اطبع هذه الصفحة


لزوم البيع بالكلمة

خالد بن سعود البليهد

 
السؤال :

السلام عليكم
ذهبت لشراء أحد الخردوات ، وسألت البائع عن الثمن ورأيت المبيع وعاينته ، ثم قلت للبائع سآخذه ، ولكني فلت له سأذهب لشراء شيء آخر ثم أحضر لك مرة أخرى ، ولكني وجدت في مكان آخر مبيعاً أفضل من الذي عاينته عند البائع الأول فاشتريته ولم أذهب ثانية للبائع الأول ، فهل يجوز لي هذا التصرف؟ علماً بأني لم أدفع الثمن ولم أقبض المبيع من البائع الأول وأيضاً لم يتضرر البائع الأول في شيء.

الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله. إذا حصل اتفاق بين المشتري والبائع على بيع السلعة بثمن معين بالإيجاب والقبول كأن يقول المشتري للبائع أتبيعني السلعة بكذا فيقول البائع بعتك ثم يقول المشتري قبلت أو يبتدأ البائع بقوله بعتك بكذا فيقول المشتري قبلت صح البيع ولزم كلا الطرفين الالتزام بعقد البيع فورا وانتقلت السلعة من ذمة البائع إلى ذمة المشتري حالا بعد الفراغ من العقد والتفرق من مجلس البيع لما ورد في الصحيحين: (إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا). فما دام في نفس المجلس فلكل واحد الرجوع وعدم إمضاء البيع من غير إذن الطرف الثاني أما إذا تفرقا من مجلس البيع بعد اتفاقهما اختيارا فقد لزم البيع ولا يحق لأحدهما فسخ العقد إلا بإذن الطرف الثاني.
ويلزم البائع والمشتري أن يلتزم بهذا العقد ولا يجوز له أن يتركه أو يتحايل عليه أو يعرض عنه من غير إذن الطرف الثاني لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ). وقال زيد بن أسلم: (أوفوا بالعقود هي ستة عهد الله وعقد الحلف وعقد الشركة وعقد البيع وعقد النكاح وعقد اليمين).
أما دفع الثمن ونقل السلعة وكتابة البيع وغير ذلك من الإجراءات فهي من مقتضيات البيع وتمامه وليست من صلب العقد ولا يشترط حصولها أثناء العقد وتأخرها لا يبطل العقد.
ولا يشترط في صحة البيع لفظ معين من قبل الطرفين على الصحيح من قولي العلماء بل يصح البيع بكل لفظ أو إشارة أو كتابة تعارف عليه الناس في بيوعاتهم لأن الشارع لم يشترط لفظا معينا ولأن عقد البيع داخل في باب العادات والأصل في العادات الإباحة والإذن ما لم يرد نهي أو تقييد من الشارع وعمل المسلمين جار على التسهيل والرخصة في ذلك لكن إذا كانت السلعة غالية والثمن كبيرا تأكد استعمال لفظ الإيجاب والقبول الصريح من البيع والقبول وتوثيق ذلك والإشهاد عليه لئلا يحصل التنازع وتضيع الحقوق.
أما إذا وعد التاجر المشتري بالبيع في المستقبل أو المشتري وعد بالشراء كقوله سأبيعك غدا أو الأسبوع القادم أو آخر السنة أو قول المشتري سأشتري منك غدا أو في وقت آخر ثم تفرقا لم ينعقد البيع ولا يلزم العمل به لأن حقيقته وعد بالبيع وليس بيعا ولكن يتأكد على صاحب الوعد الوفاء بوعده وعدم الإخلاف لورود الذم والنهي عن ذلك فلو ترك البيع لم يلزمه شيء ولحقه الذم لإخلافه الوعد ولا علاقة لذلك بلزوم البيع مطلقا.
والحاصل أنه إذا تم البيع بالكلام وحصل الإتفاق بينهما من غير تردد ولا تمديد لفترة البيع وتفرقا لزم كلا الطرفين هذا البيع ولا يجوز للمشتري إبطاله وتركه لحصوله على صفقة أربح منها أو توفقه في البيع وإن فعل فهو آثم وغادر للعهد مستحق للوعيد في الآخرة. والطريق الشرعي للتخلص من هذا البيع أن يطلب من البائع أن يقيله ويفسخ البيع بالحسنى والرضا ويستحب للبائع إقالة المشتري لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أقال مسلما أقال الله عثرته). رواه أبو داود. فإن وافق البائع انفسخ العقد ولم يلزمه وإن امتنع وجب عليه إمضاء البيع ويرزق الله من يشاء بغير حساب.
ومن صدق مع الله في باب التجارة والوفاء بالعقود والتزام الأمانة والنصح مع المتابعين بارك الله في تجارته ورزقه ووسع عليه وأثنى عليه الناس بالخير وأثابه أجرا عظيما في الآخرة وكان جزاؤه الجنة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء). رواه الترمذي. ومن كذب مع الله وترك الأمانة في المبايعات وغدر في العهود وغش الخلق محقت بركة رزقه ولم يهنأ بتجارته وكانت عليه وبالا في الآخرة وذمه الناس وتخلق بخلق المنافقين وكان جزاؤه النار والعياذ بالله. وهذا حال كثير من التجار والسماسرة في أسواق المسلمين لا يلتزمون بالعقد ولا يكونوا واضحين في تعاملهم ولا تعرف منهم حقا ولا باطلا.
والله أعلم وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.

خالد بن سعود البليهد
binbulihed@gmail.com
1432/12/22


 

خالد البليهد
  • النصيحة
  • فقه المنهج
  • شرح السنة
  • عمدة الأحكام
  • فقه العبادات
  • تزكية النفس
  • فقه الأسرة
  • كشف الشبهات
  • بوح الخاطر
  • شروح الكتب العلمية
  • الفتاوى
  • كتب
  • الصفحة الرئيسية