اطبع هذه الصفحة


مفهوم الحصانة القضائية

سلطان بن عثمان البصيري

 
الحصانة القضائية نوع من أنواع الحصانات التي تهدف إلى حماية العمل ومن يقوم به من سلطان أيّ سُلْطة أخرى.

ولكي يتضّح أنّ الحصانة القضائية ما هي إلا نوع من أنواع الحصانات ننظر في لفظ ( حصانة ) أولاً ، فنقول إن لفظ ( حصانة ) بدخول ( ال ) التعريف عليه أضحى مستغرقاً لجنس الحصانة ؛ القضائية وغيرها ، كالدبلوماسيّة والبرلمانية ، فكلّها أنواع لجنس الحصانة ، ولذا ففي اللغة العربية تُعرف ( ال ) التعريف هذه بالجنسيّة.

ولبيان شمول الحصانة القضائية للعمل القضائي ومن يقوم به نعرض إلى قياس الحصانة القضائية على غيرها من الحصانات بجامع أن كلها أنواع لجنس الحصانة فنقول : إن من المتقرّر – حسب الاتفاقيات الدوليّة كاتفاقيّة فيينا لعام 1961م - أن الحصانة الدبلوماسيّة تعني حصانة العمل الدبلوماسي بحيث لا يُتدخّل فيه ، وحصانة من يقوم به أيضاً بحيث يطبّق عليه النظام أو القانون بطريقة تضمن له أنّه لن يفرض عليه أحدٌ شيئاً فيُخلّ بعمله.

كما إن من المتقررّ أن الحصانة البرلمانية تعني حصانة عمل عضو البرلمان بحيث لا يُتدخّل فيه ، وحصانته هو أيضاً بحيث يُطبّق عليه النظام بطريقة تضمن له انّه لن يفرض عليه احدٌ شيئاً فيُخلّ بعمله.

وفي هذا الصدد صدر من مجلس الوزراء لدينا بالمملكة العربية السعودية نظام خاص بمحاكمة الوزراء والتحقيق معهم ، وكان ذلك في عام 1382هـ.

فإذا طبّقنا مفهوم حصانة العمل ومن يقوم به في مجال القضاء اتضح أن المقصود بالحصانة القضائية حصانة القضاء بحيث لا تتدخّل فيه أيّ سُلْطة ، وحصانة القضاة بحيث أن النظام يُطبّق بحقهم ولكن بإجراءات تضمن ألا يُفرض عليهم شيء يعود بإخلالهم في عملهم ، كما تضمن عدم محاباة أحد منهم لأي سُلطة أخرى.

ولذا جاء في المادة الرابعة من نظام القضاء الصادر عام 1428هـ ما نصّه : ( لا تجوز مخاصمة القضاة بسبب أعمال وظيفتهم إلا وفق الشروط والقواعد الخاصة بتأديبهم ) ، وجاء في المادة الثامنة والستين من ذات النظام : ( يجب عند القبض على عضو السلك القضائي وتوقيفه – في حال تلبّسه بالجريمة – أن يُرفع أمره إلى المجلس الأعلى للقضاء خلال أربع وعشرين ساعة من القبض عليه ، وللمجلس أن يُقرر استمرار توقيفه أو الإفراج عنه بكفالة أو بغير كفالة ، ولعضو السلك القضائي أن يطلب سماع أقواله أمام المجلس عند عرض الأمر عليه ، ويحدد المجلس مدة التوقيف في القرار الذي يصدره بالتوقيف أو استمراره ، وتراعى الإجراءات السالف ذكرها كلما رئي استمرار التوقيف بعد انقضاء المدة التي قررها المجلس ، وفيما عدا ما ذكر لا يجوز القبض على عضو السلك القضائي أو اتخاذ أي إجراء من إجراءات التحقيق معه أو رفع الدعوى الجزائية عليه إلا بإذن من المجلس ، ويوقف أعضاء السلك القضائي وتنفذ العقوبات المقيدة لحريتهم في أماكن مستقلة ).

مما تقدّم يتبيّن أن الحصانة القضائية تكون للعمل القضائي ومن يقوم به ، ولذا اتجهت كثير من الدول إلى استقلال السلطة القضائية عن السلطتين التنظيمية والتنفيذية لتتحقق نزاهة القضاء ، فلا يُفرض شيء على القضاء أو يحابي أحدٌ ممن ينتمون إلى السلك القضائي أيّ سُلطة أخرى.

ومما يجدر التنبيه إليه أن الحصانة عموماً ؛ القضائية وغيرها لا تعني ألا يُطبّق النظام بحقّ من مُنح الحصانة ، بل يسري النظام عليه وعلى غيره ، وإنما المقصود أن لتطبيق النظام عليه إجراءات تضمن سلامة عمله الذي يقوم به.

ويرى بعض الكُتّاب لدينا في المملكة العربية السعودية أنّ الحصانة القضائية تعني أن لا تتدخّل أي سُلطة في القضاء فحسب ، أي أنّ الحصانة للقضاء وليست للقضاة ، ويستدلّون لذلك بنص المادة السادسة والأربعين من النظام الأساسي للحكم ، والتي نصّها : ( القضاء سلطة مستقلّة ، ولا سلطان على القضاة في قضائهم لغير سلطان الشريعة الإسلامية ) ، فالمادة بيّنت أنّه لا سلطان على القضاة في قضائهم ؛ الأمر الذي يُفهم منه أن الحصانة للقضاء وليس للقضاة حسب فهمهم.

ولكن أرى فهم هؤلاء الباحثين الذي اختزل معنى الحصانة في استقلال القضاء فحسب ليس صحيحاً ، وذلك لأن الحصانة أعمّ وأشمل من الفهم المشار إليه آنفاً ، كما إن المادة لم تحصر معنى الحصانة القضائية في القضاء.

وبالله التوفيق ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين.

سلطان بن عثمان البصيري

 

سلطان البصيري
  • مقالات ورسائل
  • الصفحة الرئيسية