اطبع هذه الصفحة


مطالبة الأم بالتركة ليس من العقوق

خالد بن سعود البليهد
@binbulaihed

 
السؤال :

يا شيخ توفي والدي وخلف تركة تتكون من بيوت ومحلات وأمي تتصرف بهذا المال مع بعض أولادها ولما كبر الأولاد وتزوجوا وأرادوا أخذ نصيبهم بقسمة التركة لإصلاح حال أسرهم رفضت أمي ذلك بشدة وغضبت فهل مطالبة الولد بذلك عن طرق القضاء جائز ولو أدى ذلك إلى القطيعة بين الأسرة أم لا؟

الجواب :
الحمد لله. إذا مات الإنسان انتقل ماله إلى ورثته وصار حقا لهم جميعا على حسب قسمة الشرع قال تعالى: (لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا). وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ومن ترك مالا فلورثته). والواجب حينئذ تقسيم التركة على جميع الورثة ولا يحق للأم ولا غيرها تأخير القسمة لأجل مصلحتها أو مصلحة بعض ولدها إلا إذا تراضى الورثة على تأخير القسمة أو تنازل بعض الورثة عن نصيبهم من باب البر والإحسان لأمهم. ويجب على الأولاد أن ينفقوا على أمهم وإخوتهم القصر إن كانوا فقراء.
وإذا رفضت الأم تقسيم التركة كان ظالمة في تصرفها لأنها لا تملك إلا نصيبها وليس لها ولاية على باقي التركة فلا يحق لها أن تتملك إيجارات وإيرادات التركة ولا يحق لها شرعا أن تهب أو تخص بعض أولادها من مال الورثة إلا بإذنهم.
ويحق للولد شرعا المطالبة بحقه عن طريق المحكمة لا سيما إن كان محتاجا للمال لأن الله عز وجل ملكه هذا المال وهو يطالب بماله ولا يعد تصرفه من العقوق والقطيعة لأمه لأنه لم يظلمها ولم يترك برها وحقيقة البر هو الإحسان للأم في القول والعمل والأم هنا قد ظلمته ومنعته حقه وهو يطالب بحقه ولم يقصد الإساءة إليها والشارع إنما أوجب لها البر بالمعروف ولم يأذن لها في ظلم الولد وتسلطها على ماله , وإن حصل على حقه وقاطعته الأم فهي المسئية شرعا لأنه لا موجب لسخطها وليس على الولد إثم لأنه لم يتسبب بقطيعتها وإنما فعل أمرا مأذونا له شرعا ولم يتعد في طلبه ولذلك رخص جمهور الفقهاء أبوحنيفة ومالك والشافعي في مطالبة الولد أباه في قضاء دينه الذي أقرضه إياه وامتنع عن أدائه وهو قادر لأنه طلب حقا مشروعا له وقد وقع من بعض أبناء الصحابة شكاية الأب إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما وقع في حديث معن بن يزيد رضي الله عنه قال: (كان أبي يزيد أخرج دنانير يتصدق بها فوضعها عند رجل في المسجد فجئت فأخذتها فأتيته بها فقال: والله ما إياك أردت فخاصمته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لك ما نويت يا يزيد ولك ما أخذت يا معن). رواه البخاري. وعن عائشة رضي الله عنها: (أن فتاة دخلت عليها فقالت: إن أبي زوجني ابن أخيه ليرفع بي خسيسته وأنا كارهة. قالت: اجلسي حتى يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فأرسل إلى أبيها فدعاه فجعل الأمر إليها فقالت: يا رسول الله قد أجزت ما صنع أبي ولكن أردت أن أعلم أللنساء من الأمر شيء). رواه أحمد والنسائي. وهذا يدل على أن مقاضاة الولد أباه ومطالبته بحقه عند القاضي ليس من العقوق. ويجب عليه أن يترفق بأمه ويداريها ويحسن لها ويصبر على أذاها مهما بدر منها لعظم مقام الأم. ويجب على الأم أن تتقي الله وتعلم أنها مسؤولة يوم القيامة عن تصرفها بالمال وأن الدنيا حقيرة زائلة لا تغني عن عذاب الله.
وإن ترك المطالبة بنصيبه لله واحتسبه عند الله خشية القطيعة ومراعاة لكمال الإحسان فهذا عمل طيب ويؤجر على قصده الحسن ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه.
والله الموفق وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

خالد بن سعود البليهد
binbulihed@gmail.com
20/6/1437


 

خالد البليهد
  • النصيحة
  • فقه المنهج
  • شرح السنة
  • عمدة الأحكام
  • فقه العبادات
  • تزكية النفس
  • فقه الأسرة
  • كشف الشبهات
  • بوح الخاطر
  • شروح الكتب العلمية
  • الفتاوى
  • كتب
  • الصفحة الرئيسية