اطبع هذه الصفحة


انتكاسة عالم

خالد بن سعود البليهد


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين وبعد:

فإذا أنعم الله على العبد نعمة العلم والإيمان فلم يرعها حق رعايتها ولم يشكر الله عليها وكفر بها سلبت منه وانتكس عن الحق قال تعالى: (وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ). وليس لأحد عصمة مهما بلغ علمه وعظمت رتبته إلا الأنبياء. والعالم إذا زاغ قلبه وخالف الشرع وخالط أهل البدع زاغ عن الحق. وقد ضرب الله في كتابه مثلا لانتكاسة عالم من بني إسرائيل ما قصه علينا في أمر بلعام قد آتاه الله العلم بآياته وكان مجاب الدعوة فاتبع هواه وتسلط عليه الشيطان فانسلخ عن الدين قال تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ). وانتكاسة العالم على قسمين:

الأول: انتكاسة العالم في الشهوات كما وقع لسليمان الشاذكوني كان عالما حافظا صالحا من أهل الحديث ففتن بالشهوات ولم ينتفع بصحبة الأكابر فصار يشرب الخمر ويغشى الكبائر وفسد حديثه وتركه أهل الحديث لكنه بقي على الإسلام ولم يبدل دينه قال ابن المديني: (كنا عند عبد الرحمن فجاءوا بالشاذكوني سكران). وقال عباس العنبري: (انسلخ من العلم انسلاخ الحية من قشرها). وهذا حصل لمرض الشهوة في قلبه من حب المعصية لأنه اعتنى بالظاهر وأهمل الباطن كما قال تعالى: (فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ).

الثاني: انتكاسة العالم في الشبهات كما حصل لعبد الله القصيمي نبغ في العلم وكتب كتبا في الرد على المخالفين للدعوة النجدية فبالغ بعض أهل السنة في الثناء عليه ومدحه وكان متكبرا متعاليا على أهل العلم فاغتر بنفسه واتكل على حوله وقوته فخذله الله وهلك وارتد عن دين الله وصار حربا على الإسلام وأهله وشمت أهل الشرك والبدعة في أهل التوحيد والسنة والعياذ بالله. وهذا حصل لمرض الشبهة في قلبه من الكبر والشك واتباع المتشابه والتنقير في الشبهات كما قال تعالى: (وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَىٰ رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ).  

والعالم إذا لم يصن علمه عن أسباب الفتن ويسأل الله الثبات على الدين بصدق ويتمسك بوسائل الثبات ويخاف على نفسه من سوء الخاتمة هلك ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يسأل ربه الثبات قالت أمنا أم سلمة رضي الله عنها: (كَانَ أَكثَرُ دُعَائِهِ: يَا مُقلِّبَ القُلُوبِ، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ). رواه الترمذي. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بكَ مِن عِلْمٍ لا يَنْفَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لا يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لا تَشْبَعُ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لا يُسْتَجابُ لَها). رواه مسلم.

 

خالد بن سعود البليهد

2/1/1446


 

 
  • النصيحة
  • فقه المنهج
  • شرح السنة
  • عمدة الأحكام
  • فقه العبادات
  • تزكية النفس
  • فقه الأسرة
  • كشف الشبهات
  • بوح الخاطر
  • شروح الكتب العلمية
  • الفتاوى
  • كتب
  • الصفحة الرئيسية