اطبع هذه الصفحة


خُلُقُ الوَرَع

خالد بن سعود البليهد

 
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

من الأخلاق الفاضلة التي تحفظ المؤمن في دينه عن الخوض في الفتن والشبهات وينال به الدرجات العلى في الإيمان خلق الورع قال تعالى:
(يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ). وقال تعالى: (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ). قال ابن القيم: (قال قتادة ومجاهد: نفسك فطهر من الذنب. فكنى عن النفس بالثوب. وهذا قول إبراهيم النخعي والضحاك والشعبي والزهري والمحققين من أهل التفسير قال ابن عباس: لا تلبسها على معصية ولا غدر). وقال مطرف بن عبد الله بن الشخير: (فضل العلم خير من فضل العمل وخير دينكم الورع). وقال عمر بن عبد العزيز: (أرى أفضل العبادة اجتناب المحارم وأداء الفرائض). وقال الحسن البصري: (ما عبد العابدون بشيء أفضل من ترك ما نهاهم الله عنه). وقال الحسن البصري: (أفضل العبادة التفكر والورع). وقال سعيد بن المسيب: (العبادة الورع عما حرم الله والتفكر في أمر الله).

والورع حقيقته أن يترك المؤمن ما حرمه الله ويترك أيضا الأمر خشية الوقوع في الحرام ويفعل الواجب ويفعل ما كان وسيلة إليه فيترك كل ما يضره في الآخرة من المحرم والوسيلة إليه فكل ما يشك المؤمن فيه يتركه وينتقل إلى مالا يشك فيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(دع ما يَريبكَ إلى ما لا يَريبُكَ، فإنَّ الصِّدقَ طُمأنينةٌ وإنَّ الكذبَ رِيبةٌ). رواه الترمذي. قال الخطابي: (كل ما شككت فيه فالورع اجتنابه). وقال إبراهيم بن الأشعث: (سألت الفضيل عن الورع فقال: اجتناب المحارم). وقال أبو إسماعيل الهروي: (الورع توقٍّ مستقصًى على حذر وتحرج على تعظيم). وبين ابن تيمية معنى الورع بقوله: (وأما الورع فإنه الإمساك عما قد يضر فتدخل فيه المحرمات والشبهات لأنها قد تضر‏ فإنه من اتقى الشبهات استبرأ لعرضه ودينه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي حول الحمى يوشك أن يواقعه‏.‏ وأما الورع عما لا مضرة فيه أو فيه مضرة مرجوحة لما تقترن به من جلب منفعة راجحة أو دفع مضرة أخرى راجحة فجهل وظلم‏ وذلك يتضمن‏ ثلاثة أقسام لا يتورع عنها المنافع المكافئة والراجحة والخالصة كالمباح المحض أو المستحب أو الواجب فإن الورع عنها ضلالة‏(. وقال ابن القيم: (وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم الورع كله في كلمة واحدة فقال: (مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ). فهذا يعم الترك لما لا يعني: من الكلام والنظر والاستماع والبطش والمشي والفكر وسائر الحركات الظاهرة والباطنة فهذه كلمة شافية في الورع). فالورع عام في كل قول وفعل وعلم وعمل وعبادة ومعاملة وعادة وعلاقة وليس خاصا في باب أو مسألة.

والورع عمل قلبي يفتقر إلى الإخلاص ولا يصح بلا إخلاص
ومن ترك شيئا تحرزا منه لمخالفته لطبعه أو لعادة قومه ولم يحتسب الثواب من الله فلا يصح ورعه ولا يكون متورعا قال ابن تيمية: (واعلم أن الورع لا ينفع صاحبه ويكون له ثواب إلا بفعل المأمور به من الإخلاص).

والورع قسمان:


ورع واجب:
وهو ترك المحرمات وفعل الواجبات.

ورع مستحب:
وهو ترك ما يشتبه في تحريمه وفعل ما يشتبه في وجوبه.

قال ابن تيمية:
(فأما الورع المشروع المستحب الذي بعث الله به محمدا صلى الله عليه وسلم فهو اتقاء ما يخاف أن يكون سببا للذم والعذاب عند عدم المعارض الراجح ويدخل في ذلك أداء الواجبات والمشتبهات التي تشبه الواجب وترك المحرمات والمشتبهات التي تشبه الحرام وإن أدخلت فيه المكروهات قلت: نخاف أن تكون سببا للنقص والعذاب. وأما الورع الواجب: فهو اتقاء ما يكون سببا للذم والعذاب وهو فعل الواجب وترك المحرم والفرق بينهما فيما اشتبه أمن الواجب هو أم ليس منه؟ وما اشتبه تحريمه أمن المحرم أم ليس منه؟ فأما ما لا ريب في حله فليس تركه من الورع وما لا ريب في سقوطه فليس فعله من الورع).

ومنشأ خلق الورع من الخوف والخشية من الله فهو ثمرته وفائدته وكل ما زاد الخوف في قلب المؤمن كلما زاد ورعه وتوقيه مما يضره في الآخرة وكلما نقص الخوف في قلب المؤمن نقص ورعه وخاض في المحرمات وتساهل في أسبابها
قال أبو عبد الله الأنطاكي: (من خاف صبر ومن صبر ورع ومن ورع أمسك عن الشبهات).

ولا يسلم المؤمن من الحرام حتى يعمل بالورع كما
قال ميمون بن مهران: (لا يسلم للرجل الحلال حتى يجعل بينه وبين الحرام حاجزا من الحلال). والورع سهل على أهل الديانة قال سفيان الثوري: (ما رأيت أسهل من الورع ما حاك في نفسك فاتركه).

ويدخل في معنى الورع ترك الشيهات في أمور الدنيا التي يختلط فيها الحلال والحرام ولا يمكن تمييزها فيخشى متعاطيها من الوقوع في الحرام كما في حديث النعمان بن بشير قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
(إنَّ الحلالَ بيِّنٌ وإنَّ الحرامَ بيِّنٌ وبينهما أمورٌ مُشتبِهاتٌ لا يعلمهنَّ كثيرٌ من الناس فمنِ اتَّقى الشُّبُهاتِ استبرأ لدِينِه وعِرضِه ، ومن وقع في الشُّبهاتِ وقع في الحرامِ ، كالراعي يرعى حول الحِمى يوشكُ أن يرتعَ فيه ، ألا وإنَّ لكلِّ ملكٍ حمًى ، ألا وإنَّ حمى اللهِ محارمُه). متفق عليه. وقد نهى الله تعالى عن الاقتراب من المحرمات بقوله: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا). وقال إبراهيم بن أدهم: (الورع ترك كل شبهة وترك ما لا يعنيك هو ترك الفضلات). وقال ابن رجب: (فهذا الذي اشتبه عليه إن اتقى ما اشتبه عليه حله وحرمه واجتنبه فقد استبرأ لدينه وعرضه، بمعنى أنه طلب لهما البراءة مما يشينهما، وهذا معنى الحديث الآخر: (دع ما يَريبكَ إلى ما لا يَريبُكَ). وهذا هو الورع، وبه يحصل كمال التقوى). ويدخل في المتشابهات المال المختلط بالحرام من مسروق وربوي ومغشوش والعقار المشتبه فيه والطعام المشتبه في حرمته واللباس المشتبه في تحريمه والمعاملات المالية المشتبه فيها والنكاح المشتبه فيه وغير ذلك من أمور الدنيا التي يختلف الفقهاء في حرمتها وحلها والفاصل فيما اشتبه في الناس وكثر فيه الاختلاف من غير مرجح شرعي قلبُ المؤمن الصادق مع ربه المتبصر في دينه فما اطمأن في حله فعله وما ارتاب في حرمته تركه لله ولم يلتفت لآراء الناس المجيزين له عن وابصة بن معبد رضي الله عنه قال: (أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: "جِئْتَ تَسأَلُ عَنِ الْبِرِّ؟، قُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ: اسْتَفْتِ قَلْبَكَ، الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّتْ إلَيْهِ النَّفْسُ وَاطْمَأَنَّ إلَيْهِ الْقَلْب، وَالإِثْمُ مَا حاكَ في النَّفْسِ وَتَردَّدَ في الصَّدْرِ، وَإنْ أَفْتَاكَ النّاسُ وَأَفْتَوْكَ(. رواه أحمد.

وعلامة الورع المتين ترك الشبهات والبعد عن مواطن الفتن وعلامة التجاسر وقلة الورع استباحة الشبهات والخوض في الفتن بلا خوف من الله
قال سفيان بن عيينة: (لا يصيب عبد حقيقة الإيمان حتى يجعل بينه وبين الحرام حاجزا من الحلال وحتى يدع الإثم وما تشابه منه). ومن ابتعد عن الشبهات واتقاها حفظ دينه من النقص بتعاطي الحرام وحفظ عرضه من الذم والسمعة السيئة أما من خاض في الشبهات وتجرأ عليها فقد عرض نفسه للخطر وتسبب لنفسه الوقوع في الحرام والاستخفاف في الشبهات يوقع في الكبائر.

وأما استباحة العظائم والتحرز من الصغائر والتشديد في إتيانها فهذا ورع بارد سامج مخالف للشرع
سأل رجل من أهل العراق ابن عمر رضي الله عنهما عن دم البعوض أنجسٌ هو؟ فقال: (سبحان الله تقتلون ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسين بن علي وتسألون عن دم البعوض؟). فلا يسأل عن الصغائر إلا من تحرز من العظائم أما من رق دينه واستهان بالكبائر فليس من أهل الورع ولا ينبغي له سلوك طريقهم والتحلي بزيهم قال ابن رجب: (وهاهنا أمر ينبغي التفطن له وهو أن التدقيق في التوقف عن الشبهات إنما يصلح لمن استقامت أحواله كلها وتشابهت أعماله في التقوى والورع فأما من يقع في انتهاك المحرمات الظاهرة ثم يريد أن يتورع عن شيء من دقائق الشبه فإنه لا يحتمل له ذلك بل ينكر عليه وهذا حال بعض المتكلفين المرائين يسلك هذا المسلك).

ومن الانحراف في باب الورع الاعتقاد أن الورع خاص بتوقي الحرام ولا يدخل في فعل الواجب
قال ابن تيمية في بيان الغلط في الورع: (أحدها اعتقاد كثير من الناس أنه من باب الترك فلا يرون الورع إلا في ترك الحرام لا في أداء الواجب وهذا يبتلى به كثير من المتدينين المتورعة ترى أحدهم يتورع عن الكلمة الكاذبة وعن الدرهم فيه شبهة لكونه من مال ظالم أو معاملة فاسدة ويتورع عن الركون إلى الظلمة من أجل البدع في الدين وذوي الفجور في الدنيا ومع هذا يترك أمورا واجبة عليه إما عينا وإما كفاية وقد تعينت عليه من صلة رحم وحق جار ومسكين وصاحب ويتيم وابن سبيل وحق مسلم وذي سلطان وذي علم وعن أمر بمعروف ونهي عن منكر وعن الجهاد في سبيل الله إلى غير ذلك مما فيه نفع للخلق في دينهم ودنياهم مما وجب عليه أو يفعل ذلك لا على وجه العبادة لله تعالى بل من جهة التكليف ونحو ذلك).

ومن الورع المظلم أن يتحرز المؤمن من أشياء تساهل فيها العرف ولم يشدد فيها الناس في العادة
قال الأنماطي: (كنت عند أحمد بن حنبل وبين يديه محبرة فذكر أبو عبد الله حديثا فاستأذنته بأن أكتبه من محبرته فقال لي: اكتب يا هذا فهذا ورع مظلم). فمن استعمل الورع في غير محله فورعه مظلم من نور الشرع.

والناس في باب الورع على أقسام:

الأول:
من كان تاركا للورع في الجملة جريئا على انتهاك الحرمات مجاهرا بالفواحش كحال الفجار المفسدين في الأرض قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ).

الثاني:
من كان عاملا بالورع في الجملة حريصا عليه لكنه تاركا للورع في خصلة واحدة فتراه ملازما للشرع غالبا لكنه يتساهل في باب الأموال أو باب النساء أو الخوض في الفتنة أو يتورع في الكبائر ولا يتورع عن الصغائر فهذا يرجى له خير لكنه لم يحقق الورع ويجب عليه أن يتنبه لخطر تساهله في بعض الأمور ويسارع في التوبة ويلزم الشرع ويدرك أنه على خطر قال عبد الله بن المبارك: (لو أن رجلا اتقى مائة شيء ولم يتورع عن شيء واحد لم يكن ورعا).

الثالث:
من كان ملازما للورع في سائر أحواله مواظبا على اتباع الشرع متورعا في الكبائر والصغائر فارا بدينه عن الفتن متبعا للسنة تاركا للشبهات فهذا كحال الأولياء الصادقين.

ومن المواطن العظيمة التي يجب فيها الورع الخوص في دماء المسلمين والمعاهدين ممن حرم الله دمائهم وأعراضهم وأموالهم قال تعالى:
(وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا). وفي صحيح البخاري قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لَنْ يَزَالَ المُؤْمِنُ في فُسْحَةٍ مِن دِينِهِ، ما لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا). وقال ابن عمر رضي الله عنه: (إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله). وقد كان السلف الصالح يتورعون عن الخوض في الدماء المعصومة ويتجنبون القتال في الفتن قال بشير بن عقبة: قلت ليزيد بن عبد الله بن الشخير:(ما كان مطرف يصنع إذا هاج في الناس هيج قال: يلزم قعر بيته ولا يقرب لهم جمعة ولا جماعة حتى تنجلي لهم عما انجلت). والمؤمن حقا من كف يده عن انتهاك حرمة الدماء المعصومة ولم ينساق وراء الفتنن. والتساهل في دماء المسلمين والخوض في الفتن مسلك الخوارج المخالفين للسنة الذين ذمهم النبي صلى الله عليه وسلم وأنكر أئمة السنة مذهبهم لأنهم يغلون في العبادات ويكفرون من خالفهم ويستبيحون دماء المسلمين وأموالهم ويخرجون عن السلطان ويفرقون جماعة المسلمين قال النبي صلى الله عليه وسلم فيهم: (يَخْرُجُ فِيكُمْ قَوْمٌ تَحْقِرُونَ صَلاتَكُمْ مع صَلاتِهِمْ، وصِيامَكُمْ مع صِيامِهِمْ، وعَمَلَكُمْ مع عَمَلِهِمْ، ويَقْرَؤُونَ القُرْآنَ لا يُجاوِزُ حَناجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كما يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ). رواه البخاري. فعندهم خلل عظيم في مفهوم الورع يتورعون في باب الفرائض ولا يتورعون في باب المحرمات ويتورعون عن نكاية الكفار ولا يتورعون عن حرب أهل الإسلام فشرهم وفتنتهم وبلاؤهم منصب على المسلمين كما ورد في الصحيحين قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنَّ مِن ضِئْضِئِ هذا قَوْمًا يَقْرَؤُونَ القُرْآنَ لا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَقْتُلُونَ، أَهْلَ الإسْلَامِ، وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأوْثَانِ، يَمْرُقُونَ مِنَ الإسْلَامِ كما يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ). ففهمهم للدين مقلوب ونظرهم للنصوص أعور وهم وإن كانوا يتظاهرون بالغيرة والديانة والورع إلا أنهم في الحقيقة فاقدون للورع مستخفون بشعائر الله منتهكون لحقوق الخلق قطع الله دابرهم وطهر بلاد المسلمين منهم.

ومن مواطن الورع الكف عن أعراض المسلمين وعدم الخوض في نقائصهم وعيوبهم الشخصية والتفكه بذلك في المجالس قال تعالى:
(مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ). وقال تعالى: (وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ). قال ابن عباس رضي الله عنه: (حرم الله على المؤمن أن يغتاب المؤمن بشيء كما حرم الميتة). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ(. رواه مسلم. وقد دلت السنة الصحيحة على أن الغيبة من كبائر الذنوب وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم الغيبة بقوله: (أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ. قِيلَ: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ: إنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ بَهَتَّهُ). رواه مسلم. وقال الفضيل بن عياض: (أشد الورع في اللسان). وقال يونس بن عبيد: (إنك لتعرف ورع الرجل في لسانه). والمؤمن يخاف أن يزل لسانه بكلمة خبيثة مسخطة للرب تهوي به في النار قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ، مَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا، يَزِلُّ بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ ما بَيْنَ المَشْرِقِ والمغرب(. متفق عليه.

ومن الأبواب العظيمة التي أعمل فيها السلف الصالح الورع باب الفتوى والقول على الله بلا علم فقد كان أئمة العلم يتورعون عن الفتوى بلا علم وتثبت ونظر في العواقب لا سيما في مسائل الدماء والفروج والفتن وكانوا كثيرا ما يستروحون بكلمة (لا أعلم)
قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: (والله إن الذي يفتي الناس في كل ما يسألونه لمجنون). وقال عبد الله بن عباس رضي الله عنه: (إذا أغفــل العالم لا أدري أصيبت مقاتله). وقال سحنون: (أجرأ الناس على الفتيا أقلهم علما). وقال سفيان الثوري: (أعلم الناس في الفتيا أسكتهم عنها وأجهلهم بها أنطقهم).

وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد أهل الورع كافا عن المحرمات التي حرمها ربنا مبالغا في ترك الشبهات فلا يدخل جوفه إلا حلالا ولا يطعم أهله إلا من الكسب الطيب شديد التورع عن كل ما يخشى منه كما ورد في الصحيحين:
(أَخَذَ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ رَضيَ اللهُ عنهمَا تَمْرَةً مِن تَمْرِ الصَّدَقَةِ، فَجَعَلَهَا في فِيهِ، فَقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: كِخْ كِخْ. لِيَطْرَحَهَا، ثُمَّ قالَ: أَمَا شَعَرْتَ أنَّا لا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ). وكان صلى الله عليه وسلم عفيفا متورعا في الدماء معظما لحرمات المعصومين في دمائهم وكان صلى الله عليه وسلم عف اللسان متورعا عن الخوض في أعراض الناس لا يتكلم إلا بكلام طيب ولفظ حسن.

والورع الصحيح يفتقر إلى العلم الشرعي والتبصر في الدين
لأن الجاهل قد يبني ورعه على العاطفة والفهم الخاطئ للدين فيترك الواجب ظنا منه أنه يضر دينه وتخفى عليه المسائل في الأمور المشكلة ويشدد على نفسه وعلى غيره في مسائل رخص فيها الشرع سئل ابن عيينة عن الورع فقال: (الورع طلب العلم الذي يعرف به الورع وهو عند قوم طول الصمت وقلة الكلام وما هو كذلك إن المتكلم العالم أفضل عندي من الجاهل الصامت). وقال سهل التستري: (إذا عمل بالعلم دله على الورع فإذا تورع صار القلب مع الله). وقال ابن تيمية: (تمام الورع أن يعلم الإنسان خير الخيرين وشر الشرين ويعلم أن الشريعة مبناها على تحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها وإلا فمن لم يوازن مافي الفعل والترك من المصلحة الشرعية والمفسدة الشرعية فقد يدع واجبات ويفعل محرمات ويرى ذلك من الورع كمن يدع الجهاد مع الأمراء الظلمة ويرى ذلك ورعا).

ويجب أن يكون الورع موافقا للسنة على هدي النبي صلى الله عليه وسلم ومنهج أصحابه رضي الله عنهم أما الورع المخالف للسنة فمحدث غير مشروع وهو ورع أهل البدع كمن يكف عن المباحات ويشدد على نفسه ومن يمتنع عن صلاة الجمعة خلف المبتدع ممن بدعته ليست بمكفرة ومن يترك السمع والطاعة للولاة الظلمة ويخرج عليهم أو يحرض على الخروج عليهم ومن يهجر والديه لاختلاط مالهما وكل ذلك ورع باطل لا يؤجر عليه
ومن خالف السنة فقد الورع المشروع الصحيح قال الأوزاعي: (ما ابتدع رجل بدعة إلا سلب الورع). وقال ابن تيمية: (فإن ورع الخوارج والروافض والمعتزلة ونحوهم من هذا الجنس تورعوا عن الظلم وعما اعتقدوه ظلما من مخالطة الظلمة في زعمهم حتى تركوا الواجبات الكبار من الجمعة والجماعة والحج والجهاد ونصيحة المسلمين والرحمة لهم). ومن قله فقه المبتدع وضعف بصيرته أن تجده ورعا في أمر الدنيا متنزِّها عن المكاسب المشتبهة لكنه منحرف في باب اتباع السنة لا يتوقى قبول البدع والخرافات عن الاصاغر ويبني مذهبه على الروايات الواهية والقصص المنكرة لا يتحرى لدينه كما يتحرى لدنياه.

ومن الورع الكاذب المخالف لمنهج السلف الصالح السكوت عن أهل البدع ومداهنتهم في الباطل وإكرامهم قيل
للإمام أحمد بن حنبل: الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحب إليك أو يتكلم في أهل البدع؟ قال: (إذا قام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين، هذا أفضل). وكانوا يعدون ذلك من الجهاد في سبيل الله قال يحي بن يحي: (الذب عن السنة أفضل من الجهاد في سبيل الله). وقد كان أئمة السنة مع صدقهم وزهدهم ومتانة دينهم لا يتورعون عن الطعن في رؤوس أهل البدع والتحذير من مذاهبهم صيانة للسنة ونصيحة لعموم المسلمين وكانوا يحتسبون الأجر في القيام بهذا الأمر. وقد دلت الأحاديث الصحيحة وآثار الصحابة وفتاوى الأئمة المعتبرين على أن الكلام في الأعيان وبيان حالهم لمصلحة راجحة لا يعد من الغيبة المنهي عنها شرعا بل هو من النصيحة الجائزة عند أهل العلم قال الإمام أحمد: (إذا كان الرجل معلنا بفسقه فليست له غيبة).

والورع يعصم المؤمن من الوقوع في الفتن الخاصة والعامة قالت عائشة رضي الله عنها في حديث الإفك:
(كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ عَنْ أَمْرِي، فَقَالَ: (يَا زَيْنَبُ، مَا عَلِمْتِ ؟ مَا رَأَيْتِ ؟)، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَحْمِي سَمْعِي وَبَصَرِي، وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَيْهَا إِلَّا خَيْرًا. قَالَتْ عائشة: وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَصَمَهَا اللَّهُ بِالوَرَعِ). متفق عليه. وترك الورع يغرق المؤمن في المعاصي قال سهل التستري: (أيما عبد لم يتورع ولم يستعمل الورع في عمله انتشرت جوارحه في المعاصي وصار قلبه بيد الشيطان وملكه). وعمل قليل مع الورع خير من عمل كثير بلا ورع قال يوسف بن أسباط: (يجزئ قليل الورع عن كثير من العمل). ومن فقه السلف أن الورع عن الشبهات خير من كثرة النوافل مع التخليط قال الحسن البصري: (مثقال ذرة من الورع خير من ألف مثقال من الصوم و الصلاة). وقال النضر بن محمد: (نسك الرجل على قدر ورعه).

والورع مع القيام بالفرائض يدل على التدين الصحيح والعبودية لله وليس كما يظن الجهال أن العبودية الحقة تنال بكثرة النوافل
قال حبيب ابن أبي ثابت: (لا يعجبكم كثرة صلاة امرئ ولا صيامه، ولكن انظروا إلى ورعه، فإن كان ورعا مع ما رزقه الله من العبادة فهو عبد لله حقا). ولذلك كثير من الناس يقوى على الفضائل وقليل منهم من يقوى على الورع.

ومما يعين المرء على خلق الورع أن يستحضر خطر الوقوف بين يدي الله عز وجل ومسائلته يوم القيامة قال تعالى:
(وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ). وأن يستحضر شدة عذاب الله ومقته لمن اجترأ على المحرمات وخاض في مظالم الناس واستخف بحقوقهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يَخْلُصُ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ فَيُحْبَسُونَ عَلَى قَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَيُقَصُّ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ مَظَالِمُ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا، حَتَّى إِذَا هُذِّبُوا وَنُقُّوا أُذِنَ لَهُمْ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَأَحَدُهُمْ أَهْدَى بِمَنْزِلِهِ فِي الْجَنَّةِ مِنْهُ بِمَنْزِلِهِ كَانَ فِي الدُّنْيَا). رواه البخاري. ويتذكر أن النجاة يوم القيامة والتخفيف في الحساب مرتبط بورعه وكفه عن الشهوات والشبهات في الدنيا قال سفيان الثوري: (عليك بالورع يخفف الله حسابك ودع ما يريبك إلى ما لا يريبك وادفع الشك باليقين يسلم لك دينك).

والاشتغال بعيوب النفس عن عيوب الناس والتوبة من الذنب يثبِّت الورع في القلب
سئل إبراهيم بن أدهم: بم يتم الورع؟ قال: (باشتغالك عن عيوب الخلق بذنبك وعليك باللفظ الجميل من قلب ذليل لرب جليل فكر في ذنبك وتب إلى ربك يثبت الورع في قلبك). والتقليل من الفضول يزيد في الورع قال سهل التستري: (من اشتغل بالفضول حرم الورع). وكثرة الجدال يذهب الورع قال الأوزاعي: (ما خاصم ورع قط). وإذا سكن حب الدنيا في القلب رحل عنه الورع قال أبو جعفر المخولي: (حرام على قلب صحب الدنيا أن يسكنه الورع الخفي). والورع لا يساكن اليسار وكثرة المال إلا نادرا قال سفيان الثوري: (ما رأيت ورعا قط إلا محتاجا). فالمحتاج قانع والغني طامع نسأل الله غنى النفس والسلامة من الشح.

وقد كان السلف الصالح يعتنون بخلق الورع ويولونه اهتماما شديدا ويتعلمونه من مشائخهم ويطبقونه في حياتهم
قال الضحاك: (لقد رأيتنا وما يتعلم بعضنا من بعض إلا الورع). وكان عبد الرحمن بن القاسم إذا جاءه بعض الشبان يطلبون الحديث عليه قال لهم: (تعلموا الورع). وقال الحسن البصري: (طلب الحلال أشد من لقاء الزحف). وقال ابن المبارك: (لأن أرد درهما من شبهة أحب إلي من أن أتصدق بمائة ألف ومائة ألف حتى بلغ ستمائة ألف). وقال مسلم بن يسار: (إني لأكره أن أمس فرجي بيميني وأنا لأرجو أن أخذ بها كتابي). وقال يحيى بن أبي كثير: (يقول الناس فلان الناسك فلان الناسك إنما الناسك الورع). وقال هشام: (كنا قعودا ومعنا يونس بن عبيد وذكرنا شيئا فتذاكروا أشد الأعمال فاتفقوا على الورع فجاء حسان بن أبي سنان فقالوا: قد جاء أبو عبد الله فجلس فأخبروه بذلك, فقال حسان: إن للصلاة لمؤنة وإن للصيام لمؤنة وإن للصدقة لمؤنة وهل الورع الا إذا رابك شيء تركته).

ومن صور الورع فيمن قبلنا ما قصه علينا رسول الله ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه, قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:
(اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ عَقَارًا لَهُ، فَوَجَدَ الرَّجُلُ الَّذِي اشْتَرَى العَقَارَ فِي عَقَارِهِ جَرَّةً فِيهَا ذَهَبٌ، فَقَالَ لَهُ الَّذِي اشْتَرَى العَقَارَ: خُذْ ذَهَبَكَ مِنِّي، إِنَّمَا اشْتَرَيْتُ مِنْكَ الأَرْضَ، وَلَمْ أَبْتَعْ مِنْكَ الذَّهَبَ، وَقَالَ الَّذِي لَهُ الأَرْضُ: إِنَّمَا بِعْتُكَ الأَرْضَ وَمَا فِيهَا، فَتَحَاكَمَا إِلَى رَجُلٍ، فَقَالَ: الَّذِي تَحَاكَمَا إِلَيْهِ: أَلَكُمَا وَلَدٌ؟ قَالَ أَحَدُهُمَا: لِي غُلاَمٌ، وَقَالَ الآخَرُ: لِي جَارِيَةٌ، قَالَ: أَنْكِحُوا الغُلاَمَ الجَارِيَةَ وَأَنْفِقُوا عَلَى أَنْفُسِهِمَا مِنْهُ وَتَصَدَّقَا). فالمؤمن الورع لا يستحل مالا إلا من طريق حلال بيقين أما ما اشتبه فيه وتردد في حله فيمتنع عن حيازته ولو كان مالا عظيما وهو في غاية الحاجة إليه.

ومن صور الورع في حياة السلف الصالح
قالت عائشة رضي الله عنها: (كان لأبي بكر رضي الله عنه غلام يخرج له الخراج وكان أبو بكر يأكل من خراجه فجاء يوما بشيء فأكل منه أبو بكر فقال له الغلام: تدري ما هذا؟ فقال أبو بكر: وما هو؟ قال: كنت تكهنت لإنسان في الجاهلية وما أحسن الكهانة إلا أني خدعته فلقيني فأعطاني بذلك فهذا الذي أكلت منه فأدخل أبو بكر يده فقاء كل شيء في بطنه). رواه البخاري. وعن نافع: (أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان فرض للمهاجرين الأولين أربعة آلاف في أربعة وفرض لابن عمر ثلاثة آلاف وخمس مائة فقيل له: هو من المهاجرين فلم نقصته من أربعة آلاف؟ فقال: إنما هاجر به أبواه. يقول: ليس هو كمن هاجر بنفسه). رواه البخاري. وقال قزعة: (رأيت على ابن عمر ثيابا خشنة أو جشبة فقلت له: إني قد أتيتك بثوب لين مما يصنع بخراسان وتقر عيناي أن أراه عليك. قال: أرنيه. فلمسه وقال: أحرير هذا؟ قلت: لا إنه من قطن. قال: إني أخاف أن ألبسه أخاف أكون مختالا فخورا والله لا يحب كل مختال فخور). وقال هشام بن حسان: (أن ابن سيرين اشترى بيعا من منونيا فأشرف فيه على ربح ثمانين ألفا فعرض في قلبه شيء فتركه). قال هشام: ما هو والله بربا. وقال الحسن بن عرفة: (قال لي ابن المبارك: استعرت قلما بأرض الشام فذهبت على أن أرده فلما قدمت مرو نظرت فإذا هو معي فرجعت إلى الشام حتى رددته على صاحبه). ومن ورع سفيان الثوري أنه تورع عن أكل رطبة واحدة لما اشتغل بحراسة بستان قال ابن مهدي: (قدم سفيان البصرة والسلطان يطلبه فصار إلى بستان فأجر نفسه لحفظ الثمار صار ناقورا حارسا يحفظ الثمار فمر به بعض العشارين الذين يأخذون أجزاء الثمار للوالي فقال: من أنت يا شيخ؟ قال: من أهل الكوفة. فقال: أرطب البصرة أحلى من رطب الكوفة؟ قال: لم أذق رطب البصرة. قال: ما أكذبك! البر والفاجر والكلاب يأكلون الرطب الساعة). وقال وكيع: (خرجنا مع سفيان الثوري في يوم عيد فقال: إن أول ما نبدأ به في يومنا غض أبصارنا).

نسأل الله أن يتوب علينا ويصلح فساد قلوبنا ويرزقنا تمام الورع ويجنبنا سائر الفتن ويحفظنا من الزلل ويهدينا ولا يزغ قلوبنا.

الفقير إلى الله
خالد بن سعود البليهد
عفا الله عنه
8/3/1442

 

خالد البليهد
  • النصيحة
  • فقه المنهج
  • شرح السنة
  • عمدة الأحكام
  • فقه العبادات
  • تزكية النفس
  • فقه الأسرة
  • كشف الشبهات
  • بوح الخاطر
  • شروح الكتب العلمية
  • الفتاوى
  • كتب
  • الصفحة الرئيسية