اطبع هذه الصفحة


حكم قتل النفس فرارا من ألم التعذيب

خالد بن سعود البليهد

 
السؤال :

أسال الشيخ الحبيب عن حكم قاتل نفسه تحت تأثير التعذيب الشديد الجلادون يقولون له لن نقتلك وسنعذبك حتى تقتل نفسك و يعطونه الأداة التي يقتل بها نفسه و يضطر في الآخر أن يقتل نفسه وهو يعلم أن هذا الفعل كبيرة لكنه لم يستطيع التحمل هل هو خالد في نار جهنم.


الجواب :
الحمد لله. فقد دل الشرع على تحريم قتل الإنسان نفسه مطلقا سواء كان ذلك لسبب أو لغير سبب لأن هذه النفس أمانة استودعها الله فلا يحل إزهاقها في جميع الأحوال. قال تعالى: (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) . وقد ورد الوعيد الشديد في الآخرة لمن فعل ذلك. فعن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: (من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيها خالدا مخلدا فيها أبدا ومن تحسى سما فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا). متفق عليه. وورد في صحيح البخاري: (الذي يخنق نفسه يخنقها في النار والذي يطعن نفسه يطعن نفسه النار والذي يقتحم يقتحم في النار). وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يصلي على قاتل نفسه من باب الزجر والتخويف من هذا الذنب العظيم كما ورد في صحيح مسلم. فهذه النصوص تدل على عظم جرم قتل النفس وهي عامة في سائر الأحوال والظروف.
وقد ورد في السنة على سبيل الخصوص ما يدل على أنه لا يباح للمسلم قتل نفسه لشدة الجراح وعظم المشقة فيقتل نفسه ليرتاح من جراء ذلك ففي الصحيحين قال رسول صلى الله عليه وسلم: (كان برجل جراح فقتل نفسه فقال الله بدرني عبدي بنفسه فحرمت عليه الجنة). وفي رواية: (كان فيمن قبلكم رجل به جرح فجزع فأخذ سكينا فحز بها يده فما رقأ الدم حتى مات فقال الله: بادرني عبدي بنفسه). وكذلك ورد فيهما أيضا قصة الرجل الذي قاتل قتلا شديدا فأعجب الناس به فأخبر النبي أنه من أهل النار فتبعه رجل ليتبين حاله فقال: (فجرح الرجل جرحا شديدا فاستعجل الموت فوضع سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه ثم تحامل على سيفه فقتل نفسه فخرج الرجل إلى رسول الله فقال: أشهد أنك رسول الله). فهذه النصوص تدل صراحة على أنه لا يباح للمسلم أن يقتل نفسه تحت تأثير التعذيب ليرتاح من هذا الجحيم بل الواجب عليه في مثل هذه الحال الصبر حتى يلقى ربه وهو راض عنه. ولذلك لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رخص لأصحابه حين عذبوا في مكة بقتل النفس فلو كان جائزا لرخص لهم رفعا للحرج عنهم وإنما رخص لهم بقول كلمة الكفر وموافقة الكفار في الأقوال اعتبارا لحال الإكراه. والمقرر عند الفقهاء أنه لا يرخص لأحد قتل غيره إذا أكره على ذلك ولو كان مصيره القتل.
والحاصل أنه لا يجوز للمسلم أن يتعاطى قتل نفسه بنفسه مهما بلغ الأمر واشتد التعذيب وأن ذلك من كبائر الذنوب العظيمة التي تستوجب دخول النار وعليه الصبر حينئذ ويجعلهم يبوؤون بالإثم. ولكن إن أعطي مسكرا فغاب عقله أو زال عقله من شدة التعذيب ووضعت الأداة بيده فصار كالآلة لا قدرة له ولا قصد ولا اختيار ثم قتل بذلك فلا حرج عليه ولا يبوء بالإثم لأنه لم يقصد هذا الفعل ولم يتعمد فعله. أما إن قتل نفسه متعمدا مختارا كان مستوجبا لدخول النار وأمره إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه وإن دخل النار مكث فيها فترة تطهيره ثم أخرج منها ولم يخلد فيها أبدا باتفاق أهل السنة والجماعة في حال ومصير أهل الكبائر بجميع أجناسها ودرجة فحشها.
والله أعلم وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.

خالد بن سعود البليهد
عضو الجمعية العلمية السعودية للسنة
binbulihed@gmail.com
12/5/1431

 

خالد البليهد
  • النصيحة
  • فقه المنهج
  • شرح السنة
  • عمدة الأحكام
  • فقه العبادات
  • تزكية النفس
  • فقه الأسرة
  • كشف الشبهات
  • بوح الخاطر
  • شروح الكتب العلمية
  • الفتاوى
  • كتب
  • الصفحة الرئيسية