العلم ويفضي إلى مفاسد عظيمة من استباحة الدماء بغير حق وإتلاف الأموال وذهاب الأمن وظهور النعرات وتشرذم الأمة وتسلط الأعداء والناظر في أحوال الأمة يدرك هذه الحقيقة. ومن يحرض على القتال ويتساهل في هذا الأمر العظيم ويحث الأتباع على المشاركة في الثورات فهذا لم يفقه حقيقة ما جاء به الشرع في تعظيم حرمة الدماء ولم يتبع سنة النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن الخوض في الفتن ولم يسلك مسلك أئمة السلف الصالح في هذا الباب الذين كانوا يعظمون الدماء ويعتزلون الفتن ويلزمون بيوتهم قال بشير بن عقبة: قلت ليزيد بن عبد الله بن الشخير:(ما كان مطرف يصنع إذا هاج في الناس هيج قال: يلزم قعر بيته ولا يقرب لهم جمعة ولا جماعة حتى تنجلي لهم عما انجلت). وينبغي على المؤمن إذا اشتبهت عليه الأمور في القتال ولم يدر أين الحق أن يعتزل القتال ويحتاط لدينه والسلامة في الترك خير من المخاطرة بلا بصيرة قال مطرف بن الشخير: (لأن آخذ بالثقة في القعود أحب إلي من أن ألتمس فضل الجهاد بالتغرير).