اطبع هذه الصفحة


نصائح خطابية للدعاة الخطباء

م. عبد اللطيف البريجاوي

 
في خضم هذا العالم المليء بالفتن والامتحانات ، وفي خضم هذا الغزو الموجه لتحطيم عقائدنا وأفكارنا وقيمنا ، تبرز أهمية خطبة الجمعة في حياتنا نحن المسلمين كإحدى وسائل التحصين والتوعية في حياة الأمة المسلمة .
وتبرز أهميتها من كون الحاضرين قد أتوا طواعية استجابة لأمر الله عزّ وجلّ الذي قال (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا البَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ))-الحمعة الآية9-
ومنصاعين لمر رسول الله صلى الله عليه وسلم (( من ترك ثلاث جمع تهاوناً طبع الله على قلبه ))
ولأن هؤلاء المصلين قد هيؤوا أنفسهم لتلقي أوامر الله عزّ وجلّ ترى أكثرهم قد اغتسلوا وتطيبوا وأتوا إلى المساجد بوجوه باشة وثياب نظيفة ، واستكملوا أتم ما يملي عليه الذوق السليم من نظافة المظهر الذي يدل على نظافة الباطن.
ومن منطلق الحرص على الدين لابدّ أن نعني الخطباء أهمية دورهم في التذكير بالمنهج القرآني فهماً وتطبيقاً ، وهذا مبدأ السير إلى وحدة الصف الإسلامي .
مع قصر المدة الزمنية ومع كون الفرصة المتاحة لهم ليست سوى هذه الدقائق القليلة ، فإن الكلمة الطيبة و الفكرة الصحيحة يفعلان فعلهما دوماً وكما يقول المفكرون أن لا شئ يضيع ولا شئ يفنى وأن الكلمة تفعل فعلها ولو بعد حين وهذا مصداق قوله تعالى : (( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ )) ابراهيم 24،25

وحتى تكون هذه الخطبة أو تلك ناجحة موفقة لابد لها أن يتكامل فيها بعض الأفكار الهامة :
1. الإخلاص والصواب :
فالإخلاص : هو أن يكون العمل لله وحده سبحانه .
والصواب : هو أن يكون العمل موافقاً للشريعة الإسلامية .
والأعمال المقبولة عند الله عزّ وجلّ لابد أن يتحقق فيها شرطان هما الإخلاص والصواب ..
ودائماً يقدم العلماء الإخلاص على كل الأعمال لأن الأعمال غالباً لاتثمر إلا به ، ولكن الحقيقة أن المستمع يهمه الصواب ، فالإخلاص خاص بالخطيب وأما ما يتكلمه ويشيعه بين الناس هو الذي يهم هذه الشريحة أو تلك .
والدليل على أن بعض الخطباء يكونون غير مخلصين رغم انتفاع الناس بهم الحديث المتفق عليه : (( يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه (أمعاؤه) فيدور بها كما يدور الحمار في الرحى فيجتمع إليه أهل النار فيقولون : يا فلان ما لك ألم تك تأمر بالمعروف وتنه عن المنكر ، فيقول بلى كنت آمر بالمعروف ولا آتيه وأنهى عن المنكر وآتيه ))
فالمخلص ينفعه إخلاصه لكن صوابه ينفع الناس أكثر من إخلاصه ولكن التركيز على الصواب والإخلاص فيه البناء والنجاة.

2. مخاطبة الناس على قدر عقولهم :
وهذا أمر مطلوب ، لكن الاستمرار على ذلك قد يكون سبباً في عدم الارتقاء بهم ، إذ لا بد للخطيب أن يلاحظ تطور نفسه أولاً ثم تطور الحضور عنده . أما إذا اقتصر على أنه يريد أن يخاطبهم على مقدار عقولهم ومقدار معارفهم فقط فلن يرتقي بهم ، ويصبح الأمر الخطابي بعد فترة أمراً روتينياً عند الخطيب ، ومقيتاً عند المستمعين.
ولقد كان يقال لنا في بداية توجهنا في الخطب الفكرية إنها مواضيع صعبة وشاقة ، ولكن بعد فترة .. أصبح الأخوة يطالبون بتحسين الخطب والارتقاء بها بالإضافة إلى أنها كانت تعطي مادة بحث يتناولها المصلون بعد خروجهم من المسجد وربما لأيام عديدة.

3. خطبة واحدة وموضوع واحد :
قد يرغب بعض الخطباء في خطبة الجمعة أن يتكلموا في عدة مواضيع ، وعدة أفكار بحجة أن دروس العلم قليلة ، وأن الناس لا يحضرونها وهذا صحيح لكن النتائج في مثل هذه الأفعال لا تتحقق على الوجه الأمثل حيث يتشتت المستمع ، ولا يعي المراد من الكلام .
ولقد قمنا ببعض التجارب في بعض الخطب حيث تكلم الخطيب في موضوع واحد ، وحكم فقهي واحد ، وعند سؤال عدد من المستمعين عن ماذا تكلم الخطيب كانت النسبة الكبيرة منهم تذكر الحكم الفقهي في بداية الأمر ثم أطرافاً من الموضوع .
وهذا التركيز على الموضوع الواحد دون أي شئ معه كانت النتائج مبهرة حيث كان الجواب عن الموضوع نفسه.

4. الوقت المثالي للخطبة هو أن يدرك الخطيب المستمعَ قبل أن يتخالج في نفسه ويسأل نفسه متى سينتهي الخطيب:
وهذه عادة تحصل بعد /20 / دقيقة غالباً وفي بعض المساجد بعد /30 / دقيقة وقد قرر علماء النفس أن الذاكرة القريبة هي بين /15-20 / دقيقة .
لذلك لابد للخطيب أن يتدارك هذا الاستعداد الذهني لدى المستمعين خلا هذه الدقائق الأولى فيزرع ما يريد زرعه ويستنبت ما يريد استنباته .

5. عدم ارتكاس الخطيب إلى ما يتكلم به الناس :
حيث أنه من المعلوم أن مطالب الناس كثيرة ، وأن إرضاءهم لا يدرك وقد يريد بعض الأخوة أن تسير الخطبة في اتجاه محدد ويريد بعضهم غير ذلك .
فالخطيب الناجح لا يرتكس لما يقولون لكنه ينتقي من كلامهم ما فيه المصلحة العليا .

6. أزمة المسلمين أزمة فكر: لماذا وما الدواء ؟
ولن تستيقظ الأمة إلا إذا أوقظ فكرها ، وهذا طبعاً يحتاج إلى وقت لكن كثيراً من الناس يقولون لك – أو للخطيب – أن الخطبة ليست عاطفية ، وهي جافة ...
ربما يكون الكلام صحيحاً ، لكن في الحقيقة العاطفة لاتموت مهما طالت فترة عدم استثارتها ، لأنها مكنونة وسريعة الجيشان ، أما الفكر فهو الذي يحتاج إلى جهد وجلد ونحت وصبر .
في تجربة لنا : أننا خطبنا حوالي ثلاثة أشهر خطباً فكرية ، وبعد ذلك خطبنا خطبة عاطفية فكانت النتائج العاطفية مثيرة للغاية فالعاطفة لم تمت ولو طالت فترة استثارتها .
لماذا ؟ لسيطرة الفكر الغربي ، سبب هذه السيطرة هو الاستعمار السياسي الذي يتولد عنه الانهزام النفسي والفكري ولهذا فأرى أن الأزمة هي نفسية ذهنية قبل أ ن تكون فكرية أي أفكار ومبادئ ، ولكن نستطيع أن نقول أنه يعرض رأي والرأي الآخر فعله هذا الانهزام تخف وطأته .

7. تجنب الأمور الخلافية التي تثير الشحناء والبغضاء والحساسية :
مهمة الخطيب الأساسية هي توحيد صفوف المسلمين وإزالة أسباب الشقاق بينهم.
وإن طرح أي مسألة تؤدي إلى خلاف وشقاق بين المسلمين تكون بمثابة مسمار نعش لحياة هذا الخطيب الخطابية إذ أنه لا يسير مع الأهداف المثالية والأهداف العليا للإسلام .
وتجنب مثل هذه الأمور يُشعر الحضور أن الخطيب لا يدعو إلى فكر معوج ، ولا يدعو إلى تعصب ، فهذا التجنب يجعل استقبال الناس لكلامه استقبالاً جيداً ومقبولاً.

8. إن نقد خطبة يخطبها الخطيب يجب أن يُفهم منه أنه ليس نقداً للخطيب.

9. ولعل هناك كثيراً من الأمور الأخرى المفيدة للخطيب،قد ذكرها بعض ونكتفي بهذا القدر.

والله ولي التوفيق


 

م. البريجاوي
  • عبير الإسلام
  • إليك أخي ...
  • فقه الأسرة المسلمة
  • تدبرات قرآنية
  • في رحاب النبوة
  • كتب
  • أطياف الهداية