اطبع هذه الصفحة


حكم المبيت في منى ليالي التشريق

خالد بن سعود البليهد

 
السؤال :

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
هل المبيت في منى أيام التشريق واجب؟ وما ذا يلزم لمن لم يدخل منى في هذه الأيام؟


الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله. المبيت في منى من مناسك الحج وقد اتفق الفقهاء على استحباب المبيت فيها ولكن اختلفوا هل تجب أم لا فذهب الحنفية إلى أن المبيت فيها مستحب غير واجب لأن فعل النبي صلى الله عليه وسلم محمول على الندب لأجل أنه رخص للعباس فلو كان واجبا لما رخص له. وذهب جمهور الفقهاء إلى القول بالوجوب وهو الأظهر لأن النبي صلى الله عليه وسلم بات في منى هذه الليالي قالت عائشة رضي الله عنها: (أفاض رسول اللّه من آخر يومه حين صلى الظهر ثم رجع إلى منى فمكث بها ليالي أيام التشريق). رواه أبو داود. وفعله داخل في قوله: (خذوا عني مناسككم). رواه مسلم. فالأصل في مناسك وأعمال الحج الوجوب إلا إذا دل الشرع على الاستحباب. ولأنه رخص للرعاة والسقاة في ترك المبيت في منى لحديث ابن عباس: (استأذن العباس رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته فأذن له). متفق عليه. وعن عاصم بن عدي: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص للرعاء أن يتركوا المبيت بمنى). رواه أهل السنن. والرخصة تقتضي العزيمة في غيرهم وتدل على لزوم الفعل في الأصل كما هو مقرر في الأصول ولم يرد في الشرع استعمال الرخصة في أمر مسنون أو مباح. وإنما رخص لهم النبي صلى الله عليه وسلم لاشتغالهم بمصالح المسلمين ولم ينقل عنه أنه رخص لغيرهم حتى الضعفة من النساء والصبيان لم يرخص لهم فدل ذلك على أن المبيت في منى لازم غير مسنون. وقال ابن عمر: (لا يبيتن أحد من الحاج إلا بمنى وكان يبعث رجالا لا يدعون أحدا يبيت وراء العقبة).

والمقصود في المبيت المكث فيها ولا يشترط لذلك النوم. ويحصل المبيت بمكث أكثر الليل فإذا مكث نصف الليل وزاد قليلا حصل له المبيت سواء كان ذلك أول الليل أو آخره.
ويسقط المبيت عن عاجز عنه كمريض وكبير وتائه لم يتيسر لهم المبيت في منى ولا شيء عليهم لأنهم معذورون شرعا.
والصحيح أنه إذا لم يستطع المبيت في منى لشدة زحام وعدم توفر مكان صالح لمثله أو لأنه يشق عليه كلفة ومؤونة النزول لارتفاع الثمن ونحو ذلك من الأعذار فإنه يسقط عنه المبيت ولا شيء عليه ولا يشدد عليه في ذلك لأن الواجب يسقط شرعا بالعجز عنه أو المشقة الظاهرة في فعله. وإذا سقط المبيت عنه جازت الإقامة في أي موضع من مكة أو مزدلفة وغيرها ولا يشترط قصد المكان الملاصق لمنى واعتبار الأقرب فالأقرب لأن الأصل عدم وجوبه ولم يرد في الشرع ما يدل على اشتراطه عند سقوط المبيت ولا يصح قياسه على موالاة الصفوف في الصلاة لوجود الفارق المعتبر.
ومن ترك المبيت في منى بلا عذر وجب عليه دم يذبحه ويفرقه على فقراء الحرم جبرانا للواجب الذي تركه لما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (من ترك من نسكه شيئا أو نسيه فليهرق دما). رواه مالك في موطئه. والواجب الموجب تركه دما هو ترك المبيت جميع الليالي على الأظهر وهو قول الشافعي أما لو ترك المبيت ليلة واحدة لم يلزمه دم ويكفيه أن يتصدق بما يتيسر له من المال أو الطعام.
ومن نزل في غير منى ثم تيسر له المبيت ليلا في منى بلا منة وضرر عليه أو أذى يلحقه بالحجاج لزمه ذلك. أما إذا كان المبيت يحصل بنوع منة وسؤال أو مضايقة للحجاج أو يعرض نفسه للخطر فلا يلزمه ذلك ويسقط عنه لأنه معذور. وما يفعله بعض الحجاج من الذهاب ليلا بأسرهم إلى منى والمكث في الطرقات ومداخل المخيمات عمل غير مشروع وفيه تكلف وحرج لا تأتي الشريعة بمثله ويترتب عليه مفاسد وأضرار كثيرة خاصة في الحرائق والظروف الطارئة. وإنما المشروع لهم السعي في ذلك بالطرق المشروعة فإن تيسر لهم فالحمد لله وإن لم يتيسر لهم سقط عنهم ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
ويستحب للحاج المكث نهارا في منى وعدم الخروج منها إلا لحاجة كما ثبت في السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ملازما لمنى أيام التشريق يصلي فيها. وما روي عن ابن عباس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يزور البيت أيام منى). فشاذ والصحيح أنه مرسل لا حجة فيه. قال ابن القيم في الزاد: (وهو وهم فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرجع إلى مكة بعد أن طاف للإفاضة وبقي في منى إلى حين الوداع).
أما المبيت بمنى يوم الثامن ليلة عرفة فسنة بإتفاق الفقهاء فيستحب للحاج المبيت بها إن تيسر له ولا يجب عليه ذلك ولا يلزمه شيء بتركه.
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.


خالد بن سعود البليهد
عضو الجمعية العلمية السعودية للسنة
binbulihed@gmail.com
الرياض:2/12/1429

 

خالد البليهد
  • النصيحة
  • فقه المنهج
  • شرح السنة
  • عمدة الأحكام
  • فقه العبادات
  • تزكية النفس
  • فقه الأسرة
  • كشف الشبهات
  • بوح الخاطر
  • شروح الكتب العلمية
  • الفتاوى
  • كتب
  • الصفحة الرئيسية