اطبع هذه الصفحة


الدفاع عن الهيئة من الجهاد وحبها من الإيمان

خالد بن سعود البليهد

 
الحمد لله والصلاة على رسول الله وبعد
فإن شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبة على كل مسلم كل بحسب استطاعته ونفوذه قال الله تعالى (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع بلسانه فإن لم يستطع بقلبه وذلك أضعف الإيمان) رواه مسلم.

ومن نعم الله الكبرى علينا في هذا البلد إقامة جهاز حكومي يعنى بأعمال الحسبة والأمر والنهي ، وهذا الجهاز من خصائص هذه الدولة المباركة أدامها الله على الشريعة وحفظها من كيد الأعداء ومكر السفهاء.

ولا شك أن لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دور عظيم في إصلاح المجتمع والحفاظ على أمنه واستقراره ، فرجال الحسبة يحمون أعراض المسلمين ويحافظون على عقائدهم ، ويكشفون فساد الوافدين ممن لا خلاق لهم ولا دين ، ويذكرون الناس بإقامة شعائر الله وغير ذلك من الأعمال الجليلة ، فكم من مروج للمخدرات قبضوا عليه وكم من وكر للدعارة كشفوه وكم من عصابة تروج للفساد بينوا أمرها وكم من دجال وساحر هتكوه وكم من فتاة مغرر بها ستروا عليها وحفظوا عرضها وكم من شاب ضال ردوه إلى الحق وكم من مصنع للخمور أغلقوه ، والحقائق والأرقام تشهد بهذا ، فلهم دور عظيم في انخفاض مستوى الجريمة الفكرية والأخلاقية واستقرار الأمن ، فإذا قويت الهيئة قلت الجريمة وشاعت الفضيلة وإذا ضعفت الهيئة كثرت الجريمة وشاعت الرذيلة كما هو شاهد للعيان، ولا ينكر هذا إلا جاهل أو مكابر.

قال اللواء ( جميل الميمان ) مبينا لهذه الحقيقة :
( بصفتي أحد رجال الأمن في المملكة العربية السعودية ، أسجل هنا بكل صراحة كلمة حق هي أنه لولا وجود هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وقيامها بواجبها ورسالتها السامية دون كلل أو ملل بتأييد من الحكومة ، لكانت المجتمعات السعودية في وضع مخل أخلاقيا ، ولما أمن المواطن على عرضه ، وهي بما تقوم به من أعمال جليلة هادفة إلى الخير والإصلاح ومحاربة الرذيلة بصورها المختلفة).

ورجال الحسبة يمتازون عن غيرهم بكثرة النشاط واحتساب الأجر ، فطبيعة القضايا التي تردهم تتطلب منهم بذل الجهد وكثرة الوقت والتابعة الدائمة والتعرض للخطر ولا ينتهي عملهم غالبا يانتهاء دوامهم ، فهم يبذلون ذلك مع قلة الحوافز وضعف الإمكانيات وقلة الكوادر في وقت تتسع البلاد وتكثر مناشطه ويقوى المؤثر الخارجي والإنفتاح العالمي.

والمؤمن الحق يفرح بجهود الهيئة ويبارك فيها ويدعمهم بالدعاء والمشورة النصيحة لما يرى من أثرهم الطيب على المجتمع وقيامهم بهذه الشعيرة العظيمة ورفع الحرج عن المؤمنين.

وجهاز الهيئة ليس معصوما بل يقع منه أخطاء من قبل بعض منسوبيه لكن يجب أن تراعى هذه الأمور عند الحديث عن أخطاء رجال الهيئة:
1- أن جهاز الهيئة في وقوع الأخطاء من قبل منسوبيه كسائر الأجهزة الحكومية الأخرى يقع من منسوبيها أخطاء ، بل ربما كانت أخطاء الهيئة أقل بكثير من الأجهزة الأخرى.
2- أن أخطاء الهيئة وعيوبها مغمورة في بحر حسناتها ومصالحها.
3- أن هذه الأخطاء لا تمثل نظام الهيئة وصلاحياته وإنما تمثل سلوكيات بعض المنسوبين لها من حصول تهور واستعجال وعدم حكمة والواجب استصلاح هؤلاء ولا يجوز تحميل الجهاز هذه الأخطاء.
4- أن طريقة إصلاح أخطاء الهيئة تكون بالمناصحة والمكاتبة لا بالتشهير بها في وسائل الإعلام والتهجم عليها أمام العامة فإن ذلك من سبل الإفساد.

وهناك قوم استزلهم الشيطان وصيرهم أعداء للهيئة وهم على أصناف:
الأول: صنف متغربون من دعاة اللبرالية لا يؤمنون بالأمر والنهي وينادون بالحرية المطلقة وإذا أنكر على أحدهم أو نوصح لم يقبل وقال هذا تدخل في الحرية الشخصية، فهؤلاء لا فائدة من الحديث معهم لاختلافنا معهم في الأصول.وترك الأمر والنهي من صفات المنافقين قال تعالى (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ) .
الثاني: صنف ممن لا فكر لهم من أهل الشهوات والمجاهرة بالمحرمات ، فهؤلاء يعادون الهيئة لأنها تقطع عليهم شهواتهم وتفسد برامجهم من السكر والعربدة والعبث ببنات المسلمين ، وهؤلاء يسعون لإفساد العباد والبلاد وقد قال الله فيهم (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا).
الثالث: صنف ممن وقع له قصة مع الهيئة أو موقف شخصي ويعتقد أنه على حق ورجل الهيئة أخطأ في حقه وبنى على هذا الموقف عداوة عامة لجهاز الهيئة وزين له الشيطان ذلك ، فهذا مخطئ في تصرفه وظالم في حكمه ومخالف للشرع وإنما يجوز له التظلم والمطالبة بحقه من الطرق المشروعة قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ).
الرابع: صنف من بعض جهلة العوام ممن لا حظ لهم في العلم وتعظيم الشريعة إلا اليسير وبنوا موقفهم تجاه الهيئة على قصص وأخبار دون تثبت وتفهم مع موافقة هوى في نفوسهم ، والواجب على المسلم عدم الإلتفات إلى الشائعات وإذا بلغه خبر تثبت منه وتحقق في أمره وسلك مسلك العدل والإنصاف مع جميع الأطراف قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ). وكثير مما يروى عن الهيئة كذب ملفق ليس له خطام ولا زمام وإذا توجهت إلى ناقله وراويه بالسؤال قال حدثني الثقة ثم يتبين لك أن القصة رواتها مجاهيل وما ثبت عن أخطائهم قليل لا يقابل محاسنهم.

ولا يجوز للمسلم أن يقلل من أهمية هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو يطعن في رجالها ويشكك في مقاصدهم أو يشوه سمعتهم ، ومن فعل ذلك فهو آثم وأعظم منه إثما من يتولى التشهير والطعن بالهيئة في وسائل الإعلام وكل ذلك من التعاون على الإثم والعدوان قال تعالى (وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ).
وأعظم منهم جرما من يعتدي على رجل الهيئة بالضرب والإيذاء والقتل وهم من عمل اليهود قال أبو عبيدة بن الجراح قلت يارسول الله أي الناس أشد عذابا يوم القيامة قال (رجل قتل نبيا أو رجلا أمر بمعروف ونهى عن المنكر) ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم (وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ ). ومن أعظم الإفساد في الأرض أن يسعى الإنسان في إغلاق الهيئة وإزالتها وتجفيف منبع الخير ، ومن فعل ذلك فقد صد عن سبيل الله وشارك أهل الفساد في الإثم وعطل شعيرة من شعائر الدين وقد قال الله تعالى (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ ) ،وتعطيل هذه الشعيرة سبب لنزول اللعنة وحلول العذاب كما قال الله تعالى عن بني إسرائيل ( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ)

والدفاع عن الهيئة من أجل الأعمال ومن جنس الجهاد المشروع الذي يحبه الله ورسوله ومن التعاون على البر والتقوى ، ومن ذب عن الهيئة ودافع عنها بأي وسيلة بالكلمة والقصيدة والموعظة والكتاب فهو قائم بأمر الله ومشارك لرجال الهيئة في الأجر ويرجى أن يكون آمنا من عذاب الله.
وقد كان العلماء في كل زمان يقفون بجانب أهل الحسبة ويذودون عنهم ويجاهدون كل من سولت نفسه له بالإساءة إليهم ويقيلون عثراتهم ويعتذرون عنها ويشفعون لهم امتثالا لأمر الله وصيانة للمجتمع وحفظا له من الفتن ، ولشيخنا ابن باز رحمه الله مواقف مشهودة وكلمات مأثورة في هذا الباب وقد اقتدى في هذا بشيخه الإمام البطل محمد بن ابراهيم آل الشيخ فقد كان له رحمه الله السبق ونصيب الأسد في قول الحق ومؤازرة أهل الحسبة والذب عنهم بكل ما يملك وكان مفزعهم بعد الله إذا اشتدت الخطوب وأغلقت الدروب.

ولا شك أن محبة عمل الهيئة من الإيمان لأنه وظيفة الرسل صلوات الله عليهم ومما أمر الله به وأثنى على أهله ورب في ثوابه ، والقائمون بالأمر والنهي من رجال الهيئة الذين عرفوا بالغيرة وبذل الأوقات وترك الملذات والإنقطاع لهذا الأمر والتضحية بالنفس والمال والإحتساب فيما يصيبهم من الأذى هم من أتباع الرسل وحماة الدين والوطن ولهم أجر عظيم وثواب جزيل لا يقدر قدره إلا الله عز وجل.

والواجب على ولاة الأمر وفقهم الله لما يحبه ويرضاه وبارك فيهم أن يحموا رجال الهيئة ويجعلوا لهم حصانة ويصدروا نظاما وعقوبة صارمة لكل من آذاهم وتعرض لهم أسوة بإخوانهم من رجال الأمن.
 

بقلم : خالد بن سعود البليهد
عضو الجمعية العلمية السعودية للسنة
binbulihed@gmail.com
 

خالد البليهد
  • النصيحة
  • فقه المنهج
  • شرح السنة
  • عمدة الأحكام
  • فقه العبادات
  • تزكية النفس
  • فقه الأسرة
  • كشف الشبهات
  • بوح الخاطر
  • شروح الكتب العلمية
  • الفتاوى
  • كتب
  • الصفحة الرئيسية