اطبع هذه الصفحة


كيف أعيش حالة الحب مع الله

خالد بن سعود البليهد

 
السؤال :

بسم الله الرحمن الرحيم
سلام عليكم فضيلة الشيخ
فضيلة الشيخ اشعر بالغربة الشديدة وأتمنى أن أعيش الحب الحقيقي لله فقط نقرأ كثير عن التابعين كيف عاشوا الحب لله كيف يصل الإنسان إلى درجه التي يشعر فيها الاطمئنان بأن الله راضي عنه أفيدونا أثابكم الله.

الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله. بداية تشكرين على حرصك على تحصيل محبة الله وتحقيق مرضاته في زمن قل من يعتني بهذا العمل الجليل. أما شعورك بالغربة فهو شعور طيب يحمد من المؤمن الذي يشعر بشدة الغربة كلما تأخر الزمن وبعد العهد بالنبوة. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ غريبا فطوبى للغرباء) رواه مسلم.

أما تحصيل محبة الله والحرص على أن تعيشي حالة الحب الحقيقي مع الله فمعناه أن تحققي كمال المحبة لله وتمامها بحيث تصبح كل حركة منك وسكنة تابعة لمحبة الله وأن تكون جوارحك تعمل وفق محبة الله فلا تتكلمي إلا بما يحبه الله ولا تسكتي إلا عن ما يكرهه الله ولا تعملي عملا إلا بما يحبه الله ولا تمتنعي عن عمل إلا فيما يكرهه الله وهكذا تكون محبة الله وموافقة مرضاته نصب عينيك في كل شؤونك. ولا شك أن كل مسلم مستقر في قلبه أصل محبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم لكن من الناس من غلب عليه حب الدنيا وإتباع الشيطان مما أضعف المحبة الشرعية في قلبه ومنهم من حقق كمال المحبة.
ولا شك أن محبة الله من أجل القربات وأشرف الأعمال قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ).

وإذا تمكنت المحبة من قلب المؤمن كانت محركا قويا له وداعيا للعمل الصالح واستكثاره من الخيرات وجعلته يشعر بالأنس بالله ولذة مناجاته والخلوة بذكره والرضا بقضائه وقدره والتحاكم لشرعه والصبر عن معاصيه حتى يصبح المؤمن يعيش حالة نفسية إيمانية تختلط فيها مشاعر الرضا واليقين والأنس والخشوع والإنابة والوجل والرغبة وغير ذلك. وقد تصفو هذه الحالة أحيانا وترتفع وتخبو وتتعثر أحيانا أخرى بحسب قوة الدواعي وصفاء المحل وكثرة الشواغل والعوائق. وأهل المحبة يتفاوتون في تحصيل هذه الحالة تفاوتا كبيرا فقد يفتح الله على بعض عباده ما لا يفتح على غيرهم. لكن يجب على الناسك أثناء شعوره بتلك المحبة الإيمانية التقيد بحدود الشرع وأحكامه فلا يحمله ذلك على التصديق بالخرافات والاستدلال بالمنامات والتقصير بالفرائض والطاعات والاحتجاج بالمقدورات وترك العمل بالأسباب النافعة. وإنما يجب أن تكون محبته موافقة للشرع فيعمل بالأمر ويترك النهي ويصبر على ما يكره من القدر ولا يتجاوز حدود الشرع في العمل والسلوك والمحبة.

وقد أثر عن السلف من التابعين وغيرهم آثار وقصص وأحوال عجيبة في باب محبة الله منها ما هو ممدوح موافق للشرع ومنها ما هو مذموم مخالف للشرع والحجة في كلام الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم ليس في كلام الناس وتصرفاتهم فلا يقتدى بقول أحد وفعله إلا بما يوافق الشرع. وقد وقع كثير من أهل السلوك والمحبة في محاذير ومخالفات في هذا الباب والتبس عليهم الحق بالباطل.

ولتحصيل كمال محبة الله وتحقيق مرضاته وسائل كثيرة عظيمة من أهمها الدعاء وإتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم والإقتداء بهديه. قال تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ). والتزام الفرائض والإكثار من النوافل والمحافظة على الأوراد والأذكار وأكل الحلال وترك المعاصي والتدبر في كلام الله والتفكر في آيات الله والزهد في الدنيا ومصاحبة المساكين أهل الآخرة وغير ذلك.
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

خالد بن سعود البليهد
binbulihed@gmail.com
الرياض: في 3/3/1429

 

خالد البليهد
  • النصيحة
  • فقه المنهج
  • شرح السنة
  • عمدة الأحكام
  • فقه العبادات
  • تزكية النفس
  • فقه الأسرة
  • كشف الشبهات
  • بوح الخاطر
  • شروح الكتب العلمية
  • الفتاوى
  • كتب
  • الصفحة الرئيسية