اطبع هذه الصفحة


الهجوم على الهيئة والجهات الحكومية

سلطان بن عثمان البصيري


كتب صالح الشيحي يوم الأربعاء الموافق 23 / 1 / 1432 هـ مقالاً في جريدة الوطن أوضح فيه أن رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يُحاسبون عند خطئهم ، ومن قبله كتب عبد الله بن ناصر الفوزان مقالاً في يوم السبت الموافق 21 / 12 / 1431 هـ أوضح فيه عدم وجود نظام لمحاسبة الموظف الحكومي إذا أساء معاملة المواطن ، وتعليقاً على مقالي الكاتبين أوضح ما يلي :
* صدر في عام 1377 هـ مرسوم ملكي لمحاسبة الموظف الحكومي ولا يزال يُعمل به إلى الآن في المحاكم ، ولا يكاد يوجد محامٍ أو باحث نظامي إلا ويعرفه ، وهو ما يُعرف برقمه ؛ مرسوم 43 ، ولكن جهل الكاتبين بالأنظمة السعودية وما يُطبّق جعلهما يقولان ما قالاه.

* ُيدرك الكلّ أهميّة رجال الهيئة في المجتمع للقيام بشعيرة من أهم شعائر الدين الإسلامي ، وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وفي تعظيم شعائر الله يقول الله تعالى : [ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى القُلُوبِ] {الحج:32} ، بيْدَ أنّ الصحف تُطالعنا كثيراً بأخبارٍ إجرامّيّة تنسبها لرجال الهيئة ، وأكثرها يتضمّن إساءتهم في معاملتهم للمواطنين ، ولاشكّ أن إساءة معاملة المواطن من الموظف سواء كان رجل الهيئة أو غيره من الأمور التي جرّمها النظام السعودي ، بل الشرع والعقل كذلك ، لكن ليس كل خبر تأتي به الصحافة يكون صحيحاً ، فإنّ من المُتقرّر حسْبَ الشريعة الإسلاميّة والفلسفة القانونية الجنائية في كل دول العالم أن المُتّهم بريء حتى تثبت إدانته ، ولا ثبوت إلا بصدور الحكم القضائي النهائي ، كما إنّ من المُتقرّر أيضاً أن لكل جريمة ركنين ؛ مادي ومعنوي ، فالمادي يتمثّل في النشاط أو السلوك الذي يقوم به المتهم أي فعل الجريمة ، والمعنوي يتمثل في القصد الجنائي لدى المتهم أي نيّته ، فأيّ جريمة لم يتوافر فيها الركنان لا وجود لها.
لذا فليُعْلم أنّ ما تنشره الصُّحُف من التُّهَمِ المُوجّهة لكائن من كان من رجال الهيئة أو غيرهم قبل ثبوت إدانته هو خطأ ، لأنه والحالة هذه بريء.

وأما بخصوص رجال الهيئة بالذات فهم بشر ربّما يُخطئون كغيرهم من الأطبّاء والمعلّمين والمهندسين ، لكن أقول من واقعٍ شهدتُه في القضاء إنّ كثيراً من القضايا التي رُفعت ضدّهم لا يثبت فيها الرّكن المادّي للجريمة أي السلوك المجرّم شرعاً ونظاماً ، وغاية تلك الادعاءات كلام مُرسل لا دليل يَعْضُدُه ، بل شكاوى ودعاوى من طرفٍ واحد ! ، ولا يُمكن القول بصحّتها ما لم يُسمع قول الطرف الآخر ، لاسيّما وأن من المُتقرّر في باب الجنايات أنّ الأحكام القضائية لا تُبنى على الشّك والاحتمال.
ومن العجب دائماً اعتماد الصحافة في أخبارها عن أخطاء رجال الهيئة على من تُسمّيهم شهود عيان ، وهي لا تعلم هل هم عدول أم لا ! ، فربّما فيهم الكذّاب ومن لا يعرف الله بصلاة ولا غير ذلك ، أو تعتمد على شكاوى ودعاوى ليس لها شيء من الصّحة إذا تمّ عرضها أمام القضاء.

فأذكر قضيّة زعمت الصُّحف في كلامها عنها أنّ رجال الهيئة قاموا بمطاردة إحدى السيّارات في البرّ وصدموها فانقلبت ومات من فيها ، ثم جاء تقرير الأدلة الجنائية ليُثبت أنّ أثر دوريّة الهيئة بعيد جداً عن أثر السيارة المقلوبة ولا أثر للصدم في السيارتين !! ، وقضيّة أخرى زعمت الصحافة فيها اقتحام رجال الهيئة لأحد المنازل للوصول إلى سطحه لأن فيه منكراً بدون إذن للدخول ، وقد تبيّن للقضاء أنهم دخلوا عمارة شقق سكنية بلا باب ودرَجُها مُشاعٌ انتفاعه بين ساكنيها !! أي ليست مسكناً خاصاً !! ، وقضيّة ثالثة تراجع الشهود فيها على رجال الهيئة في مجلس الحكم !! ، والقضايا كثيرة.

ولا أدري حقيقةً ما تنتهجه الصُّحف فيما تقدّم من أخبار ملفّقة ، وتعليقات من غير المختصّين عليها ، بل تعليقات من لا يعرف مبادئ العدالة ؛ هل هو امتطاء الكذب ، أم عن جهل بالنظام ، أم ضعف في المهنية الإعلاميّة ، أم هم المدّعون أنفسهم في تلك القضايا ، أم لهم قصدٌ غير ذلك !!! ، لاسيّما وأنهم يغضّون الطرف عن الأخبار المتعلّقة بأخطاء الجهات الأخرى غير الهيئة مما هو أشدّ.

وإن من المؤمّل أن تَنْشُرَ الصحافة الأحكام القضائية النهائية التي صدرت بشأن الأخبار التي طيّرتها بعد إذن الجهة القضائية المختصة عملاً بالفقرة السابعة من المادة التاسعة من نظام المطبوعات والنشر ، أملاً في أن يُدرك الناس الحقيقة بعينها ، وذلك بصياغة القضاء لا صياغة الصُّحُف ، لأن صياغة القضاء أكثر دقّة في تجلية الحقيقة.

وللصحفيين من النظام ما يعضد نُشدانهم الحقيقة إن أرادوها ، فبإمكانهم الوقوف على الحقيقة ، فقد نصّ النظام على علنية الجلسات في المحاكم كما في المادة الواحدة والستين وكذلك الثالثة والستين بعد المائة من نظام المرافعات الشرعية الصادر برقم م / 21 وتاريخ 20 / 5 / 1421 هـ ، والمادة الخامسة عشرة من قواعد المرافعات والإجراءات أمام ديوان المظالم الصادر بالقرار رقم 190 وتاريخ 16 / 11 / 1409 هـ.
وعوْداً على موضوع محاسبة الموظف الحكومي سواء كان من رجال الهيئة أو غيرهم فأؤكد على نفي ما قاله الكاتبان المشار إليهما أعلاه من أن الموظف الحكومي وخصوصاً رجل الهيئة لا يُحاسب ، وأقول بل يُحاسب وصدرت أحكام تمّ فيها إدانة بعضهم ، واستناد الكاتب الشيحي على عدم سماعه بذلك خطأ من ناحيتين ؛ الأولى منهجيّة ؛ فكونه لم يسمع بشيء ليس دليلاً على عدمه ، ومن القواعد العلميّة والمنهجيّة أنّ عدم العلم ليس علماً بالعدم ، والثانية من حيث الواقع ، فالواقع يُثْبت أنّ أحكاماً قضائية صدرت في ذلك ، بيْد أن التشهير بنشر الحكم عقوبة بحدّ ذاتها تحتاج إلى حكم قضائي ، وهناك بعض الأنظمة السعوديّة نصّت على عقوبة التشهير في الصحف على بعض الجرائم ، مثل عقوبة التستر التجاري في نظام مكافحة التستر.
والله الموفق.


سلطان بن عثمان البصيري
www.sbusairi.blogspot.com

 

سلطان البصيري
  • مقالات ورسائل
  • الصفحة الرئيسية