اطبع هذه الصفحة


تلاميذُ هاشم

د.عبد المعطي الدالاتي


مَن منا لم يسمع باسم الخطاط العراقي هاشم البغدادي ؟
من منا لم تصافح عيناه كراسته التي تركها لناشدي الخط العربي؟
هذا الفن المبهر الذي قال فيه بيكاسو : ما ينتهي إليه فن التجريد ، يبدأ منه فن الخط العربي .
الفن الذي جعل الخطاط التركي سامي يقول: " درست الخط أربعين عاماً ، لأتذوّق عظمة راقم ".
الفن الذي حمل الخطاط حامد الآمدي على أن يقول في أخرياته :
" مادام في الجنة قصب وأوراق فلن أبالي بالموت ".
الفن الذي يبدأ سنده بابن مقلة فابن البواب فالمستعصمي ،
مروراً بالأماسي و راقم وسامي وحقي وحامد في تركية.
وبدوي الديراني وهادي الحمصي وعثمان طه في الشام .
وسيد إبراهيم وحسني البابا في مصر، وهاشم البغدادي في العراق ..
وانتهاء بصديقيّ المبدعين الأستاذ عدنان الشيخ عثمان وتلميذه محمد الحداد، اللذين اعتليا عرش الخط الذهبي في العالم ..
الأول بجمال حرفه،وتفرده في إتقان الخطوط جميعاً ،والثاني بخياله المجنح ، وجمال تركيبه الخارق ..
حكايات الخطاطين غريبة !
في المنوّرة ضمّني المجلس يوماً مع الأستاذ عثمان طه .. فقال:
تتلمذت على يد خطاط الشام بدوي الديراني ، وقبيل موته قال لي :
يا بنيّ هاك قصبتي ، لا تخط بها إلا إذا غدوت خطاطا .
قال الأستاذ عثمان: إلى الآن لم أخط بها حرفا .
وفي يوم طلب الشاعر الكبير عمر بهاء الدين الأميري منه أن يرقم اسمه
فكتب بأجمل خط "عمر الأميري "،وإذ به يتصل عاتباً يقول: " يا بني سلبتني أغلى ما أملك..أين بهاء الدين ؟!".
ومما حدث أيضا، أنه لما اجتمع بالعلامة محمد متولي الشعراوي رحمه الله،
فوجىء بالشعراوي يكبّ على يده مقبلا يقول: هذه يد خطت كتاب الله ..
ولن أنهي إلا بمن بدأت ؛ تلاميذ هاشم ..
وفدوا إليه على ظمأ ، يعلنون له أنهم عشاق ينشدون الفن ، وعاهدوه على ألا يستعجلوا الثمرة ، وألا يضجرهم زمن الطلب وطول الطريق ..
فسح لهم المعلم في روحه قبل فنه ، فخاطب قلوبهم بالمحبة قبل أن يخاطب أرواحهم بالفن .
كانوا يقدمون إلى قاعة الدرس في منزله كل صباح جمعة ..
تعلمواعنه ، ونهلوا منه ، ثم مات الأستاذ !
وظل التلاميذ يفدون إلى منزل أستاذهم كل صباح جمعة ، يقرعون الجرس ..
ويرجعون! ..
***

 

د.الدالاتي

  • مقالات
  • ربحت محمدا
  • مرايا ملونة
  • نجاوى
  • هذه أمتي
  • أنا مسلمة
  • لحن البراءة
  • دراسات في أدب الدالاتي
  • مصباح الفكر