اطبع هذه الصفحة


أحكام المعتدة الرجعية والمعتدة البائن والمعتدة المتوفى عنها زوجها

خالد بن سعود البليهد

 
السؤال :

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هل تعامل المعتدة من طلاق رجعي والمعتدة من طلاق بائن معاملة المعتدة المتوفى عنها زوجها في الأحكام أم بينهم فروق؟

الجواب:

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله. في هذه المسائل تفاصيل واختلاف بين الفقهاء ولكن سأذكر الجواب مختصرا على حسب ما ظهر لي من الأدلة الواضحة كما بينها المحققون من أهل العلم.


أولا: المعتدة من طلاق رجعي:

(1)
يجب عليها أن تعتد ثلاث حيضات لقوله تعالى: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ). ومن لم تحض أو انقطع حيضها فتعتد ثلاثة أشهر لقوله جل جلاله: (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ). والحامل تنتهي عدتها بوضع حملها لقوله جل جلاله: (وَأُوْلَٰتُ ٱلْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ). أما التي طلقت قبل الدخول عليها فلا عدة عليها لقوله جل جلاله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا). قال ابن المنذر: (أجمع أهل العلم على أن من طلق زوجته قبل أن يدخل بها أنها قد بانت منه ولا تحل له إلا بنكاح جديد ولا عدة عليها).

(2)
حكمها حكم الزوجات من حيث الخلوة والنظر والنفقة والمسكن والسفر بها والإرث والاستمتاع بنية المراجعة لقوله تعالى: (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَٰلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا). قال المرداوي: (ويباح لزوجها وطؤها والخلوة والسفر بها ولها أن تتشوف له وهذا المذهب وعليه أكثر الأصحاب).

(3)
يباح لها الخروج أي وقت لكن يلزمها المبيت في بيت زوجها ولا يحل لها مفارقته في عدتها لقوله تعالى: (وَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ). ولا تخرج إلا بإذن زوجها لقول عبد الله بن عمر رضي الله عنه: (إذا طلق الرجل امرأته تطليقة أو تطليقتين لم تخرج من بيتها إلا بإذنه). رواه ابن أبي شيبة.

(4)
يباح لها الزينة والحلي والطيب وليس عليها إحداد باتفاق أهل العلم قال ابن عبد البر: (أجمعوا أن لا إحداد على المطلقة الرجعية). وقال ابن قدامة: (لا إحداد على الرجعية بغير خلاف تعلمه).

(5)
يحرم خطبتها في العدة تصريحا أو تعريضا لأنها ما تزال زوجة باتفاق أهل العلم قال القرطبي: (لا يجوز التعريض لخطبة الرجعية إجماعا لأنها كالزوجة).

ثانيا: المعتدة من طلاق بائن:

(1)
المطلقة البائن يجب عليها أن تعتد كعدة المطلقة الرجعية سواء بسواء كما سبق تفصيله بالأدلة.

(2)
لا يجب عليها الإقامة في بيت زوجها الذي بت طلاقها لما روى مسلم في صحيحه عن فاطمة بنت قيس قالت: (أَنَّ أَبَا عَمْرِو بْنَ حَفْصٍ طَلَّقَهَا الْبَتَّةَ وَهُوَ غَائِبٌ فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا وَكِيلَهُ بِشَعِيرٍ فَسَخِطَتْهُ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا لَكِ عَلَيْنَا مِنْ شَيْءٍ, فَجَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: لَيْسَ لَكِ عَلَيْهِ نَفَقَةٌ، فَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ أُمِّ شَرِيكٍ). وفي رواية: (لاَ نَفَقَةَ لَكِ وَلاَ سُكْنَى). فلا سكنى لها ولا نفقة وهذا مذهب الحنابلة قال ابن القيم: (المطلقة البائن لا نفقة لها ولا سكنى بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة بل الموافقة لكتاب الله، وهي مقتضى القياس ومذهب فقهاء الحديث). أما إذا كانت البائن حاملا وجب لها السكنى والنفقة حتى تضع حملها لقوله تعالى: (وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ). قال ابن قدامة: (إذا كانت المبتوتة حاملا وجب لها السكنى رواية واحدة ولا نعلم بين أهل العلم خلافا فيه).

(3)
يجوز لها الخروج نهارا لحاجتها لما روى مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: (طُلِّقَتْ خَالَتِي، فأرَادَتْ أَنْ تَجُدَّ نَخْلَهَا، فَزَجَرَهَا رَجُلٌ أَنْ تَخْرُجَ، فأتَتِ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: بَلَى فَجُدِّي نَخْلَكِ، فإنَّكِ عَسَى أَنْ تَصَدَّقِي، أَوْ تَفْعَلِي مَعْرُوفًا). قال النووي: (هذا الحديث دليل لخروج المعتدة البائن للحاجة ومذهب مالك والثوري والليث والشافعي وأحمد وآخرين جواز خروجها في النهار للحاجة). وإذا خرجت لحاجتها لا تستأذن طليقها لانقطاع الزوجية بينهما قال ابن عمر رضي الله عنه: (إذا طلقت المرأة ألبتة فإنها تأتي المسجد والحق هو لها ولا تبيت إلا ببيتها حتى تنقضي عدتها).

(4)
ليس عليها إحداد فلا تمنع من سائر الزينة لأن الأصل براءة ذمتها ولم يرد في الشرع دليل صحيح صريح في إيجاب الإحداد عليها ولا يصح قياسها على المتوفى عنها زوجها لأن الزوج هو الذي قطع صلتها باختياره وفارقها واستغنى عنها فكيف تحاد عليه بخلاف من توفى عنها زوجها فتحاد عليه تأسفا على ما فاتها من حسن العشرة وإدامة الصحبة إلى وقت الموت وهذا مذهب المالكية والشافعية والحنابلة وفيه توسعة لها ورفع للحرج عنها.

(5)
يحرم خطبتها تصريحا باتفاق أهل العلم ويجوز خطبتها تعريضا والتعريض أن يقول مثلك يرغب فيها الرجال ونحو ذلك مما ليس فيه تصريح بالنكاح لعموم قوله جل جلاله: (وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ). ولقول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس لما طلقها زوجها ثلاثا: (إِذَا حَلَلْتِ فَآذِنِينِي). رواه مسلم. وألحقت البائن بالمتوفى عنها زوجها لانقطاع علاقتها بزوجها السابق وهذا مذهب المالكية والشافعية والحنابلة.

ثالثا: المعتدة المتوفى عنها زوجها:

(1)
يجب عليها أن تعتد أربعة أشهر وعشرا من حين وفاة زوجها سواء دخل بها أم لم يدخل بها لعموم قوله جل جلاله: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا). قال ابن المنذر: (أجمع أهل العلم على أن عدة الحرة المسلمة من وفاة زوجها أربعة أشهر وعشر مدخولا بها أو غير مدخول بها صغيرة كانت أم كبيرة). أما إن توفي عنها زوجها وهي حامل فعدتها تنتهي بوضع حملها ولو كان بعد زمن يسير لقوله جل جلاله: (وَأُوْلَٰتُ ٱلْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ). ولما رواه الشيخان عن أبي سلمة قال: (جَاءَ رَجُلٌ إلى ابْنِ عَبَّاسٍ وأَبُو هُرَيْرَةَ جَالِسٌ عِنْدَهُ، فَقالَ: أفْتِنِي في امْرَأَةٍ ولَدَتْ بَعْدَ زَوْجِهَا بأَرْبَعِينَ لَيْلَةً؟ فَقالَ ابنُ عَبَّاسٍ: آخِرُ الأجَلَيْنِ، قُلتُ أنَا: (وَأُولَاتُ الأحْمَالِ أجَلُهُنَّ أنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ)، قالَ أبو هُرَيْرَةَ: أنَا مع ابْنِ أخِي (يَعْنِي أبَا سَلَمَةَ) فأرْسَلَ ابنُ عَبَّاسٍ غُلَامَهُ كُرَيْبًا إلى أُمِّ سَلَمَةَ يَسْأَلُهَا، فَقالَتْ: قُتِلَ زَوْجُ سُبَيْعَةَ الأسْلَمِيَّةِ وهي حُبْلَى، فَوَضَعَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ بأَرْبَعِينَ لَيْلَةً، فَخُطِبَتْ فأنْكَحَهَا رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وكانَ أبو السَّنَابِلِ فِيمَن خَطَبَهَا). قال ابن تيمية: (اتفقت أئمة الفتيا على قول عثمان وابن مسعود وغيرهما في ذلك وهو أنها إذا وضعت حملها حلت).

(2)
يجب عليها الإقامة في بيت زوجها الذي مات وهي تقيم فيه إلى أن تنقضي عدتها لما رواه أهل السنن عن فريعة بنت مالك رضي الله عنها قالت: (تُوُفِّيَ زَوجِي بالقَدُومِ، فَأَتَيتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فذكَرْتُ لَهُ أنَّ دَارَنَا شَاسِعَةٌ، فَأَذِنَ لهَا، ثُمَّ دَعَاهَا فَقَالَ: اُمكُثِي فِي بَيتِكِ أَرْبَعةَ أَشْهُرٍ وَعَشرًا حتَّى يَبلُغَ الكِتابُ أجَلَهَ). وهذا مذهب عامة أهل العلم قال ابن عبد البر: (وبه يقول جماعة فقهاء الأمصار بالحجاز والشام والعراق ومصر). فإن كان في إقامتها خوف أو ضرر أو أخرجها صاحب الدار جاز لها الانتقال إلى موضع آخر لأنها معذورة شرعا لقوله جل جلاله: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ).

(3)
يجوز لها الخروج نهارا لحاجة لما روى مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: (طُلِّقَتْ خَالَتِي، فأرَادَتْ أَنْ تَجُدَّ نَخْلَهَا، فَزَجَرَهَا رَجُلٌ أَنْ تَخْرُجَ، فأتَتِ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: بَلَى فَجُدِّي نَخْلَكِ، فإنَّكِ عَسَى أَنْ تَصَدَّقِي، أَوْ تَفْعَلِي مَعْرُوفًا). وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنه: (لا تبيت المتوفى عنها زوجها ولا المبتوتة إلا في بيتها). رواه مالك.

(4)
يجب عليها الإحداد وهو ترك كل ما يدعو إلى نكاحها من لبس الملابس الحسنة وزينة الوجه بالكحل وغيره والطيب والحناء وغيره مما يحسن صورتها ويجملها لحديث أم عطية رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تُحِدُّ امْرَأَةٌ علَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاثٍ، إلَّا علَى زَوْجٍ، أرْبَعَةَ أشْهُرٍ وعَشْرًا، ولا تَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا، إلَّا ثَوْبَ عَصْبٍ، ولا تَكْتَحِلُ، ولا تَمَسُّ طِيبًا، إلَّا إذا طَهُرَتْ، نُبْذَةً مِن قُسْطٍ، أوْ أظْفارٍ). متفق عليه. وقال ابن قدامة: (ولا نعلم بين أهل العلم خلافا في وجوبه على المتوفى عنها زوجها إلا عن الحسن فإنه قال: لا يجب الإحداد وهو قول شذ به عن أهل العلم وخالف به السنة فلا يعرج عليه).

(5)
يحرم خطبتها تصريحا باتفاق أهل العلم قال ابن تيمية: (لا يجوز التصريح بخطبة المعتدة ولو كانت في عدة وفاة باتفاق المسلمين). ويجوز خطبتها تعريضا لقول الله جل جلاله: (وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ).

والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

الفقير إلى الله
خالد بن سعود البليهد

bInbulihed@gmail.com

19/9/1442


 

 
  • النصيحة
  • فقه المنهج
  • شرح السنة
  • عمدة الأحكام
  • فقه العبادات
  • تزكية النفس
  • فقه الأسرة
  • كشف الشبهات
  • بوح الخاطر
  • شروح الكتب العلمية
  • الفتاوى
  • كتب
  • الصفحة الرئيسية