اطبع هذه الصفحة


خاطرة: (السلامة من الخلق)

خالد بن سعود البليهد
@binbulaihed


ما أكثر الحسد بين الناس وما أعظم الحقد بين النفوس الضعيفة. وكثير من العلاقات في هذا الزمان لا تخلو من شائبة وكدرة تكدر صفوها. والناس لا يخلون غالبا من صديق حاسد وعدو شانئ ومشغب يتصيد الزلات يطرب بها لغرض يوافق هواه. وقد يبتلى المرء بمريض يتتبع عوراته ويطلع على أسراره. والسلامة من هذا البلاء والنجاة من هذه الشرور أن يعرض المرء عن الجاهلين ولا يشغل باله وفكره فيما يعترض طريقه من تصرفات السفهاء وإنما يتعامل مع الله فيما يصل ويقطع ويعطي ويمنع ويجعل نصب عينيه دائما رضا المولى ودار الكرامة ويصبر ويتجمل فيما يلحقه من مكروه وأذى. ومن امتلأ قلبه بالثقة بالله والاستعاذة به استغنى به وكفاه شر من به شر وهان عليه الخلق. ومن أعظم ما يدفع عن المرء الشرور الصفح والتجاوز وترك الانتقام فإن ذلك يريح النفس ويشرح الصدر ويغلق كثيرا من أبواب البلاء والفتن. ولا تدفع الإساءة بأحسن من الصبر والإحسان. ومن استعمل الإحسان والبر مع من أساء إليه بالهدية والصلة أظهره الله عليه وكفاه شره وانقلبت عداوته مودة ورحمة كما أخبر الله في كتابه: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ). ومن اعتدى عليه ظالم وأفسد عليه دنياه ولم يستطع دفع أذاه رماه بسهام الليل حتى يكبت شره وينقطع دابره وسهام الليل لا تخطئ وعادتها مشهورة وفي الخبر: (اتق دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب). ومن نظر إلى كيد الناس وتشاغل بشرورهم وأشغل باله بخصومتهم والمكر بهم اشتعل قلبه هما وصارت حياته عذابا وفقد الأنس وراحة البال وازداد أعداؤه وتجرأ على ركوب المحارم. ومن اشتغل بمراقبة الناس وصرف وقته ونظره في أحوالهم وأموالهم زاد هما وغما وابتلي بالعيوب والنقائص واشتعل الحسد في قلبه وضعف يقينه وصار قلبه خاويا من حب الآخرة. ومن أعظم ما يدفع الشرور ويكون سببا في السلامة اجتناب مجالس أهل الحسد والبغي لأن معاشرتهم تجر للبلاء. ومن سلم الناس من لسانه ويده سلم من ألسنتهم وأيديهم عدا السفهاء فلا يكاد يسلم عاقل منهم ولا يضره ذلك. ومن خاض في أعراض الناس وافترا عليهم خاضوا في عرضه. ومن أعطى ولم يأخذ وأدى الحق لغيره ولم يطلب عوضا وأحسن ولم يسيء وصبر على الإساءة بلغ الغاية في السلامة وعاش بلا كدر. ومن طلب رضا الله واقتلع رضا الناس من قلبه واستغنى بعطاء الله عن عطاء الخلق كف وجهه عن الذل وسخر الله له الناس لطلب رضاه وإكرامه ومن أهان نفسه أهانه الناس. ورأيت الناس متناقضين حالهم في أمر الدنيا على المشاحة إن أخطئوا عليك طلبوا منك المسامحة وإن أخطأت عليهم طلبوا منك القصاص. والعقل والستر والسلامة من الأدناس في الغفلة عن عيوب الناس. والإساءة من بعض الأقارب والأصهار أمر متوقع وكثير الوقوع في هذا الزمان خاصة بين النساء لقلة الوازع الديني والتنافس على الدنيا والحسد. ومهما فعل المرء من الإحسان إلى الخلق فلا يكاد يسلم من أذاهم ولكنه يخفف كثيرا من شرورهم سأل الإمام أحمد بن حنبل حاتم الأصم وكان من الحكماء: (كيف السبيل إلى السلامة من الناس ؟ فأجابه حاتم: تعطيهم من مالك ولا تأخذ من مالهم يؤذونك ولا تؤذيهم وتقضي مصالحهم ولا تكلفهم بقضاء مصالحك. قال أحمد: إنها صعبة يا حاتم. قال: وليتك تسلم منهم). وينبغي للمؤمن أن يوطن نفسه على سماع الأذى من الناس فليشتغل بما ينفعه ويتوكل على ربه ويستمسك بشرعه وليرم كلامهم وراء ظهره وليوقن أن إرضاء جميع الناس عسير قال الإمام الشافعي: (ليس إلى السلامة من الناس سبيل فانظر الذي فيه صلاحك فالزمه).

 

خالد البليهد
  • النصيحة
  • فقه المنهج
  • شرح السنة
  • عمدة الأحكام
  • فقه العبادات
  • تزكية النفس
  • فقه الأسرة
  • كشف الشبهات
  • بوح الخاطر
  • شروح الكتب العلمية
  • الفتاوى
  • كتب
  • الصفحة الرئيسية