اطبع هذه الصفحة


تحقيقُ تخفيفِ العذاب عن (أبي لهب) يوم الاثنين من كل ّأسبوع لأنّه أعتق جارية له اسمها ( ثويبة) عندما بشرته بولادة (محمّد) ابن أخيه عبد الله

م. عبد اللطيف البريجاوي


يذكر بعض الناس أنّ العذاب يُخفف عن أبي لهب كلّ يوم اثنين في النّار لأنّه أعتق جارية له لفرحه بولادة ابن لأخيه عبد الله, والذي سماه جده عبد المطلب محمداً , فما صحة هذا الأمر وما هي أدلته؟
روى البخاري في صحيحه أنّ أُمّ حَبِيبَةَ بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ قَالَت: يَا رَسُولَ اللَّهِ انْكِحْ أُخْتِي بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ فَقَالَ:« أَوَتُحِبِّينَ ذَلِكِ» فَقُلْتُ: نَعَمْ لَسْتُ لَكَ بِمُخْلِيَةٍ وَأَحَبُّ مَنْ شَارَكَنِي فِي خَيْرٍ أُخْتِي.
فَقَالَ النبيّ : «إِنَّ ذَلِكِ لَا يَحِلُّ لِي» قُلْتُ: فَإِنَّا نُحَدَّثُ أَنَّكَ تُرِيدُ أَنْ تَنْكِحَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: «بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ؟» قُلْتُ: نَعَمْ فَقَالَ:« لَوْ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي فِي حَجْرِي مَا حَلَّتْ لِي, إِنَّهَا لَابْنَةُ أَخِي مِن الرَّضَاعَةِ؛ أَرْضَعَتْنِي وَأَبَا سَلَمَةَ (ثُوَيْبَةُ) فَلا تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ وَلا أَخَوَاتِكُنَّ».
قَالَ عُرْوَةُ: وثُوَيْبَةُ مَوْلاةٌ لأَبِي لَهَبٍ, كَانَ أَبُو لَهَبٍ أَعْتَقَهَا فَأَرْضَعَت النبيّ فَلَمَّا مَاتَ أَبُو لَهَبٍ أُرِيَهُ بَعْضُ أَهْلِهِ بِشَرِّ حِيبَةٍ قَالَ لَهُ: مَاذَا لَقِيتَ؟ قَالَ أَبُو لَهَبٍ: لَمْ أَلْقَ بَعْدَكُمْ غَيْرَ أَنِّي سُقِيتُ فِي هَذِهِ بِعَتَاقَتِي (ثُوَيْبَةَ).[ البخاري كتاب النكاح – باب وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب].

قال ابن حجر رحمه الله تعالى:
« ذكر السهيلي أنّ العباس قال: لما مات أبو لهب رأيته في منامي بعد حول, في شرّ حال, فقال: ما لقيت بعدكم راحة، إلاّ أنّ العذاب يخفّف عني كل يوم اثنين، قال: وذلك أنّ النبيّ ولد يوم الاثنين، وكانت ثويبة بشرت (أبا لهب) بمولده فأعتقها, وأشار إلى النّقرة التي تحت إبهامه وفي ذلك إشارة إلى حقارة ما سقي من الماء».

إذاً فالدليل ليس حديثاً شريفاً إنما هي رؤية رآها العباس رضي الله عنه فهل يعتدّ بها؟
قال ابن حجر:
«أولاً بأن الخبر مرسل أرسله عروة ولم يذكر من حدّثه به.»
ثم قال:
« وعلى تقدير أن يكون موصولاً فالذي في الخبر رؤيا منام فلا حجة فيه».
ثم قال:
« ولعل الذي رآها لم يكن إذ ذاك أسلم بعد فلا يحتج به.».ومن المعلوم أنّ العباس لم يسلم حتى فتح مكة والرؤيا وقعت عقب غزوة بدر.
وقد يستدل بعضهم بجواز تخفيف العذاب عن أبي لهب كما حصل لأبي طالب فعن العَبَّاس قال: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللّهِ! إِنَّ أَبَا طَالِبٍ كَانَ يَحُوطُكَ وَيَنْصُرُكَ فَهَلْ نَفَعَهُ ذلِكَ؟ قَالَ: «نَعَمْ, وَجَدْتُهُ فِي غَمرَاتٍ مِنَ النَّارِ فَأَخْرَجْتُهُ إِلَى ضَحْضَاحٍ»[متفق عليه].فهل يصح هذا الاستدلال؟
قال ابن حجر:
«قال البيهقي: ما ورد من بطلان الخير للكفار فمعناه أنهم لا يكون لهم التخلص من النار ولا دخول الجنة، ويجوز أن يخفف عنهم من العذاب الذي يستوجبونه على ما ارتكبوه من الجرائم سوى الكفر بما عملوه من الخيرات.
وأما عياض فقال: انعقد الإجماع على أنّ الكفار لا تنفعهم أعمالهم ولا يثابون عليها بنعيم ولا تخفيف عذاب؛ وإن كان بعضهم أشد عذاباً من بعض».
« قلت: وهذا لا يرد الاحتمال الذي ذكره البيهقي، فإنّ جميع ما ورد من ذلك فيما يتعلق بذنب الكفر، وأما ذنب غير الكفر فما المانع من تخفيفه وقال القرطبي: هذا التخفيف خاصّ بهذا وبمن ورد النص فيه. وقال ابن المنير في الحاشية: هنا قضيتان إحداهما: محال وهي اعتبار طاعة الكافر مع كفره، لأن شرط الطاعة أن تقع بقصد صحيح، وهذا مفقود من الكافر.
الثّانية: إثابة الكافر على بعض الأعمال تفضلاً من الله تعالى، وهذا لا يحيله العقل، فإذا تقرر ذلك لم يكن عتق أبي لهب لثويبة قربة معتبرة، ويجوز أن يتفضل الله عليه بما شاء كما تفضل علي أبي طالب»[فتح الباري كتاب النكاح –باب وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب].

والذي ظهر لي والله أعلم ما يلي:
1- الخبر مرسل لا يصح الاستشهاد به في أمور غيبيّة.
2- هو عبارة عن رؤية ولا نعلم مطابقتها للواقع, لأنّ الرؤيا تتعلق بالرائي أيضاً, والرائي لم يكن قد أسلم بعدُ عندما رآها.
3- الأمر متعلق بالله سبحانه وتعالى ولا مانع فيه عقلاً, أمّا شرعاً فلا أجد لذلك دليلاً سوى ما ذكرناه.

المرجع رحلة النظر في قصار السور م. عبد اللطيف محمد سعد الله البريجاوي


 

م. البريجاوي
  • عبير الإسلام
  • إليك أخي ...
  • فقه الأسرة المسلمة
  • تدبرات قرآنية
  • في رحاب النبوة
  • كتب
  • أطياف الهداية