اطبع هذه الصفحة


هل بر الأم يكفر الكبائر

خالد بن سعود البليهد

 
السؤال :

الشيخ / خالد حفظك الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ارجوا إفادتي عن هل هناك حديث صحيح بخصوص الوالدة ( أن رضا الأم يكفر كبائر الذنوب).

الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله. لا شك أن بر الأم خصوصا من أجل الطاعات وأعظم القربات وقد ورد فيه فضل عظيم. قال الله تعالى موصيا ببر الوالدين مبينا شرفهما: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا). وفي الصحيحين أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله من أحق الناس مني بحسن الصحبة قال: (أمك. قال ثم من قال أمك. قال ثم من قال أمك. قال ثم من قال أبوك). فحض النبي صلى الله عليه وسلم على بر الأم ثلاث مرات وعلى بر الأب مرة واحدة. وإنما اهتم الشارع بالأم وقدم برها على الأب لعظم معاناتها وما قاسته من حمل وطلق وولادة ورضاعة وسهر بالليل وكثرة صبرها وشفقتها وغير ذلك من معاني التضحية والإيثار. وبر الأم يترتب عليه صلاح في الدنيا وسعة في الرزق وذكر حسن وعاقبة طيبة في الآخرة. ومن بر أمه لطف الله به ويسر أمره وجعل له مخرجا وسخر له عباده وكان له بالعون إذا ادلهمت عليه الأمور ونزلت به المصيبة لعظم بركة الأم ولزوم برها وهذا أمر مشاهد كثير الوقوع في الناس.

ومع كثرة ثواب بر الأم وعظم جزائه إلا أن هذا العمل الجليل لا يقوى على تكفير الكبائر لأنه لم يرد دليل صحيح صريح في الشرع يدل على أن بر الأم مكفر للكبائر وقد روي في ذلك أحاديث منكرة وواهية في أسانيدها مقال لا يثبت منها شيئ فيما أعلم. فقد أخرج الإمام أحمد والترمذي من حديث ابن عمر أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني أصبت ذنبا عظيما فهل لي من توبة قال: (فهل لك من أم قال لا قال فهل لك من خالة قال نعم قال فبرها) لكن هذا الحديث مرسل لا يصح كما أعله الأئمة بذلك . وقد وردت آثار عن بعض الصحابة والتابعين ظاهرها أن البر بالأم مكفر للكبائر كما روي عن عمر أن رجلا قال له قتلت نفسا قال أمك حية قال لا قال فأبوك قال نعم قال فبره وأحسن إليه ثم قال عمر لو كانت أمه حية فبرها وأحسن إليها رجوت أن لا تطعمه النار أبدا وروي عن ابن عباس وغيره نحو ذلك.

ولكن هذه الآثار لا يصح الاعتماد عليها لأنها من قبيل الرأي ولا يشهد لها كتاب أو سنة فيحتمل أنهم قالوا ذلك اجتهادا برأيهم ويحتمل أنهم أوصوا الرجل المذنب بالبر من باب تكثير الحسنات بالأعمال الصالحة كما أن السائل في هذه الآثار فيما يظهر جاء تائبا نادما من كبيرته وإنما يسأل عما يمحو أثر كبيرته وإذا كان كذلك لم يصح الاستدلال بها لأنه أتى بالتوبة ولم يقتصر على فعل العمل الصالح. مع ما في هذه الآثار من مخالفة لظاهر القرآن والسنة في أن شرط تكفير الكبائر اجتنابها والإقلاع عنها كما قال تعالى: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ). وفي الصحيحين قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنب الكبائر).

فالحاصل أن الكبائر لا يكفرها بر الأم وغيره من الأعمال الصالحة وإنما يكفرها التوبة الصادقة والإقلاع عنها والعزم على عدم العودة إليها كما قال ابن عمر لرجل : (أتخاف النار أن تدخلها وتحب الجنة أن تدخلها قال نعم قال بر أمك فوالله لئن ألنت لها الكلام وأطعمتها الطعام لتدخلن الجنة ما اجتنبت الكبائر). وحكى ابن عبد البر في التمهيد الإجماع عليه. وقال ابن رجب: (والصحيح قول الجمهور أن الكبائر لا تكفر بدون التوبة لأن التوبة فرض على العباد وقد قال عز وجل ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون). ويكفرها العقوبة في الدنيا أو الآخرة أو العفو من الله عز وجل كما دلت النصوص على ذلك. أما الصغائر فيكفرها سائر الأعمال الصالحة من البر والوضوء والصلاة والصوم والقيام والصدقة وغير ذلك مما ورد في الشرع.

ولا شك أن بر الأم من أعظم الأعمال التي تثقل ميزان العبد يوم القيامة وترجح حسناته على سيئاته مما قد يكون سببا في دخوله الجنة لكن لا ينبغي للمؤمن ولا يليق به أن يعتمد على أمر غير متيقن من وقوعه ويقبل على الله وهو مرتكب لجرائم وذنوب كبار توجب له الدخول في النار كمن يسرف على نفسه بالمعاصي ويعتمد على عفو الله ورحمته وإحسانه دون الأخذ بالأسباب الموجبة للرحمة والإحسان.
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

خالد بن سعود البليهد
binbulihed@gmail.com
الرياض: في 2/4/1429

 

خالد البليهد
  • النصيحة
  • فقه المنهج
  • شرح السنة
  • عمدة الأحكام
  • فقه العبادات
  • تزكية النفس
  • فقه الأسرة
  • كشف الشبهات
  • بوح الخاطر
  • شروح الكتب العلمية
  • الفتاوى
  • كتب
  • الصفحة الرئيسية