اطبع هذه الصفحة


السياحة بين الغفلة واليقظة

م. عبد اللطيف البريجاوي

 
عندما كنت أقرأ في بعض المعاجم اللغوية وقع بصري على معنى كلمة السياحة وهي من فعل سيح فوجدت أن لها معان عديدة ومتنوعة حيث وجدت لها معنى يشابه المصطلح الذي ظهر مؤخرا وهو السير في الأرض
ورحت أسأل نفسي إذا كانت السياحة بهذ المعنى فإن الله أمرنا بالسير في الأرض في كثير من الآيات البينات الواضحات
ثم إنني تتبعت هذه المعاني في القرآن الكريم لأصل إلى الفوائد المرجوة من هذا السير فوجدت أن الفوائد الإسلامية من السير في الأرض أو( السياحة كما يقولون ) متعددة منها :
1- الاستبصار والتذكر والاعتبار قال تعالى " قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين" الأنعام (11)
" قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شيء قدير"النمل(20)
2- التعارف بين هذه الشعوب وغيرها و التواصل الذي يؤدي إلى احتكاك مباشر ينشأ منه خير عظيم " ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير"(13) الحجرات
3- المتعة والفائدة وإدخال البهجة للنفوس " أمن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أءله مع الله بل هم قوم يعدلون(60) النمل0فمن يسير في الأرض ويرتحل يرى تلك الحدائق التي تضفي البهجة والسرور على النفس
4- الدعوة إلى الله سبحانه وبيان الإسلام وما سار الصحابة في كل هذه الأرضين إلا رغبة منهم في الدعوة إلى الله سبحانه
لكنه انتشرت في الآونة الأخيرة أنواع من فنون السياحة المختلفة والتي يطوف بعض الناس من خلال هذه الفنون بلاد العالم يتطلعون إلى الآثار الغابرة وينتقلون من مكان إلى آخر في العالم يصورون ويتصورون ويمدحون هذه الحضارة أو تلك ويكتبون عنها الذكريات يمرون بأبي الهول فينحنون أمامه ويشيدون بمن أنشأه ويصعدون الإهرامات وهم منبهرون بهذا البناء الفريد ويذهبون إلى تدمر وبصرى الشام وما تبقى من إيوان كسرى كل ذلك في إعجاب منهم بهذه الحضارات والأعجب من ذلك أنهم يأتون من بلاد بعيدة ويزورون المساجد المختلفة وينبهرون بالصناعة العمرانية الرائعة دون أن يتجاوز أحدهم خلف هذه الروعة العمرانية ليخترق وينطلق ويفكر لماذا بنيت هذه المساجد ولماذا دمرت هذه الحضارة أو تلك.
شاهدت الكثير من هؤلاء السـياح في بلاد عديدة لكنني لم أجد ذلك السائح الذي يحول سياحته إلى فكرة وإلى عبرة أوإلى عبرة يغسل بها الغفلة التي حجبته عن الحقيـقة الكبرى ...
إن الإسلام يطلب منا أن نسير في الأرض وقد أكد على ذلك في أكثر من موضع ولكنه كان دائما يقفل أمر هذا السير في الأرض بالاعتبار والاستفادة من الدروس السابقة وبيان قهر الله لهذه الحضارة أو تلك وأن الأرض لله يورثها من يشاء عباده الصالحين
وعن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم مثل ما أصابهم " متفق عليه
ومعنى باكين أي معتبرين مستفيدين من الدروس التي مرت على هذه الحضارة
لكن و يا للأسف الشديد سياحتنا غافلة كل الغفلة عن أهدافها ومراميها محجوبة بعبارات منمقة وشهوات مسوقة لا تدري أين تنتهي ومن أين تبدأ تقف أمام المظهر دون الدخول إلى الأهداف والغايات
ما أغفل القلب الذي يضع الله بين يديه ما يدله عليه ثم يغفل عن ذلك ويبتعد ويتلهى !!!
ما أشقى الحياة عندما تتحول إلى صور لا عبرة فيها وذكريات لا وقود فيها يدفعنا إلى الأمام
إننا مدعون اليوم لتصحيح مفهوم السياحة وإزالة الغفلة التي تحجب الفوائد الجمة منها مطبقين قول الله " قل سيروا في الأرض....."
فإذا كان لا بد أن نسير في الأرض فلا بد أيضا أن نعرف كيف نسير؟ ولماذا نسير؟

 

م. البريجاوي
  • عبير الإسلام
  • إليك أخي ...
  • فقه الأسرة المسلمة
  • تدبرات قرآنية
  • في رحاب النبوة
  • كتب
  • أطياف الهداية