اطبع هذه الصفحة


رمضان مــنـّـة ربـانـيــة

م. عبد اللطيف البريجاوي

 
الحمد لله الذي أكرمنا بشهر رمضان وعلمنا قراءة القرآن و جعلنا من أمة النبي العدنان
والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :

شهر رمضان شهر الصيام والقرآن , والرحمة والغفران , تفتح فيه أبواب الجنان , وتغلق فيه أبواب النيران وتصفد الشياطين , وينادى يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر من أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه , ومن أدى فيه نافلة كان كمن أدى فريضة فيما سواه من فطر فيه صائما كان له من الأجر مثل أجر الصائم ...

كل هذه الصفات التي في رمضان والتي تميزه عن باقي الشهور القمرية , قد غاب أكثرها عن أذهان المسلمين فقد ترى البعض منهم ينظر إلى الصيام على أنه حمل ثقيل , وجوع وعطش , وامتناع عن المباحات فلا يعرف كيف يغيب ظل المؤذن وهو يصعد درجات المئذنة كي ينادى بأذان مغرب قد طال انتظاره ,وزاد بعده .

يستيقظ الواحد منهم على سحوره , وهو مغمض العينين , ممتعط الوجه , شاكيا في قلبه على هذا الضيف الذي أقلق (روتينه ) اليومي فأيقظه في غير موعد استيقاظه , وغير له أوقات وجبات طعامه المقدسة , فيقضي وقت سحره مستغرقا بالتهام الطعام , مقدما على أنواع الشراب وكأنه سفينة الصحراء تغب الماء لتقطعه , ويسير في يومه الرمضاني هذا متأفئفا لا يدري كيف يقضيه فأكثر أوقاته في السوق يسعى إليه متشوقا وكأنه حبيب طال انتظاره , يتصفح وجهه مرة أو مرتين .
فإذا جاء إلى بيته قبل الإفطار صرخ في وجه أهل بيته , وأطفاله وصاح بهم , وقلب البيت على رؤوسهم وجعل البيت نارا تلتهب لتشوي قلوب أهله , فينضج الطعام وينضج معه قلوب تنفر من رمضان لسوء خلق رب أسرتهم .
وإذا جاء الإفطار جاء الفرج الذي ينتظره فيجمع كل أنوع الطعام على مائدته ويسعى جهده لالتهامها فيكثر الطعام والشراب فيتثاقل عن صلاة القيام فيضع رأسه لينام .
فإذا استيقظ أسرع ليلتقط على شاشات الرائي ما يقضي به وقته المبارك وينتقل من بلد إلى بلد ومن دولة إلى أخرى حتى يشتت وقته ويمزق فكره وينسى واجباته وينسى معها مشاكل الأمة .

وهكذا يسير في رمضان متأملا أن يصوم تسعا وعشرين بدلا من ثلاثين وينتظر أن يثبت هلال شوال في بلد من البلدان لتعم فرحته ويتم سروره فإذا رأيته بعد عيد الفطر وكلمته عن رمضان قال لك والألم يعتصر قلبه : الله الله في رمضان أيام مباركة ونفحات ربانية يا ليت كل العام رمضان ما أجمل الصيام والقيام و ما أحلى نسيمات السحر وصلاة الفجر !!!
هذا حال الأعم الأغلب من الأمة
شرود في رمضان وزهد عن رمضان وتأوه من رمضان
لماذا وصل المسلمون إلى هذا الحال في التعامل مع رمضان ؟؟
لماذا و هو محطة خير لا نقف عندها وطاقة عظيمة لا نستغلها الاستغلال الأمثل ؟؟
الحقيقة أن السبب الرئيس في ذلك هو نظرة المسلمين لرمضان !!
فأغلب المسلمين اليوم ينظرون إلى هذا الشهر على أنه فرض من الفروض وأنه يجب أن نؤديه بأي وسيلة وطريقة و بالتالي يستثقلونه ويملون منه ويرجون بعاده

لذلك كان من أهم أسباب معالجة هذه الحالة هو تغيير نظرة المسلمين إلى رمضان من جهتين :
1- أن شهر رمضان ليس فرض فقط بل هو منة من الله سبحانه وتعالى منة منّها الله على هذه الأمة المبارك
لأنه يحبني ويحبك جعلنا من أمة النبي العدنان عليه السلام " لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم .."
ولأنه يحبني ويحبك أكرمنا بشهر رمضان المبارك " ويريد الله أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما " النساء
ففي رمضان فرصة عظيمة للتوبة والإنابة إلى الله , " ورمضان إلى رمضان كفارة لما بينهما ... " أحمد
فرصة لإزالة أدران عام كامل وفتح عهد جديد مع الله ,
هكذا يجب أن نفكر أن رمضان منّة من الله وعطاء من الله وكرم من الله وليس مجرد فرض فرضه الله علينا لنجوع ونعطش .

2- يجب أن ننظر إلى رمضان على أنه فرصة عظيمة لإطالة العمر ومضاعفة الأجر
فمن عدل الله سبحانه وتعالى أنه بارك لهذه الأمة في كثير من أوقاتها وأعمالها حيث كان الواحد من الأمم السابقة يعيش المئات المعدودة من السنين لكن أعمار هذه الأمة قصير جددا " أعمار أمتي بين الستين إلى السبعين " الترمذي
لكنه جعل من كرمه وعدله سبحانه لهذه الأمة أوقات مخصوصة يضاعف له فيها الأجر والثواب .
فيجب أن ننظر إلى هذا الشهر على أنه فرصة لإطالة العمر فمن أدى فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه فهذا من وجه معناه فرصة لإطالة العمر
ومن يدرك ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر وعمره مثلا عشرين سنة يصبح عمره في طاعة الله ثلاثة أعوام بعد مائة وهكذا
ومن فطر صائما في كل يوم من شهر رمضان كأنه صام رمضان مرتين وهذا في أحد وجوهه إطالة للعمر وهكذا
إن المسلمين عندما نظروا إلى رمضان على أنه مجرد فرض فقط , وأنه مجرد جوع وعطش ضاعت تأثيرات رمضان في حياتهم وانعكس ذلك على سلوكهم سلبيا في حياتهم وابتعدوا عن النهج النبوي السليم في رمضان .
فيا أكرم الأكرمين من علينا بفهم حقيقة رمضان وأعنا على استثماره الاستثمار الأمثل واجعلنا فيه من المقبولين
آمين والحمد لله رب العالمين .
 

م. البريجاوي
  • عبير الإسلام
  • إليك أخي ...
  • فقه الأسرة المسلمة
  • تدبرات قرآنية
  • في رحاب النبوة
  • كتب
  • أطياف الهداية