اطبع هذه الصفحة


ملاحظة القصر ماذا تفيد ؟

سلطان بن عثمان البصيري


إن مما يقوّي إيمان العبد بربه ويزيده ثباتاً على دينه واستقامة في سيره لله أن يلاحظ قصر الدنيا وسرعة انقضائها ، فما هي إلا أمل مخترم ، كما فعل بالأشياع من قبل.

ولنتدبر قول الله – تعالى - : ( كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار .. الآية ) ، وقوله : ( كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها ) ، وقـوله : ( قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين * قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادّين * قال إن لبثتم إلا قليلا لو أنكم كنتم تعلمون ) ، وقوله : ( يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا * يتخافتون بينهم إن لبثتم إلا عشرا * نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبتم إلا يوما ) ، فهذه الآيات الكريمة توحي بأن الدنيا لا نقول لن يخلّد فيها فحسب ، بل ستنقضي أيامها سراعا.

وحـول هذا المعنى جاء في خـطـبة للنبي – صلى الله عليه وسـلم – قوله لأصحابه – والشمس كانت على رؤوس الجبال قبل غروبها - : ( إنه لم يبق من الدنيا فيما مضى إلا كما بقي من يومكم هذا فيما مضى منه ) رواه الترمذي وحسنه ابن حجر.

فليتأمل العاقل الناصح لنفسه هذا الحديث ، وليتأمل أي شيء حصل له من هذا الوقت الذي قد بقي من الدنيا بأسرها ! .. سيجد أنه قد كان في غرور .. العاقل الناصح لنفسه لا يبيع سعادة الأبد والنعيم المقيم بحظ خسيس لا يساوي شيئا ، ولو طلب الله والدار الآخرة لأعطاه خيراً في الدنيا والآخرة ، كما قال لقمان الحــكيم – رحـمه الله – : ( ابن آدم .. بع الدنيا بالآخرة ؛ تربحهما جميعا ، ولا تبيع الآخرة بالدنيا ؛ تخسرهما جميعا ).

وقال معاذ بن جبل – رضي الله عنه – : ( ابن آدم .. أنت محتاج إلى الدنيا وأنت للآخرة أحوج ، فإن بدأت بالدنيا أضعت الآخرة وكنت من الدنيا على خطر ، وإن بدأت بالآخرة فزت بالدنيا والآخرة فانتظمتهما جميعا ).

وقال عمر بن عبد العزيز – رحمه الله – في خطبته : ( أيها الناس .. إنكم لم تخلقوا عبثا ولم تتركوا سدى ، وإن لكم معادا يجمعكم الله – عز وجل – فيه للحكم فيكم والفصل بينكم ، فخاب وشقي عبد أخرجه الله – عز وجل – من رحمته التي وسعت كل شيء وجنته التي عرضها السماوات والأرض ، وإنما يكون الأمــان غدا لمن خاف الله – تعالى – واتقى ، وباع قليلا بكثير ، وفانياً بباق ، وشقاوة بسعادة ، ألا ترون أنكم في أسلاب الهالكين ، وسيخلفكم بعدكم الباقون ؟! ألا ترون أنكم في كل يوم تشيعون غاديا إلى الله ورائحا قد قضى نحبه وانقطع أمله ، فتضعونه في بطن صدع من الأرض غير موسد ولا ممهد ، قد خلع الأسلاب وفارق الأصحاب وواجه الحساب ).

نعم .. أيها القارئ الكريم إن هذه الكلمات تحدونا للوقوف كثيرا للاعتبار.
 

سلطان بن عثمان البصيري

 

سلطان البصيري
  • مقالات ورسائل
  • الصفحة الرئيسية