اطبع هذه الصفحة


حكم تعليق الطلاق على شرط

خالد بن سعود البليهد

 
السؤال :

فضيلة الشيخ :خالد بن سعود البليهد
لدي سؤال
أفتوني مأجورين وبارك الله بكم
إن قال زوج لزوجته لو خرجتي من البيت تكوني طالق
فخرجت بسبب مشكلة كبيرة فهل يقع الطلاق
وهل ممكن أن يرجعها بدون علمها
بما أنها طرقت البيت ولا يوجد أي صلة بينه وبينها
أفدني جزاك الله خيرا.


الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله. هذه المسألة من المسائل المشكلة في باب الطلاق والخلاف فيها قوي جدا لقوة الشبهة فيه والاشتباه في دلالة النصوص والأصول وتعيين قصد المتكلم وأثره على صيغة العقد.
وتفصيل المسألة أن يقال أن تعليق الطلاق على شرط قسمان:
الأول: أن يكون تعليقه بشرط تعليقا محضا من باب الغاية الغرض منه تحديد وقت وقوع الطلاق وانتهاء النكاح كأن يقول الزوج إن دخل الليل أو انتهى الشهر أو قدم أخوك فأنت طالق ونحو ذلك من التعاليق التي يريد المتكلم ربط تحقق الطلاق وانتهائه بحصول الشرط ولا اختيار للمرأة ولا لفعلها دخل في هذا الشرط. فهذا القسم الطلاق فيه واقع ولا يحفظ فيه خلاف بين الفقهاء ولا إشكال فيه ألبتة.
الثاني: أن يعلقه بشرط لا يتمحض فيه تحديد وقت وقوع الطلاق وانتهاء النكاح كأن يعلق الطلاق بفعل المرأة من خروجها وسفرها وذهابها لأحد وأخذها لمال ونحوه. فهذا عند التأمل يظهر أنه نوعان باعتبار مقصد المتكلم:
1- أن يقصد بقوله إن خرجت فأنت طالق إيقاع الطلاق لا محالة ولكن أراد تعليقه بتحقق هذا الشرط فهذا يكون من باب القسم الأول ويقع الطلاق بقوله لأنه قصده وقد تحقق المشروط بتحقق شرطه وهو جار على الأصل ولم يختلف فيه أهل العلم.
2- أن يقصد بتعليقه الطلاق على شرط زجر المرأة ومنعها وإلزامها بترك شيء أو فعله فهذا مختلف فيه بين الفقهاء: ذهب الأكثر إلى وقوعه جريا على الأصل في تحقق المشروط عند حصول الشرط. وذهب الشيخ تقي الدين إلى عدم وقوعه وحكمه حكم اليمين عليه كفارة يمين تحلله. قال الشيخ في المجموع: (فالأصل في هذا : أن ينظر إلى مراد المتكلم ومقصوده فإن كان غرضه أن تقع هذه الأمور وقعت منجزة أو معلقة إذا قصد وقوعها عند وقوع الشرط. وإن كان مقصوده أن يحلف بها وهو يكره وقوعها إذا حنث وإن وقع الشرط فهذا حالف بها لا موقع لها فيكون قوله من باب اليمين لا من باب التطليق والنذر). ولعل هذا هو القول أقرب للصواب لوجوه:
الأول: أن الزوج بقوله إن خرجت فأنت طالق لم يقصد إيقاع الطلاق وإنما قصد منع المرأة وزجرها من هذا الفعل بعينه.
الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حرم بريرة على نفسه اعتبره الشارع يمينا وأجراه مجرى اليمين وأوجب عليه الكفارة تحلة لقسمه ولم يعتبره ظهارا. قال تعالى: (قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ). وقد حقق ابن تيمية وابن القيم أن الطلاق المعلق لقصد المنع أو الحث يسمى يميناً في اللغة وفي عرف الفقهاء فيكون داخلا في عموم نصوص اليمين ويأخذ حكمه.
الثالث: أن الأصل العام في الشرع عدم مؤاخذة المتكلم فيما لم يقصد حقيقته وإنما جرى على لسانه من غير قصد ليمينه أو طلاقه فيكون من لغو اليمين كمن تكلم باليمين وجرى على لسانه من غير قصد وكذلك من تكلم بكلمة الكفر ولم يقصده لا يكفر بذلك فدل هذا على اعتبار المقاصد في هذا الباب والزوج هنا جرى الطلاق على لسانه ولم يقصد حقيقته. قال تعالى: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ).
الرابع: أن أعراف الناس جرت على أن المتكلم إذا قال لغيره علي الطلاق أو علي الحرام إن لم تدخل داري فمراده بذلك حثه على هذا الفعل وتأكيده عليه وليس مراده الطلاق والتحريم بعينه.
وبهذا يتبين لنا أن الزوج حين قال ذلك ولم يقصد الطلاق أن كلامه يكون حكمه حكم اليمين لأنه ألزم زوجته بفعل شيء أو تركه وإنما استعمل لفظ الطلاق لغرض التأكيد فإن خرجت وجب عليه الكفارة ولم يقع الطلاق إن شاء الله تعالى.
وهذا الحكم والتفصيل على سبيل العموم أما الحكم على حادثة معينة فيرجع فيها إلى القضاء والمفتي الذي يتحقق من الحادثة ويستمع لكلام الطرفين.

أما الرجعة إذا وقع الطلاق الرجعي فهي حق للزوج يجوز له مراجعتها في أي وقت لقوله تعالى: (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا). ولا يشترط علم الزوجة ولا إذنها في ذلك ما دام طلقها مرة أو مرتين وهي ما تزال في العدة لكن ينبغي له إذا راجعها أن يخبرها بذلك.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.


خالد بن سعود البليهد
عضو الجمعية العلمية السعودية للسنة
binbulihed@gmail.com
11/7/1430

 

خالد البليهد
  • النصيحة
  • فقه المنهج
  • شرح السنة
  • عمدة الأحكام
  • فقه العبادات
  • تزكية النفس
  • فقه الأسرة
  • كشف الشبهات
  • بوح الخاطر
  • شروح الكتب العلمية
  • الفتاوى
  • كتب
  • الصفحة الرئيسية