اطبع هذه الصفحة


( موقف المسلم من أهل الكتاب )

سلطان بن عثمان البصيري


كَثُرَتْ التساؤلاتُ من بعض الإخوة حول موقف المسلم من أهل الكتاب ، أي أصحاب الكتب السماوية التي نزلت من عند الله على رسلهم ، هل يُوالى أهل الكتاب أو يُعادون ؟ وكيف يتم التعايش معهم ؟ ، لاسيّما وهناك من يُحاول تمييع قضايا العقيدة من أصحاب الأقلام وغيرهم ، وهذه التساؤلات دفعتني لكتابة هذه القواعد مستنيراً بما سطّره الشيخ الدكتور بكر أبو زيد عضو هيئة كبار العلماء في رسالته الإبطال لنظرية الخلط بين دين الإسلام وغيره من الأديان ، فأقول مستعيناً بالله :

1 – أن من عقيدة المسلمين الإيمان برسل الله ، أي التصديق بأنهم من عند الله ، كما قال تعالى : [قُولُوا آَمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ] {البقرة:136} .

2 –
أن من عقيدة المسلمين الإيمان بأن جميع الرسل كانت دعوتهم واحدة وهي توحيد الله وإفراده بالعبادة ، كما قال تعالى : [وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ .. ] {النحل:36} ، وقال : [وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ] {الأنبياء:25} ، لكن كان لكل رسول من الرسل عليهم الصلاة والسلام شريعة شرعها الله تعالى للعبادة ، فمثلاً شريعة موسى بيّنتها التوراة ، وشريعة عيسى بيّنها الإنجيل ، وشريعة محمد بيّنها القرآن ، كما قال الله تعالى : [ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ] {المائدة:48} ، وقال : [لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ] {الحج:67} ، والمنسك هو المتعبّد.

3 – أن من عقيدة المسلمين الإيمان بالكتب التي نزّلها الله على رسله ، كالزبور الذي نُزّل على داوود ، والتوراة التي نُزّلت على موسى ، والإنجيل الذي نُزّل على عيسى ، والقرآن الذي نُزّل على محمد ، عليهم الصلاة والسلام ، ومما يدل على ذلك قوله تعالى : [قُولُوا آَمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ] {البقرة:136} ، كما أن من عقيدة المسلمين الإيمان بأن القرآن قد تضمن مصالح العباد التي تضمنتها الكتب التي سبقته ، كما قال تعالى : [وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الكِتَابَ بِالحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الحَقِّ .. ] {المائدة:48} .

4 – أن من عقيدة المسلمين أن دين الإسلام نسخ ما قبله من الأديان التي جاءت من عند الله ، ويدلّ على ذلك عدد من الآيات ، كقول الله تعالى : [وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الكِتَابَ بِالحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الحَقِّ .. ] {المائدة:48} ، وقوله : [إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ العِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآَيَاتِ اللهِ فَإِنَّ اللهَ سَرِيعُ الحِسَابِ(19) فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ للهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ البَلَاغُ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالعِبَادِ(20) ]. {آل عمران}. ، وقوله : [وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآَخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ] {آل عمران:85 ، وغير ذلك من الآيات.

5 –
أن من عقيدة المسلمين أن الأديان السماوية غير الإسلام كاليهودية والنصرانية كلّها محرّفة من قبل أحبارها وقساوستها بتحريف كتبها ، وأبرز تحريف فيها التصديق بنبوّة محمد صلى الله عليه وسلم والأمر باتباعه ، فقد كذّبوا ذلك وحرّفوه ، وقد تضمّن القرآن ذكر ميثاق النبيين في اتباع من بعدهم ولاشك أن آخرهم وخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم ، كما قال تعالى : [وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ(81) فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ(82) أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ(83) ]. {آل عمران}. ، وكذلك تضمّن القرآن بشارة عيسى بمحمد عليهما الصلاة والسلام ، كما قال الله تعالى : [وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ] {الصَّف:6} ، وقد ذكر الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله في رسالته المسماة الإبطال نماذج من تحريف التوراة والإنجيل ، منها : أن اليهود نسبت الردة إلى نبي الله سليمان - عليه السلام - وأنه عبد الأصنام كما في سفر الملوك الأول. الإصحاح/ 11 عدد/ 5.
* ونسبت اليهود إلى نبي الله هارون - عليه السلام - صناعة العجل، وعبادته له كما في الإصحاح/ 32 عدد/ 1 من سفر الخروج.
وإنما هو عمل السامري، وقد أنكره عليه هارون - عليه السلام - إنكارا شديدا، كما في القرآن الكريم.
* وقد نسبت اليهود إلى خليل الله إبراهيم - عليه السلام - أنه قدم امرأته سارة إلى فرعون لينال الخير بسببها.
كما في الإصحاح/12 العدد/ 14 من سفر التكوين.
* وقد نسبت اليهود إلى لوط - عليه السلام - شرب الخمر حتى سكر، ثم زنى بابنته.
كما في سفر التكوين. الإصحاح/ 19 العدد/ 30.
* ونسبت اليهود: الزنى إلى نبي الله داود - عليه السلام - فولدت له سليمان - عليه السلام -.
كما في سفر صموئيل الثاني. الإصحاح/ 11 العدد/ 11.
* ونسبت النصارى - قبحهم الله - إلى جميع أنبياء بني إسرائيل أنهم سراق ولصوص، كما في شهادة يسوع عليهم.
إنجيل يوحنا. الإصحاح/ 10 العدد/ 8.
* ونسبت النصارى - قبحهم الله - جد سليمان، وداود: فارض، من نسل يهوذا بن يعقوب، من نسل الزنى.
كما في: إنجيل متى. الإصحاح/ 1 العدد/ 10.
وقال الشيخ رحمه الله بعد ذكر هذه النماذج : فهذه أمة الغضب ، وهذه أمة التثليث والضلال يرمون جمعا من أنبياء الله ورسله بقبائح الأمور التي تقشعر منها الجلود ، وينسبون هذا إلى كتب الله المنزلة: التوراة والإنجيل - وحاشا لله -.
إن هذا كفر بالله من جهتين: جهة نسبته إلى الوحي، ومن جهة الكذب على الأنبياء والرسل بذلك.
فكيف يدعى إلى وحدة المسلمين الموحدين، والمعظمين لرسل الله وأنبيائه مع هذه الأمم الكافرة الناقضة للإيمان بالكتب المنزلة والأنبياء والرسل ؟
ومن هنـــا: كيف لا يستحيي من المنتسبين إلى الإسلام من يدعو إلى طبع هذه الأسفار والإصحاحات المحرفة المفترى فيها مع كتاب الله المعصوم: ( القرآن الكريم ).
إن هذا من أعظم المحرمات، وأنكى الجنايات، ومن اعتقده صحيحا فهو مرتد عن الإسلام. انتهى كلامه رحمه الله.

6 –
أن من عقيدة المسلمين أن أتباع الديانات السماوية منهم من يُوحّد الله - فيعتبر أن الله سبحانه واحد - ولكنه لم يتبع محمداً صلى الله عليه وسلم ، فهذا لا ينفعه إلا إتباع محمد صلى الله عليه وسلم لقول الله تعالى : [وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآَخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ] {آل عمران:85} ، وبذلك يُعتبر كافراً ، ولذا ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحدٌ من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار ) ، ومنهم من يُشرك في عبادة الله كالنصراني الذي يقول بالتثليث ، أي إن الإله مكون من : الأب والابن وروح القدس ، أو إن الله ثالث ثلاثة فمثل هذا لا هو على النصرانية ولا على الإسلام بل الكفر كما قال الله تعالى : [لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ المَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ المَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَللهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ] {المائدة:17} ، وقال : [لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ المَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ المَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ] {المائدة:72} ، وقال : [لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ] {المائدة:73} .

7 – أن من عقيدة المسلمين أن ما ورد في القرآن من مدح للموحدين من أهل الكتاب هو مدح للزمن الذي كان قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم لأنّ من آيات القرآن ما تضمّنت بيان نسخ الإسلام لغيره من الأديان كما هي القاعدة الرابعة كما تقدّم ، ومن المقرّر في قواعد التفسير أن القرآن يُفسّر بعضه بعضاً ، فلا تعارض بين آيات القرآن.

8 - أن من عقيدة المسلمين أن غير المسلم إمّا أن يكون معلناً العداوة فهذا لا يُوالى وإنما يُقابل بالعداوة حسب الاستطاعة ، كما قال تعالى : [وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ] {الأنفال:60} ، وإما أن يكون غير معلن للعداوة ، فهذا لا يؤذى ولا يُهضم له حق ، وتقسيم غير المسلم إلى معلن للعداوة وغير معلن مأخوذٌ من التقسيم المذكور في القرآن في سورة الممتحنة ، إذ قال الله تعالى : [لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ(8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ(9) ]. {الممتحنة ، وتجدر الإشارة إلى أن المسلمين قد يُجرون عقوداً مع أهل الكتاب ، كالذمّة والأمان والعهد ، وهؤلاء جميعاً يُحفظ لهم عهدهم وأمانهم وحقهم على اختلاف أحكامهم ، ولذا جاءت أخبار عن المصطفى صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بعده رضي الله عنهم تتضمن حسن المعاملة مع الكفّار المُسالمين بيْد أنّه لا تُرفع مكانة الكافر فوق المسلم ولو كان مُسالماً ، كما قال الله تعالى : [ وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى المُؤْمِنِينَ سَبِيلًا] {النساء:141} ، ومن القواعد المقررة في الشريعة أنّ الإسلام يعلو ولا يُعلى عليه ، وكذلك نجد في سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ما يُشير إلى ذلك ، كمُطالبة أهل الكتاب بدفع الجزية وهو مالٌ يؤخذ منهم كل عام مقابل إقامتهم في ديار المسلمين على وجه الصَّغار ، كما قال تعالى : [قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَا بِاليَوْمِ الآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ] {التوبة:29} ، وكأمره صلى الله عليه وسلم بإخراج المشركين من جزيرة العرب أي أنهم لا يستوطنون فيها بحيث يتملّكون المساكن والدور ، بل تكون لهم الإقامة العارضة ، وغير ذلك من الأمثلة التي بثّها علماء الإسلام في مؤلفاتهم ككتاب أحكام أهل الذمة لابن القيّم رحمه الله.

9 – أن من عقيدة المسلمين أنّ أهل الكتاب ليسوا سواء في معاملتهم وأخلاقهم ، ففيهم الكذب والصدق ، والغدر والوفاء ، والفحش والعفاف ، ومما يشهد لهذا قول الله تعالى : [وَمِنْ أَهْلِ الكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ] {آل عمران:75} ، وقوله عن أهل الكتاب : [لَيْسُوا سَوَاءً ..] {آل عمران:113} ، ومع هذا فإن الأغلب فيهم الفسق كما قال الله عنهم : [ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ المُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الفَاسِقُونَ] {آل عمران:110} .

10 – أن من عقيدة المسلمين مشروعية حوار غير المسلمين سواء كانوا من أهل الكتاب أو غيرهم من الكفار للدعوة إلى الله وبيان فضل الإسلام ، لقوله تعالى : [وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آَمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ] {العنكبوت:46} ، ولذا فالحوار أمر مشروع ومحمود ، وأما خلط الأديان وتمييع عقيدة الإسلام وصهرها في الدعوات الضالة كالدعوة للديانة الإبراهيمية بزعمهم أنها تجمع اليهودية والنصرانية والإسلام ، وقد يدعونها بـ( وحدة الأديان ) أو ( توحيد الأديان ) أو ( توحيد الأديان الثلاثة ) أو ( الإبراهيمية ) أو ( الملة الإبراهيمية ) أو ( الوحدة الإبراهيمية ) أو ( وحدة الدين الإلهي ) أو ( المؤمنون ) أو ( المؤمنون متحدون ) أو ( الناس متحدون ) أو ( الديانة العالمية ) أو ( التعايش بين الأديان ) أو ( المِلّيُون ) أو ( العالمية وتوحيد الأديان ) ، والدعوة لطبع التوراة والإنجيل والقرآن في مجلد واحد فهذه ضلالات لا يحمدها من رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً وبحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً.

وفي الختام أرجو أنه بذكر القواعد السابقة اتضح موقف المسلم من أهل الكتاب ، وبالله التوفيق.


سلطان بن عثمان البصيري
www.sbusairi.blogspot.com


 

سلطان البصيري
  • مقالات ورسائل
  • الصفحة الرئيسية