اطبع هذه الصفحة


ذوقيّات ما قبل الزيارات

م. عبد اللطيف البريجاوي


للزيارة في الإسلام آدابها وسننها الظاهرة والتي بالتزامها من جميع الأطراف تحقق توازناً في العلاقات يريح الجميع ويوصل هذه العلاقات إلى برّ الأمان وشاطئ السلامة, كما أنّه يسمو بهذه العلاقات إلى درجة عالية من الرقيّ والحضارة والآداب بحيث يشعر الإنسان بأخيه قبل أن يشعر بنفسه:

1- عدم الذهاب بدون إذن مسبق:
من العيوب التي تطال بعض المسلمين أنّ الواحد منهم لا يأخذ موعداً لزيارته ولا يحدد لها وقتاً ولا زمناً, بل يقرع الباب فجأة على صاحبه,ممّا يعرّض أهل البيت لضيق وحرج فربما كانوا غير مهيئين لاستقبال أحد, أو كان الرجل في وضع مع زوجته لا يسمح له باستقبال أحد وغير ذلك من أنواع وأشكال الحرج التي تتعدد وتتنوع بتنوع أشكال وأشغال الناس, ولذلك حرص الإسلام على عدم الذهاب إلى أحد دون إذن مسبق أو دخول بيته بلا استئذان عليه, وهذا ما عبر عنه الإسلام بالاستئذان فعن أبي سَعِيدٍ الخُدرِيّ قال: كُنَّا فِي مَجلِسٍ عِندَ أُبَيِّ بنِ كَعبٍ فَأَتَى أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ مُغْضَبًا حَتَّى وَقَفَ فَقَالَ: أَنْشُدُكُم اللَّهَ هَلْ سَمِعَ أَحَدٌ مِنْكُمْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:\" الاستِئْذَانُ ثَلاثٌ فَإِن أُذِنَ لَكَ وإِلَّا فَارجِعْ \". قَالَ أُبَيٌّ: وَما ذَاكَ قَالَ: استَأذَنتُ علَى عُمرَ بنِ الخَطَّابِ أَمسِ ثَلاثَ مرَّاتٍ, فَلَم يُؤذنْ لِي فرَجعْتُ ثُمَّ جِئتُهُ اليَومَ, فَدخَلتُ علَيهِ, فَأَخبَرتهُ أَنِّي جِئْتُ أَمسِ فَسَلَّمْتُ ثَلاثًا ثُمَّ انْصرَفْتُ قَالَ: قَدْ سَمِعنَاكَ وَنَحن ُ حِينَئِذٍ عَلَى شُغلٍ فَلَو مَا استَأْذَنتَ حَتَّى يُؤْذنَ لَكَ, قَالَ: اسْتَأْذَنْتُ كَمَا سَمعتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ فَوَ اللَّهِ لأُوجِعَنَّ ظَهْرَكَ وبَطنَكَ أَو لَتَأْتِيَنَّ بِمَن يَشْهَدُ لَكَ عَلَى هَذَا فَقَالَ أُبيُّ بنُ كَعبٍ: فَو اللَّهِ لَا يَقُومُ مَعكَ إِلَّا أَحدَثُنَا سِنًّا, قُم يا أَبَا سَعِيدٍ, فَقُمتُ حَتَّى أَتَيْتُ عُمرَ فَقُلتُ قَد سَمِعتُ رَسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يَقُولُ هذَا (متفق عليه).
وهذا الاستئذان بالزيارة يتغيّر شكله عبر العصور فكان سابقاً عبر الوقوف على الباب وطلب الإذن بالدخول, أما اليوم فإنّ وسائل الاتصالات الحديثة من هواتف وغيرها تحلّ محلّ الاستئذان بالقدوم أو عدمه, وإذا لم يجد الإنسان وسيلةً فإنّه يقرع الباب ثلاث مرات متباعدة بين كلّ واحدة مقدار ركعتين خفيفتين فإن لم يفتح له فعليه أن يعود من حيث أتى ولا يكرر الدقّ.\" لأنّ الزيادة على ذلك قد تقلق رب المنزل، وربما يضرّه الإلحاح حتى ينقطع عمّا كان مشغولاً به؛ كما قال النبيّ صلى الله عليه وسلم لأبي أيوب حين استأذن عليه فخرج مستعجلاً فقال: \"لعلنا أعجلناك...\".(تفسير القرطبي سورة النور الآية 27).
الموعد الهلامي:
ومن الملاحظ أنّ بعض الأشخاص يحدّد وقتاً هلاميّاً للزيارة فيقول: سأزورك بعد العشاء! وبعد العشاء وقت ممتد, وقد ينجز الإنسان فيه أعمالاً كثيرة قبل موعد الزيارة وبخاصّة في فصل الشتاء فيضطر المزور أن ينتظر ساعات طويلة بلا فائدة إلا أنّه ينتظر صاحبه الذي لم يحدد له موعداً دقيقاً.

إضاءة:
تحاول بعض الحماوات أن يزرن أزواج أولادهنّ بغير إذن حتى يرين وضع بيوتهنّ, إنّ هذا العمل مخالف للذوق الإسلاميّ السليم, والحماة التي تفعل ذلك لا تستحقّ أن تكون مربيّة.

2- دق الباب بلطف:

وهذا الصفة اللطيفة تعكس نفسيّة الزائر فإنّ الأثر في الأشياء يعكس نفسية المؤثر, فالقرع اللطيف يعبر عن نفسية الزائر اللطيفة والمحمّلة بالودّ واللباقة بالإضافة إلى أنّ الدقّ العنيف يقلق أهل البيت ويرعبهم, وربما استعجلهم في بعض أعمالهم التي ينجزونها\"وصفة الدقّ أن يكون خفيفاً بحيث يسمع، ولا يعنُف في ذلك؛ فقد روى أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كانت أبواب النبيّ صلى الله عليه وسلم تقرع بالأظافير\".(تفسير القرطبي سورة النور الآية 27).
ودقّت امرأة باب بيتٍ لأحمدَ بن حنبل بعنف وشدّة فخرج مسرعاً فلما رآها قال: إنّما هذا دقّ الشَّرِطة, وكان أصحاب محمد يقرعون باب بيته بأظافرهم \".

3- الاستئناس والاستئذان والسلام:

ومن الأمور المهمة بعد أن يفتح صاحب البيت باب بيته أن يستأذن القادم بالدخول فلا يدخل فجأة ولا عنوة ولا حياء, فقد استَأذَنَ رجل عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي بَيْتٍ فَقَالَ: أَلِجُ, فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : لِخَادِمِهِ اخْرُجْ إِلَى هَذَا فَعَلِّمْهُ الاسْتِئْذَانَ, فَقُلْ لَهُ:\" قُل السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ \" فَسَمِعَهُ الرَّجُلُ, فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيكُمْ أَأَدخُلُ ؟ فَأَذِنَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَدَخَلَ (أبوداود4508). وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ • فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَداً فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ }النور27-28

- التوافق الخفيّ:

ربط الله سبحانه وتعالى الإذن بالدخول بأمرين هما الاستئناس والسلام (الإذن بالدخول), فالاستئناس عمل القلب والسلام عمل اللسان وإذا لم يحصل بينهما توافق فإنّ الزيارة لن تحقق أهدافها, وربما ألحقت أضراراً بالطرفين, فقد يستقبلك صاحب البيت مُسلِّماً مرحّباً ولكنّك لا تشعر من خلال كلامه أو سلامه استئناساً لسبب من الأسباب ربما أحبّ ألا تعرفه وهنا تكمن الفطنة والنباهة بعدم إطالة فترة الزيارة إذا لم يتوافق الاستئناس مع السلام الذي هو الإذن بالدخول, فلا بد أن يكون بين الاستئناس والسلام توافق من الدرجة الرفيعة حتى تحقّق الزيارة أهدافها.

4- الرجوع في حال الطلب:
من أصعب الأمور على النفس الإنسانية أن يتحمّل الإنسان المشقّة ليقف على باب من أبواب أصدقائه وأقاربه فإذا به يقال له: ارجع إنا منشغلون, إنّ النفس الإنسانية تأبى هذا القول, وربما وقع الحرج للأطراف جميعاً, فربُّ البيت مشغول لا يستطيع أن يُدخل أحداً إلى بيته والزائر قد قطع المسافات ليزور أخاه في بيته أو معمله, وفي مثل هذا الموقف الحرج تدخّل الإسلام ليضع نظاماً عاماً لمثل هذه الحالات فأجاز للمزور إرجاع صاحبه وجعل من الرجوع للزائر تزكية وحسن خلق وترفعاً عن كلّ ما يفسد العلاقة بين الأطراف قال تعالى: {وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ }النور28

وعن قتادة قال: قال رجل من المهاجرين: لقد طلبت عمري كله هذه الآية فما أدركتها، أن أستأذن على بعض إخواني فيقول لي ارجع فأرجع وأنا مغتبط؛ لقوله تعالى: \" هو أزكى لكم \" (القرطبي سورة النور الآية 28).
والمسلم الحصيف لا يضع نفسه بهذا الموقف إذا كان ينزعج منه فلو أنه استأذن وأخذ موعداً للزيارة لتجنّب هذا الموقف الحرج.

5- عدم استقبال الباب بشكل مباشر:

من الذوقيّات المهمة عند الزيارة ألاّ يستقبل الزائر بابَ المزور بشكل مباشر, إذ قد يسرع أهل البيت بفتح الباب فيقع بصره على حرمة البيت وخاصة إذا لم يكن للأبواب ستور, أو كان موعد رجوع الأولاد فلا تحتاط ربّة البيت من القادم في هذا الوقت ظناً منها أنّ الأولاد قد عادوا ولذلك كان الذوق الإسلامي اللطيف أن لا يستقبل الزائر الباب مباشرة ولكنه يقف يمنة ويسرة فعَن عَبدِ اللَّهِ بنِ بُسرٍ قَالَ: \"كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَتَى بَابَ قَومٍ لَم يَستَقبِل البَابَ مِن تِلقَاءِ وَجهِهِ وَلكِن مِن رُكنِهِ الأَيمَنِ أَو الأَيسَرِ وَيَقُولُ: \"السَّلامُ عَلَيكُمْ السَّلامُ علَيكُمْ \".وَذَلِكَ أَنَّ الدُّورَ لَمْ يَكُن عَلَيهَا يَومَئِذٍ سُتورٌ .(أبو داود 4512).
وروي أنّ حذيفة جاءه رجل فنظر إلى ما في البيت فقال: السلام عليكم أأدخل؟ فقال حذيفة: أما بعينك فقد دخلت, وأمّا باستك فلم تدخل.(القرطبي سورة النور الآية 27).

6- أن يُعرِّف عن اسمه وكراهية أن يقول أنا:

وبذلك جاء الذوق الإسلاميّ الرفيع ليزيل اللبس الواقع في آذان المزورين فعن جَابِر بن عَبدِ اللَّهِ رضِيَ اللَّهُ عَنهُمَا قال: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي دَينٍ كَانَ عَلَى أَبِي فَدَقَقتُ البَابَ فَقَالَ:\"مَن ذَا\"فَقُلتُ:أَنَا فَقَالَ: أَنَا أَنَا كَأَنَّهُ كَرِهَهَا (متفق عليه).
قال في الفتح:\" وقال الداوديّ: إنما كرهه لأنّه أجابه بغير ما سأله عنه، لأنّه لما ضرب الباب عرف أنّ ثمّ ضارباً، فلما قال: أنا, كأنّه أعلمه أنّ ثَمّ ضارباً فلم يزده على ما عرف من ضرب الباب، وذكر ابن الجوزي أنّ السبب في كراهة قول \" أنا \" أنّ فيها نوعاً من الكبر، كأنّ قائلها يقول أنا الذي لا أحتاج أذكر اسمي ولا نسبي.(فتح الباري شرح البخاري).
وقال النوويّ: \"قال العلماء: إذا استأذن فقيل له من أنت ؟ أو من هذا ؟ كُره أن يقول: أنا لهذا الحديث، ولأنّه لم يحصل بقوله: (أنا) فائدة، ولا زيادة، بل الإبهام باق، بل ينبغي أن يقول: فلان، باسمه، إن قال: (أنا فلان) فلا بأس كما قالت أمّ هانئ حين استأذنت فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (من هذه ؟ فقالت: أنا أمّ هانئ. ولا بأس بقوله (أنا أبو فلان) أو (القاضي فلان) أو (الشيخ فلان) إذا لم يحصل التعريف بالاسم لخفائه. والله أعلم. (النووي على مسلم).
إضاءة:
يضاف إلى كلمة أنا في الكراهة أن يستخدم الزائر اسماً مشتركاً بينه وبين كثير من الناس, فيقع اللبس بين اسمه واسم غيره, كأن يكون لصاحب البيت عدة أصدقاء كلّ واحد منهم (أبو محمد) فإذا زاره فلا بد أن يضيف اللقب لاسمه حتى يعرفه أهل البيت.

7- عدم الذهاب قبل الوقت المحدد:

وبخاصّة عند وجود وليمة, فإنّ الحضور قبل الوقت المحدد يربك أهل البيت, ويدخل إلى عملهم التشويش وربما لم يجهّزوا مكان الجلوس للضيوف و ربما مازال ربّ البيت يريد شراء بعض الحاجات من السوق؛ لذلك نهى الإسلام أن يحضر الإنسان قبل الوقت المحدد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا}الأحزاب53
(غير ناظرين): منتظرين. (إناه): نضجه. (تفسير الجلالين).
\" قال ابن عباس: نزلت في ناس من المؤمنين كانوا يتحيّنون طعام النبيّ صلى الله عليه وسلم فيدخلون قبل أن يدرِك الطعام، فيقعدون إلى أن يدرِك، ثمّ يأكلون ولا يخرجون. وقال إسماعيل بن أبي حكيم: وهذا أدبٌ أدّب الله به الثقلاء. وقال ابن أبي عائشة في كتاب الثعلبيّ: حسبك من الثقلاء أنّ الشرع لم يحتملهم،....و قال ابن عطيّة: وكانت سيرة القوم إذا كان لهم طعام وليمة أو نحوه أن يبكّر من شاء إلى الدعوة ينتظرون طبخ الطعام ونُضْجَه. وكذلك إذا فرغوا منه جلسوا كذلك، فنهى الله المؤمنين عن أمثال ذلك في بيت النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ودخل في النهي سائر المؤمنين، والتزم الناس أدب الله تعالى لهم في ذلك، فمنعهم من الدخول إلا بإذن عند الأكل، لا قبله لانتظار نُضْج الطعام.\" (تفسير القرطبي تفسير سورة الأحزاب الآية 53).

8- عدم جواز اصطحاب أحد إلا بإذن:

من العادات السيّئة أن يحضر الإنسان بلا دعوة مهما كانت طبيعة العلاقة بين الداعي والأطراف الأخرى, فقد يكون صاحب الدعوة قد جهّز الأمكنة والأطعمة لعدد محدّد, فحضور أيّ شخص آخر قد يحرج صاحب الدعوة, بالإضافة إلى أنّه قد يكون في المجلس حديث خاص لا يرغب لأحد أن يطلع عليه أو أن يكون في المجلس أشخاص لا يرغبون بحضور هذا الفضوليّ, وقد وضح النبي صلى الله عليه وسلم الطريق لمثل هذه الحالات وسمح لصاحب الدعوة أن يردّ هذا الفضوليّ فعَن أَبِي مَسعُودٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِن الأَنصَارِ يُكْنَى أَبَا شُعَيبٍ فَقَالَ لِغُلَامٍ لَهُ قَصَّابٍ اجعَل لِي طَعَامًا يَكفِي خَمسَةً فَإِنِّي أُرِيدُ أَن أَدعُوَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ خَامِسَ خَمسَةٍ فَإِنِّي قَد عَرَفتُ فِي وَجهِهِ الجُوعَ فَدَعَاهُم فَجَاءَ مَعَهُم رَجُلٌ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: \" إِنَّ هَذَا قَد تَبِعَنَا فَإِن شِئتَ أَن تَأذنَ لَهُ فَأذَن لَهُ, وَإِن شِئتَ أَن يَرجِعَ رَجَعَ \" فَقالَ: لا, بَل قَد أذِنتُ لَهُ. (متفق عليه).
قال ابن حجر في الفتح:\" وفي الحديث من الفوائد:
• جواز الاكتساب بصنعة الجزارة واستعمال العبد فيما يطيق من الصنائع وانتفاعه بكسبه منها.
• وفيه مشروعيّة الضيافة وتأكّد استحبابها لمن غلبت حاجته لذلك.
• وفيه أنّ من صنع طعاماً لغيره فهو بالخيار بين أن يرسله إليه, أو يدعوه إلى منزله.
• وأن من دعا أحداً استُحبّ أن يدعو معه من يرى من أخصائه وأهل مجالسته.
• وأنّ الصحابة كانوا يديمون النظر إلى وجهه صلّى الله عليه وسلّم تبركاً به، وكان منهم من لا يطيل النظر في وجهه حياء منه كما صرح به عمرو بن العاص فيما أخرجه مسلم.
• وفيه أنه كان صلى الله عليه وسلم يجوع أحياناً.
• وفيه إجابة الإمام والشريف والكبير دعوة من دونهم وأكلهم طعام ذي الحرفة غير الرفيعة كالجزار.
• وأنّ تعاطي مثل تلك الحرفة لا يضع قدر من يتوقّى فيها ما يكره ولا تسقط بمجرد تعاطيها شهادته.
• وأنّ من صنع طعاماً لجماعة فليكن على قدرهم إن لم يقدر على أكثر, ولا ينقص من قدرهم مستنداً إلى أنّ طعام الواحد يكفي الاثنين.
• وفيه أنّ من دعا قوماً متصفين بصفة, ثمّ طرأ عليهم من لم يكن معهم حينئذ أنه لا يدخل في عموم الدعوة.
• وأنّ من تطفّل في الدعوة كان لصاحب الدعوة الاختيار في حرمانه, فإن دخل بغير إذنه كان له إخراجه، وقد جمع الخطيب في أخبار الطفيليين جزءاً فيه عدة فوائد:
• منها أن الطفيليّ منسوب إلى رجل كان يقال له طفيل من بني عبد الله بن غطفان كثر منه الإتيان إلى الولائم بغير دعوة فسُميّ \" طفيل العرائس \" فسُميّ من اتصف بعد بصفته طفيليّا، وكانت العرب تسميه الوارش وبقول لمن يتبع المدعو بغير دعوه \" ضيفين \" بنون زائدة، قال الكرماني: في هذه التسمية مناسبة اللفظ للمعنى في التبعية من حيث أنه تابع للضيف والنون تابعة للكلمة.
• واستدل به على منع استتباع المدعو غيرَه إلا إذا علم من الداعي الرضا بذلك.
• وأنّ الطفيلي يأكل حراماً، واحتج لذلك نصر بن علي الجهضمي بحديث ابن عمر رفعه \" من دخل بغير دعوة دخل سارقاً وخرج مغيراً \" وهو حديث ضعيف أخرجه أبو داود.
• وفيه أنّ المدعو لا يمتنع من الإجابة إذا امتنع الداعي من الإذن لبعض من صحبه.(فتح الباري شرح البخاري).

إضاءة:
إنّ بعض النساء يصطحبن بناتهنّ إلى حفلات الأعراس بلا دعوة بحجج واهية ممّا يُحرج أصحاب الدعوة ويحرجهم، كما أنها تجعل نفسها وبناتها مطيّة سهلة للغيبة والنميمة والغمز واللمز وقد قيل: من عرف قدره وقف عنده.

8- التجمّل للزيارة:

المحافظة على الأناقة من الأمور المهمّة التي دعا إليها الإسلام, والتجمّل صفة يحبها الله سبحانه وتعالى, فعَن عَبدِ الله بنِ مَسعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ قَالَ: \"لاَ يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَن كَانَ فِي قَلبِهِ مِثقَالُ ذَرَّةٍ مِن كِبرٍ\" قَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَن يَكُونَ ثَوبُهُ حَسَناً، وَنَعْلهُ حَسنَةً. قَالَ: \"إِنَّ الله جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمَالَ, الكِبْرُ: بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ\".(البخاري كتاب الإيمان باب تحريم الكبر).
وهذا التجمّل في الزيارة وتحسين المنظر عند الزيارة يشعر الآخر باهتمامك به واحترامك له, كما أنّ النفس الإنسانيّة تحب الجمال وتتآلف معه, وهذا التجمل من الآداب المحمودة التي يجب أن يتحلى بها المسلم كما صرح بذلك ابن حجر بقوله:\" إنّ الكبير إذا خرج من منزله تجمّل بثيابه ولا يقتصر على ما يكون عليه في خلوته في بيته, وهذا من المروءات والآداب المحبوبة.(فتح الباري كتاب الأشربة باب تحريم الخمر)
ولقد جاء رجل إلى أبي العالية وعليه ثياب صوف فقال أبو العالية:\" إنما هذا ثياب الرهبان إنّ المسلمين كانوا إذا تزاوروا تجمّلوا \".(الأدب المفرد 277).

يتبع .......... ذوقيّات خلال الزيارات

المرجع كتاب ذوقيات إسلامية للمؤلف عبد اللطيف البريجاوي
 

م. البريجاوي
  • عبير الإسلام
  • إليك أخي ...
  • فقه الأسرة المسلمة
  • تدبرات قرآنية
  • في رحاب النبوة
  • كتب
  • أطياف الهداية