اطبع هذه الصفحة


شرح رسالة فضل علم السلف على الخلف 1

اضغط هنا لتحميل الكتاب على ملف وورد

خالد بن سعود البليهد

 
بسم الله الرحمن الرحيم
 

قال المصنف رحمه الله: (الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين وسلم تسليما كثيراً. أما بعد فهذه كلمات مختصرة في معنى العلم وانقسامه إلى علم نافع. وعلم غير نافع. والتنبيه على فضل علم السلف على علم الخلف).

ابتدأ المصنف رحمه الله بعد الحمدلة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بذكر غرضه الذي من أجله وضع هذه الرسالة النافعة وهو بيان حقيقة العلم النافع وفضل علم السلف على علم المتأخرين فأراد رحمه الله بيان منهج السلف الصالح أهل القرون المفضلة في باب العلم وما يتبعه من الهدي والسلوك والعقائد وإذا تبين فضلهم وحسن سلوكهم بان للسالك تقديم علمهم ومنهجهم على من تأخر عنهم وسلك غير طريقتهم. ويتحقق فضل السلف على الخلف في أمور:

1- نفع علمهم. 2- إخلاصهم واحتسابهم في طلبه. 3- تحريهم إصابة الحق وبعدهم عن الهوى. 3- عنايتهم بالعمل بعلمهم. 4- اجتنابهم لكل ما لا فائدة فيه من علم باطل أو سلوك باطل أو غيره. 5- حرصهم على هداية الخلق ونفع الناس. وغير ذلك من العوامل والأسباب التي جعلتهم يتميزون على الخلف وقد أشار المصنف إلى ذلك في ثنايا كلامه. والمصنف بين فضل السلف بناء على لزوم سلوك المسلم لمنهج السلف وطريقتهم لما ورد في النصوص الشرعية وإجماع الأئمة من الثناء على السلف والأمر باتباع طريقتهم وتقديم محبتهم ومذهبهم على من سواهم قال تعالى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم). متفق عليه. وقال ابن قدامة: (قد ثبت وجوب اتباع السلف رحمة الله عليهم بالكتاب والسنة والإجماع والعبرة دلت عليه). وقال ابن تيمية: (والخير كل الخير في اتباع السلف الصالح والاستكثار من معرفة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم والتفقه فيه والاعتصام بحبل الله وملازمة ما يدعو إلى الجماعة والألفة ومجانبة ما يدعو إلى الخلاف والفرقة). وهذا أمر مستقر في الأصل عند جميع من يعتد بقوله من الأئمة في تعظيم السلف والحرص على اتباعهم وإن كانوا يختلفون في نسبة بعض المسائل والأقوال إليهم. وأما مصطلح الخلف عند علماء السلف فالمراد بهم من جاء بعدهم وأحدث مذاهب تخالفهم وخرج عن طريقتهم في الأصول والفروع والسلوك وليس المراد من تأخر عنهم في الزمن مطلقا فإن المتأخر إذا كان متبعا للسلف مقتديا بآثارهم كان منسوبا إلى السلف وهذا ما عناه المصنف. وباعث المصنف على كتابة هذه الرسالة إما أن يكون ابتداء منه لبيان فضل السلف أو ردا على بعض مقالات المتأخرين في زمانه كقولهم كلام السلف أسلم وكلام الخلف أحكم وهذا يدل على دقيق فقهه ومعايشته لقضايا عصره وتفاعله مع المستجدات. وهكذا ينبغي على عالم السنة أن يكون غيورا على الشريعة منافحا عنها مجاهدا لخصومها وإن كثروا وتطاول باطلهم.


(فنقول وبالله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله. قد ذكر الله تعالى في
كتابه العلم تارة في مقام المدح وهو العلم النافع. وتارة في مقام الذم وهو العلم الذي لا ينفع).

بين المصنف
رحمه الله أن الله عز وجل قسم العلم في كتابه العزيز إلى قسمين: علم نافع وعلم غير نافع ويستدل على تعيين النافع من غيره بحسب دلالة السياق فإن كان العلم مذكورا في سياق النعمة والمدح والثناء فهو علم نافع وإن كان مذكورا في سياق الذم والعقوبة والزجر فهو علم غير نافع. والعلم النافع المحمود شرعا هو كل علم أمر الشرع بتحصيله وورد الثناء على كسبه أو كل علم أورث صلاحا في القلب وزكاة في النفس وخشية وإنابة أو منفعة في الدنيا فالجامع فيه كل علم كان سببا للنفع في الدين والدنيا. أما العلم الغير نافع كل علم مذموم شرعا سواء نهى عنه الشرع بخصوصه أو ترتب على تحصيله ضرر أو لم يكن وراءه فائدة تعود على المرء في دينه ولا دنياه. فالعلم الذي لاينفع يشمل نوعين: 1- علم ضار. 2- علم لا فائدة فيه.

(فأما الأول فمثل قوله تعالى )قُل هَل يَستَوي الَّذينَ يَعلَمونَ
وَالَّذينَ لا يَعلَمون( وقوله )شَهِدَ اللَهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلّا هُوَ وَالمَلائِكَة وَأُولوا العِلمَ قائِماً بِالقِسط( وقوله )وَقُل رَبِّ زِدني عِلماً( وقوله )إِنَّما يَخشى اللَهَ مِن عِبادِهِ العُلَماءُ( وما قص سبحانه من قصة آدم وتعليمه الأسماء. وعرضهم على الملائكة وقولهم )سُبحانَكَ لا عِلمَ لَنا إِلّا ما عَلَّمتَنا إِنَّكَ أَنتَ العَليمُ الحَكيم(. وما قصه سبحانه وتعالى من قصة موسى عليه السلام وقوله للخضر )هَل أَتَّبِعُكَ عَلى أَن تُعَلِمَني مِمّا عُلِّمتَ رُشدا( فهذا هو العلم النافع).

ذكر المصنف الآيات الدالة على العلم النافع في ستة مواضع على سبيل التمثيل وليس الحصر وإلا فكتاب الله مليء بالدلالات على فضل العلم النافع إما على سبيل الخصوص أو العموم بل كل عمل صالح واعتقاد صادق وسلوك فاضل منشأه من العلم النافع. ووجه استدلال المصنف أن الله بين في الآية الأولى أنه ما يستوي في دين الله في الفضل والثواب والعاقبة والمنزلة في الآخرة من حصل العلم النافع وعمل بالحق ومن كان جاهلا بالحق معرضا عن العمل به. وفي الآية الثانية أخبر الله عز وجل أنه شهد بألوهيته وتفرده بأفعاله وأفعال العباد وأخبر شهادة الملائكة معه وشهادة أهل العلم الراسخين بذلك فشهادة أهل العلم مع أعظم شاهد وأعظم مشهود يدل على فضلهم وعلو منزلتهم بسبب ما تشرفوا به من حمل العلم النافع. وفي الآية الثالثة فيه دعاء موسى عليه الصلاة والسلام ربه بزيادة العلم ففيه مشروعية الدعاء بنيل العلم النافع ولو لم يكن هذا العلم محمودا لما شرع التزود منه لأن الله لا يرضى بالباطل ولا يأذن به. وفي الآية الرابعة أخبر الله عز وجل أن أهل الخشية والرهبة لربهم حقا هم أهل العلم الراسخون وهذا يدل على فضل العلم النافع الذي يورث العمل والإخلاص فالعلم الحقيقي الصادق هو ما كان سببا في خشية الله في امتثال أوامره واتقاء نواهيه وفهم مراد الله وإصابة الحكمة والفهم لمراد رسوله صلى الله عليه وسلم وليس العلم في كثرة القيل والقال والاستكثار من المسائل والمفاخرة بذلك وتحصيل الرئاسات وعرض الدنيا وقد نبه السلف على هذا المعنى. وفي الآية الخامسة بين الله شرف العلم وفضله بأنه ميز آدم عليه الصلاة والسلام على الملائكة بعلمه أسماء الأشياء كلها وثناء الملائكة على الله باختصاصه بأصل العلم وكماله وفيه التنبيه أن مصدر العلم من الله العليم الحكيم فكل علم رباني نافع وصادق وكل علم من سواه ليس بنافع وفيه فضل آدم على الملائكة. وفي الآية السادسة حرص النبي موسى عليه الصلاة والسلام على اتباع الخضر مع كونه أدنى منزلة منه لأجل تحصيل العلم النافع الراشد الذي يدل على الحق والعمل به وهذا فيه تواضع المؤمن في طلب العلم وبيان أنه لا غضاضة عليه في أخذه ممن دونه ويبين أيضا أن العبد مهما حصل لا يستطيع بلوغ كمال العلم ومن ادعى ذلك فهو مغرور متكبر لا يسير على نهج الأنبياء والأولياء الصادقين.

 

 

 

خالد البليهد
  • النصيحة
  • فقه المنهج
  • شرح السنة
  • عمدة الأحكام
  • فقه العبادات
  • تزكية النفس
  • فقه الأسرة
  • كشف الشبهات
  • بوح الخاطر
  • شروح الكتب العلمية
  • الفتاوى
  • كتب
  • الصفحة الرئيسية