صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







القول بأن الرسول نور ليس له ظل خرافة

خالد بن سعود البليهد

 
السؤال :

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته... ما صحة القول المتشر ان الرسول محمد عليه الصلاة والسلام ليس له ظل كباقي البشر وان نوره يغلب على ضوء الشمس فبالتالي لا يكون له ظل.

الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله. هذا القول باطل وهو من آثار الغلو في ذات النبي صلى الله عليه وسلم وهو خرافة من خرافات المتصوفة الذين أفسدوا الدين الصافي وغلوا في محبة النبي صلى الله عليه وسلم وادعوا فيه أمورا باطلة ليروجوا مذهبهم وبنوا دينهم على المنامات والكشوفات والخرافات التي لا تستند على دليل صحيح وحجة ظاهرة فلا نقل صحيح ولا عقل صريح في مذهبهم والذي دلت عليه نصوص الكتاب والسنة أن النبي صلى الله عليه وسلم بشر كسائر البشر في طبيعته البشرية وجبلته الخَلقية ينام ويأكل ويمشي في الأسواق ويحزن ويرضى ويغضب ويبكي ويخرج منه فضلات من دم وعرق وغيره مما يخرج من الناس ويجري عليه من البلاء والضراء ما يجري على الناس من مرض وسحر وموت ولا يستطيع عليه الصلاة والسلام أن يدفع عن نفسه الأذى إلا بأمر الله وحفظه وليس له نور يغطي الشمس وله ظل كسائر الناس ولم يخلق من نور ولم يرد في السنة الصحيحة ما يدل على أنه خلق نوراني أو له صفات خارقة خارجة عن مألوف البشر أو أنه ليس له ظل بل بدنه من لحم وعظم وما خالطهما خُلق من أب وأم ولا يعلم إلا ما علَّمه الله تعالى قال الله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ). قال ابن عباس: (علَّم الله رسوله التواضع لئلا يزهو على خلقه فأمره أن يقرَّ فيقول: إني آدمي مثلكم إلا أني خُصصت بالوحي وأكرمني الله به). وفي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني). قال ابن تيمية: (والنبي صلى الله تعالى عليه وسلم خلق مما يخلق منه البشر ولم يخلق أحد من البشر من نور بل قد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قال : (إن الله خلق الملائكة من نور وخلق إبليس من مارج من نار وخلق آدم مما وصف لكم). وليس تفضيل بعض المخلوقات على بعض باعتبار ما خلقت منه فقط بل قد يخلق المؤمن من كافر والكافر من مؤمن كابن نوح منه وكإبراهيم من آزر وآدم خلقه الله من طين فلما سواه ونفخ فيه من روحه وأسجد له الملائكة وفضله عليهم بتعليمه أسماء كل شيء وبأن خلقه بيديه وبغير ذلك فهو وصالحو ذريته أفضل من الملائكة وإن كان هؤلاء مخلوقين من طين وهؤلاء من نور). وقال شيخنا ابن عثيمين: (من اعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم نور من الله وليس ببشر وأنه يعلم الغيب فهو كافر بالله ورسوله وهو من أعداء الله ورسوله وليس من أولياء الله ورسوله لأن قوله هذا تكذيب لله ورسوله ومن كذب الله ورسوله فهو كافر).

وإنما خصَّ الله جل جلاله نبيه في هذا الباب بالوحي وجعل له قدرة على استقبال الوحي ورؤية جبريل عليه السلام وتلقِّي الرسالة عن طريق الرؤيا وغيرها وخصَّه بأمر ثاني بالمعجزات التي تؤيد صدق نبوته وصحة دينه وخصَّه الله كذلك بأمر ثالث بالبركة في آثارة الطاهرة من شعر وريق وعرق وشرع لأصحابه رضي الله عنهم التبرك بآثاره الطاهرة وكل الأمور الثلاثة انقطعت ولا طريق إليها ومن زعم أن شيئا منها باق فهو دجال ولم يبق الله لأمته إلا كتاب الله الذي بلَّغه وسُنَّته وهديه الذي شرعه لأتباعه وقد أوصاهم بهما فمن كان مؤمنا بمحمد صلى الله عليه وسلم صادقا في محبته فليتَّبع القرآن ويتمسك بسنته ويقتصد في محبته ويوقِّر أصحابه ويسير على جادتهم ولا يغلو فيه كما غلت النصارى بعيسى بن مريم عليه السلام.

أما ما يُروى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يرى له ظل في شمس ولا قمر فيروى من طرق واهية عن الكذابين وفي متنها نكارة ولا يصح منها شيئ ولم يحك لنا أزواجه وأصحابه رضي الله عنهم اتصافه بالنور الحسي ونفي الظل عنه بل رُوي ما يدل على ثبوت الظل للنبي صلى الله عليه وسلم كما في مسند أحمد وغيره وثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستظل بظل الشجرة ويستظل بظل الكعبة وكان أصحابه يظلونه بالثوب اتقاء الشمس فلو كان نورا لم يستظل وثبت في صحيح مسلم أن عائشة رضي الله عنها افتقدته في ليلة مظلمة فالتمسته بيدها حتى وقعت على قدميه وهو ساجد يدعو فلو كان له نور لرأته في الظلمة ولم تحتج لتلمسه.
وأما من استدل بالحديث المتفق عليه: (اللهم اجعل في قلبي نورا وفي سمعي نورا وفي بصري نورا...) على أنه خلق من نور وليس له ظل فهذا استدلال فاسد لأن المراد بالنور هنا بيان الحق والهداية إليه في جميع أعضائه وجهاته الست لئلا يزيغ شيء منها عن الحق فهو نور معنوي بمعنى الهداية والتوفيق والعلم وإصابة الحق كما وصف الله نبيه في القرآن بقوله: (قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ). وقال تعالى: (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا). فالنبي محمد صلى الله عليه وسلم وهبه الله نور الهداية فأنار طريق الحق لأتباعه المؤمنين ودلهم على طريق الجنة والله الهادي على الحقيقة كما قال تعالى: (يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ).

أما الحديث الذي يُروى عن جابر رضي الله عنه قال: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أول شئ خلقه الله تعالى؟ فقال: (هو نور نبيك يا جابر خلقه الله ثم خلق فيه كل خير وخلق بعده كل شئ...). فهو حديث باطل موضوع على النبي صلى الله عليه وسلم لا يوجد في شيئ من دواوين الإسلام ولا يعرف له إسناد وقد نسب كذبا إلى مسند أحمد ومصنف عبد الرزاق وقد طعن فيه أئمة الحديث وإنما يتناقله المتصوفة. ولا يصح في انفراد النبي صلى الله عليه وسلم في خَلقه البشري عن سائر البشر حديث فيما اطلعت عليه والحاصل أن العمدة في إثبات شيئ من الخصائص لنبينا صلى الله عليه وسلم هو ثبوت الدليل الصحيح فما ثبت فيه النص أثبتناه وما لم يثبت فيه النص نفيناه ولا يصح الاعتماد في هذا الباب على كلام أهل السير والشراح المتأخرين من غير دليل صحيح سالم من المعارض.
والله الموفق وصلى الله على نبيا محمد وآله وصحبه وسلم.

خالد بن سعود البليهد
13/5/1438

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
خالد البليهد
  • النصيحة
  • فقه المنهج
  • شرح السنة
  • عمدة الأحكام
  • فقه العبادات
  • تزكية النفس
  • فقه الأسرة
  • كشف الشبهات
  • بوح الخاطر
  • شروح الكتب العلمية
  • الفتاوى
  • كتب
  • الصفحة الرئيسية