اطبع هذه الصفحة


إليك أخي

جواهرَ الهداية

م. عبد اللطيف البريجاوي

 
الجوهرة الخامسة عشرة
وظائف يوميّة...


هل كتبت وظيفتك..؟.. سؤال نطرحه على أولادنا.. في كلِّ يوم من أيَّام المدرسة..
في الشرع الحنيف فرائض يوميّة كالصّلاة، وبرّ الوالدين......
فرائض سنويّة كالصوم والزكاة وفرائض في العمر مرَّة كالحجِّ..
في الشرع أيضاً وظائف يوميّة إن أدَّاها الإنسان اقترب من الكمال وارتقى سلَّم الوصال وأيَّد إيمانَه على شيطانه.
لكنَّ كثيراً من الناس يمرُّ على هذه الوظائف ويعتبرها من الترف الإيمانيّ وهي في حقيقتها وظيفة إن أديتها عشت الحياة الطيِّبة التي وعد الله بها عباده...
{مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } (النحل97)

من هذه الوظائف:

1- التوبة والاستغفار:
لو دقَّقنا في حياة الرسول الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم لوجدنا في حياته عبادة يوميَّة لا يتركها وهي عبادة الاستغفار والتوبة..
فبعد كلّ صلاة كان يقول «أستغفر اللهَ أستغفر اللهَ أستغفر الله».
وبعد الخروج من الخلاء يقول «غفرانك».
فعن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم إِذَا خَرَجَ مِنْ الْخَلَاءِ قَالَ «غُفْرَانَكَ» (الترمذي /7/)
كانوا يعدَّون له في المجلس الواحد أكثر من سبعين مرّة استغفاراً..
علّم الصحابة سيّد الاستغفار عند الصباح وعند المساء... فعن شَدَّادِ بْن أَوْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ قَالَ وَمَنْ قَالَهَا مِنْ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَمَنْ قَالَهَا مِنْ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ»( البخاري 5848)
وهكذا ترى أن لهذه العبادة دورها ومكانتها في حياته صلى الله عليه وسلم. إنّها أشبه بالوظائف اليوميّة التي يؤدّيها الإنسان.. هذه الوظائف ليست ترفاً ايمانيّاً، إنّما تأنّق ايمانيّ يعيش الإنسان منه حالات القرب من الخالق سبحانه..

2- الصدقة:
ومن الوظائف اليوميّة الأخرى التي هي بمنْزلة التأنّق الإيمانيّ: الصدقة؛ فهي عبادة يوميّة، وبعض الناس يظنّها عبادة عند السؤال فقط... وهذا خطأ كبير فلقد وجَّه النبيُّ عليه الصلاة والسلام إلى أنَّ الصدقة هي وظيفة يومية...
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: «مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا وَيَقُولُ الْآخَرُ اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا» (البخاري/1351/)
ففي كلّ يوم هناك عبادة الصدقة...
فعن عَدِي بْن حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:«اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ»( البخاري/1328/)
وشقّ التمرة لا يقيم أوداً ولا يسدُّ جوعاً.. لكن هذا الحديث يعلِّم كيف يدخل الإنسان في هذه العبادة اليوميّة ولا يقطع نفسه من هذه الوظيفة ولو أن يتصدّق بشقّ تمرة..

طريقة عمليَّة:
هل أدلّك على طريقة عمليّة تتلبَّس فيها دوماً بهذه العبادة العظيمة؟!
ضع في بيتك صندوقاً صغيراً اكتب عليه صندوق الصدقة...
وفي كلّ صباح ضع في هذا الصندوق.. ولو خمس ليرات أو حتّى ليرة واحدة لتتلبَّس بهذه العبادة..
فإذا امتلأ الصندوق خذه ووزِّعه على الفقراء..
إذا عصيت الله في يوم من الأيام... اسرع إلى الصندوق وامح خطيئتك بصدقة تدفعها...
فعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ وَأَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ»( الترمذي وقال هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ )
{وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ } (الرعد22)
إن خانك بصرك يوما على شاشة التلفاز فأسرع سرّاً إلى هذا الصندوق وادفع فيه ما يسارع في محو خطيئاتك واستجلاب رحمة خالقك.
إن لم تستيقظ يوماً على صلاة الفجر (وقلَّما تفعل ) أسرع إلى الصندوق مستغفراً تائباً.
وهكذا تتلبَّس بهذه العبادة العظيمة وتؤدِّي في كلّ يوم وظيفتك على الشكل الأمثل والأكمل.

3- قراءة ما تيسر من القرآن الكريم:
من الوظائف اليوميّة في حياة المسلم قراءة ما تيسَّر من القرآن الكريم وهو أمرٌ يعتبر أساسيّاً في حياة كلِّ مسلم.
{إنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } (المزمل20)
فقراءة القرآن بشكل يوميّ هي بوجه من وجوهها تمسُّكٌ يوميّ بالدستور الربانيّ وتأكيد وإعلان للملأ أنَّ المنطلق والمستقرّ في حياة المسلم هو كتاب الله عز وجلّ...
بالإضافة إلى الثواب العظيم الذي وعد الله تعالى به قارئ القرآن...
فعن عَبْد اللَّهِ بْن مَسْعُودٍ رضي الله عنه قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا لَا أَقُولُ الم حَرْفٌ وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ»(الترمذي وقال هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ )

وقراءة القرآن.. أنسٌ بالله وجلوسٌ إليه وقدومٌ على مائدة الله سبحانه وتعالى فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود أنه قَالَ: " إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ مَأْدُبَةُ اللَّهِ فَتَعَلَّمُوا مِنْ مَأْدُبَتِهِ مَا اسْتَطَعْتُمْ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ حَبْلُ اللَّهِ وَالنُّورُ الْمُبِينُ وَالشِّفَاءُ النَّافِعُ عِصْمَةٌ لِمَنْ تَمَسَّكَ بِهِ وَنَجَاةٌ لِمَنْ اتَّبَعَهُ لَا يَزِيغُ فَيَسْتَعْتِبُ وَلَا يَعْوَجُّ فَيُقَوَّمُ وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ وَلَا يَخْلَقُ عَنْ كَثْرَةِ الرَّدِّ " الدارمي
قراءة القرآن.. نورٌ في القلب و إعمارٌ له.. فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«إِنَّ الَّذِي لَيْسَ فِي جَوْفِهِ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ كَالْبَيْتِ الْخَرِبِ" (الترمذي و قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ)
وقراءة القرآن.. منهج قويم وصراط مستقيم...
{قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (يوسف108)
إن قراءة القرآن بشكل يوميٍّ تعين المسلم على التمسُّك بدينه وتجلي له التاريخ وترسم له المستقبل وتؤكّد له أنَّ البقاء للتقوى والدوام للحقّ لذلك نرى حرص المربِّين على هذه الوظيفة اليوميّة لكلّ مسلم.
 

م. البريجاوي
  • عبير الإسلام
  • إليك أخي ...
  • فقه الأسرة المسلمة
  • تدبرات قرآنية
  • في رحاب النبوة
  • كتب
  • أطياف الهداية