اطبع هذه الصفحة


العفو في الأحكام القضائية

سلطان بن عثمان البصيري


لا خلاف بين المحققين من علماء الشريعة الإسلامية في أن تصرّفات ولي أمر المسلمين أي الحاكم فيما يختص بولايته لابد أن تكون منوطة بمصلحة رعيّته وهي ما تسمّى بالصالح العام ، فلا يُقدِم على شيء من أمور ولايته أو يُحجم عنه إلا وهو مستحضر فيه المصلحة للرعيّة ، هذا إذا لم يكن قد فصَل نصٌ شرعيٌ من الكتاب أو السنّة في الأمر الذي هو بصدد الإقدام عليه أو الإحجام عنه ، فمن القواعد المقررة في الشريعة الإسلامية أنّه لا اجتهادَ مع النصّ.

ولا خلاف أيضاً في أنه إن واجهت الحاكم عند نظره لأمر ليس فيه نصٌ شرعيٌ عدّةُ مصالح لا يستطيع تحصيلها كلّها فعليه أن يحرص على تحصيل أكبرها أولاً ثم غيرها ما استطاع ولو فات ما دون الكبرى ، وإن واجهته عدّة مفاسد لا يستطيع دفعها كلها حرص على دفع أكبرها أولاً ثم غيرها ما استطاع ولو حصل ما دون الكبرى ، وهذا ما يسميه العلماء بتزاحم المصالح والمفاسد.

فتأسيساً على ما تقدم يتّضح أن الحاكم له أن يعفو عمن أخطأ إذا رأى في ذلك مصلحة لرعيّته أكبر من غيرها إذا كان الخطأ من الأخطاء التي لم يرِد في تحديد عقوبة فاعلها نصٌ شرعيٌ.

ومن هنا يتبيّن أن من الأحكام القضائية التي تصدر في باب الجنايات ما تكون العقوبة فيها مقدّرةً بالنصّ الشرعيّ فهذه لا مجال لاجتهاد يخالفها سواء من الحاكم أو نائبه كالقاضي ، ومن الأحكام القضائية أيضاً ما تكون العقوبة فيها غير مقدّرة بنصّ شرعيّ فهذه تكون العقوبة فيها باجتهاد الحاكم أو نائبه ولابد أن يكون هذا الاجتهاد قد روعيت فيه المصلحة للمخطئ وغيره من الرعيّة.

ومما ينبّه له أن تصرّف الحاكم في قضية ما بالعفو عن المخطئ أو تخفيف العقوبة عنه مجاله الحق العام فحسب ، ولا علاقة له في الحق الخاص بإسقاطه ، فيحق لمن له حق خاص أن يُطالب به بعد إدانة المخطيء عليه في الحق العام.

 

سلطان بن عثمان البصيري

 

سلطان البصيري
  • مقالات ورسائل
  • الصفحة الرئيسية