اطبع هذه الصفحة


فقه حال صاحب المنكر

سلطان بن عثمان البصيري


لاشك أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أهم شعائر الدين الإسلامي ، وهو أمرٌ حضّ الشارع عليه كلَّ أحدٍ حسب وسعه ، كما قال النبي – صلى الله عليه وسلم – في الحديث الصحيح : ( من رأى منكم منكراً فليُغيّره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان ) رواه مسلم ، لكن مما يُنبّه له أن من فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يَعرف الآمرُ حالَ من يُنكر عليه ؛ أقصد الحالَ الذي له ارتباطٌ بالمنكَر ، وهو ما يُعرف عند المتخصصين في الدعوة بحال المدعو ، ويأتي هذا التنبيه لأن البعض ممن يحتسب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد يُغفله ؛ الأمر الذي يُفوّتُ عليه حصول النتيجة من إنكاره.

ولو نظرنا إلى بعض المدعوين أو المُنكَر عليهم لوجدناهم إما أن يكونوا على منكرٍ أعظمَ من المُنكر الذي يُراد إنكارُه عليهم أو أن عقيدتهم تُملي عليهم ما يرون معه عدمَ حُرمة فعلهم ؛ وبالمثال يتضح المقال :

الأول : من لا يصوم رمضان ولا يُصلي فليس منطقيّاً أن يُنكر عليه تركُه للصيام ولا يُنكر عليه تركُه للصلاة ، لأن الصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام وهي مُقدّمةٌ على الصيام الذي هو الركن الثالث من أركان الإسلام ، بل ذهب جمعٌ من أهل العلم إلى أن من صام وهو لا يُصلي فإن صومه لا يُقبل ، فالصواب أن يُنكر على هذا ترك الصلاة وترك الصيام ، كما إنه ليس منطقيّاً أن يُدعى للصدقة المطلقة من يأكل أموال الناس ظلماً ، لأن ترك المحرمات مقدّم على فعل المستحبات لو تزاحمت.

الثاني : من كان صوفيَّ المعتقد أو متأثراً في مُعتقده بالصوفيّة فإنّه يرى أن الإيمانَ مجرّدُ تصديقٍ بالقلب فقط ، أي لا علاقةَ للأقوال والأفعال بالإيمان ، ولذا قد يُنكَر عليه ما يرى هو ألّا علاقة له بالإيمان ، فحينها لا يستجيبُ ، ومثل هذا المدعو الواجبُ أن تُنكَرَ عليه عقيدتُه أو فكرتُه التي تأثّر بها ، كما إن من كان معتزليَّ المعتقد أو متأثراً بالمعتزلة فإنه يرى أن الاحتكام إلى العقل يُقدّم على الاحتكام إلى النقل في معرفة أحكام الشريعة الإسلاميّة !! ، مع أن الصواب هو ألاّ تعارض بين العقل والنقل ، ومثل صاحب المنكر هذا أيضاً الواجب أن تُنكر عليه عقيدتُه أو فكرتُه التي تأثّر بها.

ومما تقرّر تتبيّن أهميّة معرفة حال صاحب المنكر عند أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر ، لاسيّما من كان إتيانه للمنكر بسبب ما تُمليه عليه عقيدتُه أو العقيدةُ التي هو متأثرٌ بها لأن بقاءَه على تلك الفكرة لن يمنعه من ارتكاب منكر آخر لو زال المنكر الذي أُنكِرَ عليه ، بل حتى المنكر الذي زال بإنكاره عليه لن يكون مقتنعاً بكونه منكراً مادامت تلك الفكرة يعتقدها.
والله الموفق.
 

سلطان بن عثمان البصيري

 

سلطان البصيري
  • مقالات ورسائل
  • الصفحة الرئيسية