اطبع هذه الصفحة


شرح حديث: (كل سلامى من الناس عليه صدقة)

خالد بن سعود البليهد



عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (كُلُّ سُلَامَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ : تَعْدِلُ بَيْنَ اثْنَيْنِ صَدَقَةٌ ، وَتُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ ، فَتَحْمِلُهُ عَلَيْهَا ، أَوْ تَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ ، وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ ، وَبِكُلِّ خُطْوَةٍ تَمْشِيهَا إِلَى الصَّلَاةِ صَدَقَةٌ ، وَتُمِيطُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ). رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.


هذا الحديث في شكر المنعم على نعمة البدن.


وفيه مسائل:

الأولى:
بين النبي صلى الله عليه وسلم أن على كل سلامى وهبه الله للإنسان حق يؤديه لربه والسلامى هو المفصل وقد ورد في السنة أن للإنسان ثلاث مئة وستون مفصلا كما ورد في صحيح مسلم من حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّهُ خُلِقَ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْ بَنِي آدَمَ عَلَى سِتِّينَ وَثَلَاثِمِائَةِ مَفْصِلٍ، فَمَنْ كَبَّرَ اللهَ، وَحَمِدَ اللهَ، وَهَلَّلَ اللهَ، وَسَبَّحَ اللهَ، وَاسْتَغْفَرَ اللهَ، وَعَزَلَ حَجَرًا عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ، أَوْ شَوْكَةً أَوْ عَظْمًا عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ، وَأَمَرَ بِمَعْرُوفٍ أَوْ نَهَى عَنْ مُنْكَرٍ، عَدَدَ تِلْكَ السِّتِّينَ وَالثَّلَاثِمِائَةِ السُّلَامَى، فَإِنَّهُ يَمْشِي يَوْمَئِذٍ وَقَدْ زَحْزَحَ نَفْسَهُ عَنِ النَّارِ). فحق على المسلم أن يؤدي حق جميع هذه المفاصل التي ركبها الله في بدنه مختلفة الأنواع والوظائف والشكل متفاوتة في القوة والمرونة والحجم وضعت بطريقة متناسقة مع البدن وهذا يدل على كمال قدرة الله وحسن تصويره وإبداعه في خلقه كما قال تعالى: (الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاءَ رَكَّبَكَ). وقال تعالى: (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ).

الثانية:
حق على المسلم أن يشكر الله عز وجل على تمام خلقه وسلامة بدنه وقدرته على الوظائف والسعي في مصالح رزقه وتيسير أموره قال تعالى: (قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ). وقال تعالى: (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ). قال قتادة: (نعم الله متظاهرة يقررك بها كيما تشكر). وقرأ الفضل هذه الآية ليلة فبكى فسئل عن بكائه فقال: (هل بت ليلة شاكرا لله أن جعل لك عينين تبصر بهما هل بت ليلة شاكرا لله أن جعل لك لسانا تنطق به وجعل يعدد من هذا الضرب). فهذه النعمة من أجل النعم والشكر إنما شرع في مقابل حصول النعم قال تعالى: (وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ إِن كُنتُمُ إِيـَّاهُ تَعْبُدُونَ). وعن بريدة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فِي الإِنْسَانِ سِتُّونَ وَثَلاَثُمِائَةِ مَفْصِلٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَنْ كُلِّ مَفْصِلٍ مِنْهَا صَدَقَةً. قَالُوا فَمَنِ الَّذِى يُطِيقُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: النُّخَاعَةُ فِى الْمَسْجِدِ تَدْفِنُهَا أَوِ الشَّىْءُ تُنَحِّيهِ عَنِ الطَّرِيقِ فَإِنْ لَمْ تَقْدِرْ فَرَكْعَتَا الضُّحَى تُجْزِئُ عَنْكَ). رواه أحمد. ولذلك يشرع للعبد سجود الشكر إذا حصلت له نعمه أو تجددت كما ثبت في السنة الصحيحة. وإذا استشعر قلب المؤمن بتفرد الله بالنعم أيقن قلبه بحقيقة الشكر. والشكر سبب عظيم لثبوت النعم وزيادتها قال تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ). وقال عمر بن عبد العزيز: (قيدوا نعم الله بشكر الله). فكلما شكر العبد زاده الله في نعمته وأحدث له نعمة أخرى حسية أو معنوية أما إذا جحد العبد نعمة ربه وكفر بها بقلبه أو أنكرها بلسانه أو استعملها في معصية الله لم يكن شاكرا لله بل كان كافرا بنعمة الله قال تعالى: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ).

الثالثة:
شكر الله من أعظم العبادات وأجلها والشكر نوعان: واجب وهو فعل الواجبات وترك المحرمات ومسنون وهو فعل المستحبات وترك المكروهات. وحقيقة الشكر اعتراف العبد بمنحة وكرم المولى وغناه واعتراف العبد بعجزه وفقره إليه والشكر ثلاثة أركان:

الأول:
أن يشهد بقلبه بنسبة النعمة للمنعم الحق مع المحبة والخضوع له قال تعالى: (وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ).

الثاني:
أن يثني على الله بلسانه وينسب الفضل لله وحده ويتبرأ من حوله وقوته قال تعالى: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ).

الثالث:
أن يستعمل النعمة ويسخرها في طاعة الله ولا يستعملها في سخط الله قال تعالى: (اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ).  

الرابعة:
الصحة في البدن والنفس وتمام العافية من أعظم النعم التي غفل عن شكرها كثير من الناس كما روى ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نِعْمَتانِ مَغْبُونٌ فِيهِما كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ والفَراغُ). رواه البخاري. ومن ضعفت بصيرته وزادت غفلته وافتتن قلبه بزينة الدنيا والغفلة عن الآخرة لم يستشعر هذه النعمة حتى يفقدها ومن أراد أن يعرف قيمة هذه النعمة فليتأمل في أحوال المرضى والمبتلين ومن مظاهر جحود نعمة الصحة عدم شكرها واستعمال الصحة في الذنوب والشهوات وأعظم من ذلك أن يعرض المرء نفسه للهلاك والمغامرة في الهوايات الخطرة والتهور في القيادة والله سائله يوم القيامة عن هذه التهلكة قال بكر المزني: (يا ابن آدم إن أردت أن تعلم قدر ما أنعم الله عليك فغمض عينيك). ولو أن المؤمن أعمل عقله في التفكر في كل عضو من أعضائه لانقضى عمره وهو لم يؤد شكر هذه النعمة. وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: (الصحة غناء الجسد). فمن كان معافى في جسده فهو غني وإن كان فقير المال فليحمد الله وليوقن أن نعمة الصحة أعظم بركة ونفعا وسعادة من نعمة المال لأن المعافى يزداد في الخير ويستمتع بالقليل من الدنيا ولو كان غنيا مبتلى لفقد متعة الحياة وانحرم من فعل الخير وانصرف همه وشغله لمرضه وألمه وعن يونس بن عبيد أن رجلا شكا إليه ضيق حاله فقال له يونس: (أيسرك أن لك ببصرك هذا الذي تبصر به مائة ألف درهم قال الرجل لا قال فبيدك مائة ألف درهم قال لا قال فرجليك قال لا قال فذكره نعم الله عليه فقال يونس أرى عندك مئين ألوفا وأنت تشكو الحاجة). فاللهم لك تمام الحمد والرضى على ما أسديت علينا من الصحة والعافية.

الخامسة:
يتنوع الشكر لله بين عبادة القلب وعبادة اللسان وعبادة البدن ويتنوع أيضا بين العبادة اللازمة والعبادة المتعدية النفع وينبغي للمسلم أن يجمع بين هذه العبادات وينوع حتي يكثر ثوابه ويخشع قلبه ويسلو فؤادة ولا يسأم العبادة وكل يفعل ما هو أصلح وأقرب لقلبه. وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى عدد من الأعمال المتعدية النفع للمسلمين فمن ذلك العدل بين المتخاصمين وهو الإصلاح بين الناس وهذا العمل من أجل الأعمال التي تنشر المودة والألفة بين المسلمين وتنفي عنهم العداوة والبغضاء قال تعالى: (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا). فبذل الوقت والجاه والمال لأجل الإصلاح بين الناس من أعظم القربات والحاجة إليه ماسة لقلة المصلحين وكثرة المفسدين وكلما عظمت الخصومة بين الناس وكثر عددهم كان الصلح أعظم أجرا ومن تحمل دينا لأجل إصلاح بين حيين أو قبيلتين قضي دينه من الزكاة ولو كان غنيا. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج إلى أصحابه يصلح بينهم كما ثبت في الصحيحين. وقال الأوزاعي: (ما خطوة أحب إلى الله عز وجل من خطوة في إصلاح ذات البين).

السادسة:
من الأعمال الجليلة التي يؤدى بها شكر الله إعانة المسلم في ركوبه دابته وحمل متاعه وهذا من الصدقة بالبدن عن طريق بذل الجهد في نفع المسلمين وقضاء حوائجهم ويدخل في هذه العبادة كل عمل بدني من دلالة الأعمى وصيانة البيت والنقل إلى الأماكن وإصلاح عطل السيارة ورعاية المزرعة وغير ذلك من الخدمة والمشاركة في مصالح المسلمين وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الأحاديث إلى بذل الصدقة بالمال فإن عجز عنها المؤمن تصدق ببدنه كما ورد في الصحيحين عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ. قالوا: فإنْ لَمْ يَجِدْ؟ قالَ: فَيَعْمَلُ بيَدَيْهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ ويَتَصَدَّقُ. قالوا: فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أوْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قالَ: فيُعِينُ ذا الحاجَةِ المَلْهُوفَ. قالوا: فإنْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قالَ: فَيَأْمُرُ بالخَيْرِ أوْ بالمَعروفِ قالَ: فإنْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قالَ: فيُمْسِكُ عَنِ الشَّرِّ؛ فإنَّه له صَدَقَةٌ). فالاشتغال والإعانة في قضاء حاجات ومصالح المسلمين من أعظم القربات لا سيما في هذا الزمان الذي طغت عليه المادية والأنانية الجشعة وقل المعين. ومن أشد الحاجات التي ترهق الناس الشفاعة الحسنة في المعاملات الحكومية المستجدة من تحصيل وظيفة وتأمين سكن وراتب ومستخلص ومنفعة والمعاونة فيها لها فضل عظيم يزهد فيه كثير من الناس فمن بذل رأيه وجاهه ومنصبه لرفع هم مسلم وتنفيس كربته في هذا الباب محتسبا الثواب من الله ولم يلتفت قلبه إلى المصالح فهو بطل من الأبطال ومن أهل المعروف والإحسان قال تعالى: (مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا). وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: (كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا جَاءَهُ السَّائِلُ أوْ طُلِبَتْ إلَيْهِ حَاجَةٌ قَالَ: اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا، وَيَقْضِي اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم مَا شَاءَ).

السابعة:
من خصال الخير التي يؤدي بها المؤمن شكر الله تعالى اشتغال لسانه بالكلام الطيب من الذكر والثناء وتلاوة القرآن والصلاة على النبي والسلام والنصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويدخل في ذلك التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير والحوقلة والاستغفار فكل كلام يعظم به الله عز وجل ويعظم فيه أمره وأمر نبيه      صلى الله عليه وسلم والهداية لدينه من كلام الآخرة داخل في الكلمة الطيبة. والشكر في اللسان من أيسر العبادات على من هداه الله وفي جامع الترمذي عن عبد الله بن بسر رضي الله عنه: (أَنَّ رَجُلاً، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ شَرَائِعَ الإِسْلاَمِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَىَّ فَأَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ أَتَشَبَّثُ بِهِ. ‏قَالَ: لاَ يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ). وقد كان السلف الصالح تلهج ألسنتهم بالكلمة الطيبة ليلا نهارا وبعض الناس لغفلته يلهج لسانه بترداد الأغاني طيلة اليوم والموفق من وفقه الله فاللهم اهدنا وذلل ألستنا لشكر المولى ورقق قلوبنا للاعتراف بتفرد الله بالنعم وسخر جوارحنا في عمل الخيرات.

الثامنة:
دل الحديث على أن كل خطوة يخطوها المسلم إلى الصلاة يكون فيها صدقة وهذا من كمال فضل الله وجوده بعباده أن جعل السعي إلى العبادة عبادة في الأجر وقد وردت أحاديث كثيرة تدل على فضل المشي إلى المساجد كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيحين: (ثُمَّ خَرَجَ إلى المَسْجِدِ، لا يُخْرِجُهُ إلَّا الصَّلَاةُ، لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً، إلَّا رُفِعَتْ له بهَا دَرَجَةٌ، وحُطَّ عنْه بهَا خَطِيئَةٌ). وقد ورد فضل خاص للمشي في الظلمات قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بَشِّرِ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ). رواه الترمذي. قال النخعي: (وكانوا يرون أن المشي في الليلة الظلماء إلى الصلاة موجبة. يعني توجب المغفرة). وقد كان الصحابة رضي الله عنهم حريصون جدا على المشي ابتغاء للأجر العظيم قال أبي بن كعب رضي الله عنه: (كَانَ رَجُلٌ لا أعْلَمُ رَجلًا أبْعَدَ مِنَ المَسْجِدِ مِنْهُ، وَكَانَ لاَ تُخْطِئُهُ صَلاةٌ، فَقيلَ لَهُ أَوْ فَقُلْتُ لَهُ: لَوِ اشْتَرَيْتَ حِمَارًا تَرْكَبُهُ في الظَلْمَاء وفي الرَّمْضَاء؟ فَقَالَ: مَا يَسُرُّنِي أنَّ مَنْزِلي إِلَى جَنْبِ المَسْجِدِ إنِّي أريدُ أَنْ يُكْتَبَ لِي مَمشَايَ إِلَى المَسْجِدِ وَرُجُوعِي إِذَا رَجَعْتُ إِلَى أهْلِي، فَقَالَ رَسُول الله  صلى الله عليه وسلم: قَدْ جَمَعَ اللهُ لَكَ ذلِكَ كُلَّهُ). رواه مسلم. فينبغي للمؤمن ألا يزهد في هذا الفضل العظيم وأن يحرص على المشي إلى المسجد فإن الصبر على مشقة ذلك من الجهاد ولا يستبدله بالركوب إلا لحاجة عارضة. وهذا الحديث من شواهد قاعدة الوسائل لها أحكام المقاصد فكل وسيلة مباحة تأخذ حكم ما تقصد إليه فإن كان المقصود طاعة كانت الوسيلة طاعة وإن كان المقصود معصية كانت الوسيلة معصية فهذا ميزان لجميع الوسائل فالسفر للحج والعمرة والجهاد وطلب العلم والدعوة وصلة الرحم طاعة وأجر وكذلك ما أنفق فيه من جهد ومال والسفر للمعصية وقتال الفتنة ونشر البدع والتعاون على الباطل معصية وإثم والأصل في ذلك قوله تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ).     

التاسعة:
دل الحديث على فضل إزالة الأذى عن طريق المسلمين وأنه عبادة يحصل بها الشكر لأنه داخل في الإحسان للخلق والله يحب الإحسان ويحب المحسنين ومن محاسن هذا الدين أن جعل كف الأذى عن الناس عبادة يتقرب بها المؤمن ويؤجر على فعلها قال تعالى: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوًّا مُبِينً). وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: (قَالُوا يَا رَسولَ اللَّهِ، أَيُّ الإسْلَامِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ، ويَدِهِ). متفق عليه. وإزالة الأذى عن طريق المسلمين سبب لغفران الذنوب وتكفير الخطايا لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ فَأَخَّرَهُ، فَشَكَرَ اللهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ). رواه البخاري. وكلما كان الأذى أعظم كان الثواب أعظم وإذا كان هذا الفضل ورد في إزالة الأذى عن الطريق فكيف بمن عبَّد طريقا للمسلمين ويسر لهم الانتقال بين القرى فلا شك أن ثوابه عظيم جدا. ومن العبادات العظيمة إزالة الأذى المعنوي عن دين المسلمين من نفي البدع والشركيات والزندقة التي تعوق المسلمين عن السير إلى الله وعبادته وتوحيده.

العاشرة:
في رواية أبي ذر للحديث عند مسلم قال النبي صلى الله عليه وسلم في آخره: (وَيَجْزِي مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعهُمَا مِنْ الضُّحَى). وفيه دليل على أن من صلى ركعتين ضحى فقد أدى شكر يومه على نعمة البدن وذلك لأن الصلاة تشتمل على جماع الشكر والحمد والتوحيد والتأله لله عز وجل فمن أداها محتسبا موافقا لهدي النبي صلى الله عليه وسلم كان شاكرا لربه ذلك اليوم فإن زاد عليها فعل النوافل التي أرشد إليها النبي صلى الله عليه وسلم فقد جمع خصال الخير. وقد دلت السنة على مشروعيتها واستحبابها قال أبوهريرة رضي الله عنه: (أَوْصَانِي خَلِيلِي بِثَلَاثٍ لا أَدَعُهُنَّ حَتَّى أَمُوتَ: صَوْمِ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَصَلاةِ الضُّحَى، وَنَوْمٍ عَلَى وِتْرٍ). متفق عليه. ووقت صلاة الضحى من ارتفاع الشمس قيد رمح إلى قبيل زوال الشمس وأفضل وقت لها ضحى حين اشتداد الحر لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ حِينَ تَرْمَضُ الْفِصَالُ). رواه مسلم. وصلاة الضحى أقلها ركعتان وأكثرها ثمان لما روى مسلم عن أم هانئ رضي الله عنها قالت: (قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى غُسْلِهِ، فَسَتَرَتْ عَلَيْهِ فَاطِمَةُ ثُمَّ أَخَذَ ثَوْبَهُ فَالْتَحَفَ بِهِ، ثُمَّ صَلَّى ثَمَانَ رَكَعَاتٍ سُبْحَةَ الضُّحَى). ويصليها كل ركعتين بتسلمية ولا يصل بينها وهي مشروعة للرجل والمرأة في كل مكان لا تختص بالمسجد ويقرأ فيها سرا ولا يشرع لها سورة معينة بل يقرأ بعد الفاتحة بما شاء من القرآن. وإنما استحبت هذه الصلاة في وقت يغفل عنها أكثر الخلق لاشتغالهم بمعاشهم فمن حافظ عليها كان قلبه متعلقا بالله ولم يكن من الغافلين.


الفقير إلى الله
خالد بن سعود البليهد
عفا الله عنه
1442
/12/11


 

خالد البليهد
  • النصيحة
  • فقه المنهج
  • شرح السنة
  • عمدة الأحكام
  • فقه العبادات
  • تزكية النفس
  • فقه الأسرة
  • كشف الشبهات
  • بوح الخاطر
  • شروح الكتب العلمية
  • الفتاوى
  • كتب
  • الصفحة الرئيسية