اطبع هذه الصفحة


إليك أخي

جواهرَ الهداية

م. عبد اللطيف البريجاوي

 
الجوهرة الثالثة ..
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم


من ترك السنة من يده فقد ترك الميزان..
وهل تستقيم الحياة بلا ميزان..!
وهل تصلح المقادير ... بلا وزن .. !
انظر إلى الطعام.. كيف تجتمع المقادير فتشكل لقمة هنية فإن زاد بعض المقادير على بعض مجّته النفس ورمته..
فكيف لا تمج نفسُك .. مقاديرَ الحياة .. ولم توزن بميزان السنة..
وكيف تَصلح حياتُك .. وقد اختلطت المقادير عليك ...
أم كيف تهنؤ بعيش ... وأنت تعلم بسوء تقديرك.
وكيف ترنو لحياة.. فقدت اتزان مقاديرها.
{ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ }الرعد8
لو ذهبت إلى طبيب فأعطاك الدواء ثم حذر قائلاً " لا تزد على هذا المقدار ولا تنقص " تراك هل تسمع كلامه أم لا ..
فلماذا لا تأخذ وتستجيب إلى ميزان الكون كله صلى الله عليه وسلم وهو يدعونا لما يصلحنا وينجينا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ }الأنفال24
ولما وقف البخاري أمام يحيكم فسرها بقوله: يصلحكم فالاستجابة لله و للرسول ... حياة وصلاح..
ومن لا يستجيب..
يكن ميتاً وفاسداً..
فمع من أنت .. وبأي ميزان تزن حياتك..
هل قرأت إحصائية عن أكثر اسم مستخدم في العالم..
إنه ليس جورج وليس خالد
إنه محمد ومحمود وأحمد .
أكثر من 30% من سكان العالم يتسمون بهذا الاسم..
ألم يقل الله : {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ }الشرح4
تعلق بالمرفوع تُرفع... {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ }الشرح4
وتعلق بالهابط تهبط.. {قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ }الأعراف13
ليست المشكلة أن تكون من تعداد المسلمين
ولكن المشكلة أنك دخلت الإيمان وقرعت بابه ولكنك لم تقف عند من دلّك على الإيمان وأرشدك إليه ..
الذي دلّك على الإيمان .. هو محمد صلى الله عليه وسلم
الذي دلّك على الجنة هو محمد صلى الله عليه وسلم
الذي دلك على اجتناب النار هو محمد صلى الله عليه وسلم
عَنْ جَابِرٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَوْقَدَ نَارًا فَجَعَلَ الْجَنَادِبُ وَالْفَرَاشُ يَقَعْنَ فِيهَا وَهُوَ يَذُبُّهُنَّ عَنْهَا وَأَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ عَنْ النَّارِ وَأَنْتُمْ تَفَلَّتُونَ مِنْ يَدِي "مسلم /4236 /
و يا ترى من يفلت من الحبيب ويقع في النار.. إنه الخفيف الطائش الفراش والجنادب..
الفراش التي تطير ولا ترى أبعد من أنفها
فتظن النار ضياءً..
والجنادب التي تقفز على غير بصيرة..
وتظن النار ماءً..
فما بال الجنادب والفراش قد كثر
ما بال الخفة والطيش قد عمتا وطمتا...
هل ترى أروع من رجل يجذبك جذباً إلى الجنة وأنت معرض
أم رأيت أروع من رجل يبكي لأن نفساً يهودية اسلمت روى البخاري عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ غُلَامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَرِضَ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ: " لَهُ أَسْلِمْ " فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنْ النَّارِ " البخاري /1268/

فهل بكيت على نفسك لأنك لم تلحق بركب الحبيب الطبيب..
أم رأيت أروع من رجل... يواعد أصحابه بالجنة
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال :
" أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ " متفق عليه
فهل أنت جاهز لهذا الموعد وهل أنت مستعد له وراغب فيه ؟
أم أنت متخلف عن هذا الموعد ... وراغب عنه ؟
فهو صلى الله عليه وسلم لن يتخلف ولن يتأخر ..
{فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ }إبراهيم47
لكن حسرة علينا.. إن تخلفنا عن الموعد فقد يكون فات القطار وقُضي بين الناس فسعد من سعد وشقي من شقي..
هل جربت أن تعيش معه يوماً وليلة..
إنك إن جربت .. لم تعد تحتمل الفراق..
لقد كان بعض الصالحين يقول " لو غاب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم لحظة لأعددت نفسي من المنافقين"..
غيابه عنك هو غياب سنته في حياتك..
فلا تقوم ولا تقعد إلا وله سنة في ذلك..
إن نمت أو استيقظت كان معك في سنته عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ قَالَ :
" بِاسْمِكَ أَمُوتُ وَأَحْيَا وَإِذَا قَامَ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُورُ " البخاري /5837 /
إن دخلت الخلاء فله سنة في ذلك . كَانَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ِذَا دَخَلَ الْكَنِيفَ قَالَ : " اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْخُبْثِ وَالْخَبَائِثِ " مسلم /536/
إن خرجت منه كان كذلك له سنة " عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَرَجَ مِنْ الْخَلَاءِ قَالَ : " غُفْرَانَكَ " قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ الترمذي /7 /
إن فعلت و فعلت فإن له في كل حركة سنة
وفي كل سكون إرشاد
فهل عشت في هذه السنة وهذا الإرشاد
إنك إن عشت فيهما... كنت حياً حق الحياة
وكنت صالحاً حق الصلاح..
لقد سمعت منشداً يقول مرة.. لم هجرتنا يا حبيبي
وهل يهجر الحبيبُ الرحمةُ .. أحداً..
فلم نسيء الأدب .. ونرمي غيرنا بتقصيرنا..

في كل قلبٍ مسلم حبٌ لهذا النبي العظيم ولم لا وهو صلى الله عليه وسلم الرؤوف الرحيم الحريص على هذه الأمة
{لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ }التوبة 128
ولكن منهم من ذاق هذا الحب.. فتلذذ به وصبغ به حياته .
ومنهم جعل ذلك الحب مجرد صلاة عليه إذا ذكر اسمه أمامه لا يستمتع بحب ولا يأبه لسنة
ومنهم من لا يعرف أن هناك حبا في قلبه لهذا النبي فه لا يأبه به ولا يلتفت إليه
هل أدلك على طرق تستخرج بها حب رسول الله صلى الله عليه وسلم من قلبك ؟
أولى هذه الطرق : ما فعله أحد مدرسي التربية الإسلامية مع طلابه
قال لهم - يريد أن يحفزهم- : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيزورني اليوم في بيتي .
فليكتب كل واحد منكم رسالة يوجهها لهذا النبي العظيم.. الزائر الكريم
هل تعرف ماذا حصل ؟
لقد فجرت هذه الكتابة وهذه الرسالة ما لم تفجره الخطب والكلمات والمواعظ والمحاضرات
فأحدهم كتب : " إليك يا حبيبي رسالتي المفعمة بالخجل أنا مقصّر ولكني أعدك أن ألتزم "
وآخر كتب فقال : " كم أتمنى أن أنظر إلى وجهك الوضّاء "
إلى آخر قدم الاعتذارات المفعمة بالشوق عن الاساءات المتكررة من المسلمين لهذا الدين..
وهكذا..
ولو نظرت إلى عين المدرس وهو يقصّ علينا قصة هذه وحيلته الجميلة في استخراج هذا الحب الكامن لرأيت كيف كانت عينه تدمع
هل جربت أن تخلوَ لوحدك بينك وبين نفسك وتكتب رسالة لهذا النيي العظيم الرؤوف الرحيم
ما هي الرسالة التي توجهها إلى حبيبك محمد صلى الله عليه وسلم..
هل فكرت ...
فكر بجدية بعض الشيء ستجد نفسك شيئا فشيئا تقترب من الحقيقة التي تنعش فؤادك بحبه صلى الله عليه وسلم
إنك إن فعلت
أيقظت هذا الحب النائم للذي أنقذك من النار في قلبك
اجعل حياتك لها طعم خاص بسنته المباركة..
فتذوق بذلك طعم الحياة الحقيقية وطعم الصلاح وطعم الطهارة
أم أدلك على طريقة أخرى .. إن فعلتها أيقظت هذا الحب في صدرك..
أكثِرْ من ذكره والصلاة عليه صلى الله عليه وسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا " مسلم /616/
إنّ الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في مضمونها حبٌّ لهذا المرشد العظيم والنبيِّ الكريم، واعترافٌ بالجميل، وأملٌ باللقاء به يوم الدين .
فإنك إن فعلت ذلك أحييت حبه في قلبك..
وما زلت أتعجب كيف يكون حب هذا النبي العظيم في صدور المسلمين نائماً.
أم كيف يكون هذا الحب حباً خجولاً متوارياً مختفياً.. وهو الذي لا تجد في حياته غموضاً ولا مواربة.
إن أهل الباطل يذكرون أصحابهم.. وهم على باطل.. فكيف لا يذكر أصحاب الحق... نبيهم وما عنده إلا الحق صلى الله عليه وسلم.
أم أدلك على طريقة ثالثة إنك إن فعلتها أحييت حب الحبيب
تذكر الرعيل الأول ومقدار محبتهم له صلى الله عليه وسلم
وتذكر عندما قال أبو سفيان قبل أن يسلم لخبيب بن عدي عندما صلبه :
أتحب أن يكون محمداً مكانك ؟
فما كان منه إلا أن قال: لا أحب أن أكون في بيتي آمناً ومطمئناً ويشاك محمد في يده بشوكة واحدة.
ما مقدار الشوكة.
لم يكونوا يرضوها لرسول الله صلى الله عليه وسلم..
لقد كانوا يحبونه أكثر من أموالهم وأولادهم وحتى من أنفسهم
عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ هِشَامٍ قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ ي: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا مِنْ نَفْسِي فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
" لَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ " فَقَالَ لَهُ عُمَرُ فَإِنَّهُ الْآنَ وَاللَّهِ لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الْآنَ يَا عُمَرُ "البخاري / 6142/
تذكر هذا الرعيل الأول ومقدار حبهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم
على رسلك...
هل جربت هذه الأدوية الثلاثة... لتعيش معه صلى الله عليه وسلم...
إنك إن فعلت لا محالة ستصل إلى محبته
وتذوق طعم القرب منه ومن سنته
وتكون حيا حق الحياة وصالحا حق الصلاح
فإن لم تصل إلى هذه المحبة..
فابك على نفسك ..
لأنك لن تكون معه هناك ...
هناك في الجنة لأن " المرء مع من أحب "متفق عليه

حار فكري لست أدري ما أقول
أيُّ طهر ضمَّه قلب الرسول
أيُّ نور قد تجلى للعقول
أنت مشكاة الهداية
أنت نبراس الوصـول..

 

م. البريجاوي
  • عبير الإسلام
  • إليك أخي ...
  • فقه الأسرة المسلمة
  • تدبرات قرآنية
  • في رحاب النبوة
  • كتب
  • أطياف الهداية