اطبع هذه الصفحة


في البدء كان الحوار

د.عبد المعطي الدالاتي

 
 في البدء كان الحوار .. إذ وجد الحوار حتى قبل أن يوجد الإنسان .
فحاور اللهُ جلّ وعلا ملائكته الكرام, ثم حاور من بعد ذلك آدمَ عليه الصلاة والسلام ..
والقرآن الكريم هو كتابُ الحوار . فالحوارُ هو المنهج القرآني المفضل لنقل المبادىء والأفكار.
والحوار هو " الموعظة الواحدة" قال الله تعالى:
((قل إنما أعظكم بواحدة ، أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكّروا)).
فالتفكر الثنائي هو حوار هادىء هادف، والتفكر الفردي هو حوار داخلي عميق مع النفس أمام مرآة الفطرة.
والمربي الناجح يحاور طفله في كل همومه ، وفي جميع اهتماماته، بلغة محببة يفهمها الطفل.
والمربي الناجح لايستهين بإمكانات طفله الفكرية ، وبقدرته على الاستيعاب , فكل ما يتصل بالطفل لن يكون بسيطا على الإطلاق .
وإنّ روح الطفل متوثّبة تَوّاقة لاكتشاف جديد العوالم, والأب الحكيم والأم الحكيمة لايضيقان ذرعاً بأسئلة طفلهما المتلاحقة,بل يجيبان عنها بعناية وبرحابة صدر، حتى لا يقتلا فيه روح الدهشة والتساؤل.
وبالحوار المنطقي السليم يستطيع الأبوان أن يثيرا اهتمام طفلهما, وأن يغرسا فيه القيم والأفكار.
و بالحوار يقدر الأبوان أن يُعلماه التفكير العميق والمنطق الحسن, وأن ينفيا عنه عقليّة البُعد الواحد..
وبالحوار تنغرس في نفس المربي الثقة بأن طفله يصاحبه متنقلا في درجات سلّم الأفكار .

الحوار بالحكمة والموعظة الحسنة:
تُخاطب الحكمة عقل الطفل فتُقنعه, والموعظةُ الحسنة - لا الخَشِنة - تخاطب وجدانه فتُمتعه ..
فالأسلوبُ جزءٌ من الفكرة, والأسلوبُ الحسن يزيد الفكرة حُسناً, أما الأسلوب الخشن فيُضيع المضمون الحسن ..
وما أجملَ أن يُمهّدَ المربّي لموعظته بكلماتِ الحب, فيخاطبُ القلب بالمحبة, قبل أن يخاطب العقل بالمعرفة, مقتدياً بمنهج المربّي الأعظم  صلى الله عليه وسلم  حين وعظ معاذ بن جبل يوماً, فأخذ بيده وقال :
(( يا معاذ, والله إنّي لأُحبُّك, أوصيك يا معاذ لا تَدعَنَّ في دُبُر كلّ صلاةٍ تقول: اللّهم أعنّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ))  رواه أبو داود بسند صحيح .
فقد مهدّ النبي  صلى الله عليه وسلم  لموعظته بإثارة اهتمام معاذ, وبتأكيده لمحبّته, باللمس إذ أخذ بيده و مستخدماً أداة النداء يا, ومنادياً له باسمه (معاذ), ومن منّا لا يتنبه وعيهُ عند ذِكر اسمه ؟! .
ثم أكد الحبّ مُقسماً بالله سبحانه (والله), وأكدّ ثانيةً بقوله ( إني ) وثالثةً بلام التوكيد ( لَأحبُّك ) . ورابعة بذكر كلمة الحب التي يتفتّح لها كلُّ قلب !
فما الذي بوسع معاذ أن يَصنع أمام هذا العطاء النبوي إلا أن يقول: لبيّك يا رسول الله ؟..
نسأل الله تعالى الذي قدّر لنا محبته, ولم يقدّر لنا رؤيته, ألا يحرمنا منها يوم النعيم ..
وليس للمربي أن يَمَلّ من تكرارِ الموعظة, ففي الوصيّة النبوية :
(( مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناءُ سبع واضربوهم عليها وهم أبناءُ عشر )) رواه أبو داود .  قد يتكرر الأمر بالصلاة في ثلاثِ سنواتٍ لأكثر من خمسة آلاف مرة.
ومما يضاعفُ من أثر الحوار والموعظة, أن يأتيا في سياق سرد القصص ، حيث تطلق هذه القصص العنان لخيال الطفل, وتنمّي لديه القدرة على التصوّر،وتغرس فيه العِبَر, وخيرُ من يقوم بهذا الدور هو الأم ,وخاصة قبل النوم ..

 

د.الدالاتي

  • مقالات
  • ربحت محمدا
  • مرايا ملونة
  • نجاوى
  • هذه أمتي
  • أنا مسلمة
  • لحن البراءة
  • دراسات في أدب الدالاتي
  • مصباح الفكر