اطبع هذه الصفحة


شرح رسالة فضل علم السلف على الخلف 10

اضغط هنا لتحميل الكتاب على ملف وورد

خالد بن سعود البليهد

 
بسم الله الرحمن الرحيم


(فمن ذلك ما أحدثته المعتزلة من الكلام في القدر وضرب الأمثال للَّه).

من أوائل الفرق التي أحدثت في الدين وأظهرت مخالفة السنة فرقة المعتزلة وقد نص عليها المصنف لشدة بدعتها والمعتزلة هم أتباع واصل بن عطاء البصري وسموا بذلك لأن رأسهم الضال قد اعتزل حلقة الحسن البصري لما تكلم في حكم أهل الكبائر وقد ظهروا في زمن التابعين ولهم بدع شنيعة في باب القدر والأسماء والصفات والتوحيد والإمامة وغيرها ومذهبهم مبني على أصل فاسد وهو تقديم العقل على الشرع والاعتماد على الفلسفة اليونانية في الاستدلال والتقرير ومذهبهم يتكون من الأصول الخمسة وهي التوحيد والعدل والمنزلة بين المنزلتين وإنفاذ الوعيد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقد استمر وجود هذه الفرقة في القرن الثاني والثالث والرابع إلى أن كسرهم أهل السنة فذهبت شوكتهم وانتهت كفرقة لكن بقي مذهب الاعتزال منتشرا عند كثير من فرق المتكلمة من الرافضة والزيدية والإباضية وغيرهم ولا يزال موجودا إلى يومنا هذا خاصة عند بعض الكتاب والمفكرين أصحاب المدرسة العقلية. ومن أشهر بدعهم الفاسدة مذهبهم في باب القضاء والقدر ومحصله أن الله لا يجوز نسبة خلق الشر والكفر والمعاصي إليه وأنه لم يقدر حصول ذلك من العبد ولم يقضه وهذا يقتضي أن الله لا يقدر شيئا في العباد ويترتب على ذلك أن العبد مخير في كل عمل يختاره ويقوم به والحاصل أنهم نفاة للقدر لا يثبتونه لله ويثبتونه للمخلوق ولذلك سموا بالقدرية قال الخطابي: (إنما جعلناهم مجوسا لمضاهاة مذهبهم مذهب المجوس في قولهم بالأصلين وهما النور والظلمة يزعمون أن الخير من فعل النور والشر من فعل الظلمة فصاروا ثنوية وكذلك القدرية يضيفون الخير إلى الله عز وجل والشر إلى غيره والله سبحانه وتعالى خالق الخير والشر لا يكون شيء منهما إلا بمشيئته).
واعلم أن ما يروى في باب تسمية المعتزلة بالقدرية وأنهم مجوس الأمة وكثير من أحاديث ذم القدر لا يصح منها شيء وأسانيدها واهية ومنكرة وقد تسامح بعض المصنفين في العقائد في ذكرها في مصنفاتهم ولا يعول عليها. قال ابن تيمية: (وقد جاءت الآثار فيهم أنهم مجوس هذه الأمة كما روي ذلك عن ابن عمر وغيره من السلف وقد رويت في ذلك أحاديث مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم منها ما رواه أبو داود والترمذي ولكن طائفة من أئمة الحديث طعنوا في صحة الأحاديث المرفوعة في ذلك وهذا مبسوط في موضعه).

(وقد ورد النهي عن الخوض في القدر وفي صحيحي ابن حبان والحاكم عن ابن عباس مرفوعاً (لا يزال أمر هذه الأمة موافيا ومقاربا ما لم يتكلموا في الولدان والقدر) وقد روي موقوفا ورجح بعضهم وقفه).

من المسائل التي نهى الشارع عن الجدال والمراء فيها مسألة القدر لأن القدر سر الله حكمته خفية ودقائقه مشتبهة لا يمكن للمخلوق أن يكشف ستر القدر مهما أوتي من كمال العلم وكمال العمل وليس أحد من المخلوقين أطلعه الله على أسراره إلا محمد صلى الله عليه وسلم أخبره الله بشيء من الغيب ليؤيده على عدوه ويبين صدقه ويمتحن أتباعه. وإنما خوطب المكلف في باب القدر بما ينفعه من جهة العمل فأمر بالتصديق والتفويض والأخذ بالأسباب ونحو ذلك مما يحقق له صلاح العمل والفلاح والفوز في الجنة ونيل رحمة الله. وأما خبر ابن عباس فهو مخرج في الطبراني والبزار واختلف في رفعه ووقفه والصحيح أنه موقوف على ابن عباس كما نص على ذلك البيهقي فلا يصح رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان معناه صحيح وقد أفاد أن هذه الأمة لا يزال أمر دينها في رفعة وعز وهدى ما لم تخض في المسائل المشتبهة كمسألة  القدر وحكمته ومسألة حكم أولاد المشركين في الآخرة فإذا تكلمت وخاضت في هذه المسائل بالباطل تركت العمل ووقعت في الجدال المذموم وتعصبت وتدابرت وسلكت سبيل الضلالة والغواية كما وقع من قبل في الأمم السابقة. أما مدارسة هذه المسائل وفق دلالة الكتاب والسنة ومباحثتها بتجرد عن الهوى وعدم التعصب لقول أحد بلا حجة ومناظرة المخالفين للسنة ومجادلتهم بالتي هي أحسن فمسلك حسن سلكه أئمة السنة من السلف الصالح لأن الغرض منه والمقصود الوصول إلى الحق وتنزيه الشريعة عن ضلالات المبطلين وتحريف الغالين.


 

خالد البليهد
  • النصيحة
  • فقه المنهج
  • شرح السنة
  • عمدة الأحكام
  • فقه العبادات
  • تزكية النفس
  • فقه الأسرة
  • كشف الشبهات
  • بوح الخاطر
  • شروح الكتب العلمية
  • الفتاوى
  • كتب
  • الصفحة الرئيسية